لم ترتق الحملة الانتخابية للتأسيسي لمستوى الحدث التاريخي الذي تمثله، أول انتخابات تعددية حرة تدار بعيدا عن تدخلات وزارة الداخلية والحزب الحاكم والأجهزة التابعة لهما. هذا التشخيص يشي به برود حملات القائمات المترشحة وغياب اجتماعاتها والتصاقها بالناخبين والمواطنين لشرح برامجها ورؤاها ولحثهم على الإقبال على صناديق الاقتراع والتعبير عن إرادتهم بعيدا عن التوصيات والضغوطات التي ذهبت بلا رجعة . المواطنون والناخبون لم يكونوا متحمسين لمتابعة الحراك السياسي، رغم بطء نسقه، وواصلوا حياتهم بلا تغيير . ويبدو أن ضعف اهتمام المواطنين بالحملة والانتخابات, بعدما طغت النقاشات السياسية على حياتهم اليومية أيام الثورة والأشهر الأولى التي تلتها، يعود إلى فقدان جزء هام منهم للثقة في الحكومة والأحزاب لأنها لم تتوفق في إيجاد حلول للمشاكل القائمة والتي تفاقم بعضها، مثل البطالة وضعف المقدرة الشرائية وارتفاع كلفة العيش . كما يعتقد الكثيرون أن المجلس التأسيسي والحكومة المؤقتة الجديدة التي ستنبثق عنه لن يكون بإمكانها تغيير الواقع الراهن لأنها ستنكب على صياغة الدستور ولن تجد لا الوقت ولا التمويلات ولا الصلاحيات لإدخال الإصلاحات التي ينتظرها الشعب . ضعف تحركات الأحزاب فرضته طبيعة الانتخابات التي لن تشهد صراعا على البرامج والتصورات، في ظل شبه الاتفاق على الخطوط العريضة والمبادئ العامة للدستور الجديد، وتفضيل الكثيرين اعتماد تكتيك انتخابي يقوم على الاتصال المباشر بالمواطنين لإقناعهم بالتصويت لفائدة قائماتهم، لتأكدهم أن كثرة القائمات المترشحة وعدم اختيار أغلب الناخبين للقائمة التي سيصوتون لفائدتها يجعل الاتصال المباشر أفضل وسيلة لكسب الأصوات . لكن هذا البرود من المترشحين، مهما كانت أسبابه وأبعاده, وما يرافقه من نفور من جزء هام من المواطنين، قد يخلفان نتيجة لا يرتضيها أحد، تتمثل في ضعف الإقبال على التصويت وتسجيل نسبة حضور لا ترتقي إلى أهمية الحدث في المسار الانتقالي الذي تمر به البلاد . إن التصويت يوم 23 أكتوبر, بغض النظر الى من سيتجه, يعد خطوة ضرورية تستكمل أهداف الثورة وتحققها, إذ تعيد الثقة إلى صندوق الاقتراع كآلية للتعبير عن سيادة الشعب، ووسيلة للتداول السلمي على السلطة، فلا يكفي تفكيك منظومة الاستبداد والفساد، إذا لم يكن البناء على أسس صحيحة . وحتى الذين يرون أن المسألة محسومة وأن الرهان مفقود مطالبون بتكثيف الإقبال على مكاتب التصويت على الأقل من أجل الدربة على الديمقراطية وعدم التخلف عن المشاركة في هذه المحطة الانتخابية التاريخية، في حين يتوجب على الفاعلين السياسيين القبول بنتائج التصويت وإرادة الناخبين مهما كانت وبمن جاءت به، اذ أن الديمقراطية لا يمكن أن تكون على المقاس أو موجهة في اتجاه بعينه .