الأكيد أن كمال الجندوبي، رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عاش آحادا مثيرة في حياته، لكن أن يعيش أحدا كالذي تزامن مع هذا التاريخ التاريخي ل23 أكتوبر 2011 فتلك حكاية أخرى... «الشروق» تابعت لحظة بلحظة الجنيرال وهي أقل رتبة يمكن اسنادها له وهو يقود جنوده في مهمّة كان الجميع في العالم يعتقد أنها مستحيلة. ضبّاط الجيش وأعوان الأمن المنتشرين حول وداخل المكان يعرفون جيّدا أنّ أول شخص وطأت قدمه المدرج المؤدّي الى بهو قصر المؤتمرات بشارع محمد الخامس بتونس العاصمة هو كمال الجندوبي رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات. كانت الساعة تشير الى السادسة إلاّ بضع دقائق لما اجتازت الباب المقابل لساحة حقوق الانسان سيارة الجنيرال. صباح آخر من صباحات عديدة يستيقظ عليها الوطن وكله شوق الى لحظة الحسم. وللحسم قواعده ورجاله، لذلك كان على الرجل الذي اختارته تونس لينظّم أول انتخابات حرة وديمقراطية أن ينهض باكرا، فاليوم يوم حسم بكل ما تعنيه الكلمة من معاني ودلالات سياسية وثقافية واجتماعية وأخلاقية. ونعتقد أن الجنيرال كان على دراية كاملة بأنّ في صناديق الاقتراع جزءا من حاضر تونس وكل مستقبلها لذلك جاء باكرا الى هيئته حتى تخرج من صناديق الاقتراع الحرية والديمقراطية في توافق تام مع إرادة الشعب. قاعة العمليات على الساعة السادسة والنصف إلتأم أول اجتماع لأعضاء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وإن لم يتسرب شيء عن أعمالها فإن الجميع كان يعلم أن كمال الجندوبي كان على اتصال دائم برؤساء الهيئات الفرعية الموزعة على كامل تراب الجمهورية للاطمئنان إن كانت كل مكاتب الاقتراع قابلة للاستعمال وقادرة على استقبال ملايين الناخبين. لكن الخوف الذي كان يتملك الجنيرال أن لا يكون اقبال التونسيين على الانتخابات بالشكل وبالمستوى المأمول، يقول السيد كمال الجندوبي: «أنا متفائل وعلى يقين من أنّ التونسيين سيكونون جميعا جنبا الى جنب من أجل إنجاح الانتخابات». ناجح ب80٪ كنا نرى ونحن نتطلع الى وجه الجنيرال بعض القلق الذي لم يصل أبدا الى حدّ التوتر. لكن ما من أحد كان قادرا على شرح أسباب ذلك القلق ومع الساعة العاشرة صباحا تبين لنا مصدر ذلك الخوف فقد غادر الرئيس قاعة العمليات ليتحدث الى الاعلاميين والصحافيين قائلا: «بلغ الى علم أعضاء الهيئة أن بعض المرشحين وأنصارهم بصدد القيام في مراكز عديدة من المراكز بتجاوزات في خرق واضح للقانون وتُنبّه الهيئة الىخطورة هذا السلوك وتدعو الجميع الى الالتزام بالقانون واحترام قاعدة الصمت المفروضة على كافة الأحزاب والقائمات المستقلة بداية من يوم السبت 22 أكتوبر والى غاية يوم الاقتراع». ولما سأله الصحافيون عن طبيعة تلك التجاوزات أجاب السيد كمال الجندوبي: «المراقبون والملاحظون يتحدثون عن مضايقات وتحرّش بالناخبين داخل وخارج مراكز الاقتراع كما أن هناك من لازال يواصل القيام بحملته الانتخابية إما عبر الهواتف الجوالة أو بوضع ملصقات ولافتات بالقرب من المراكز وهي اخلالات ستتثبت فيها الهيئة وتتخذ فيها الاجراءات اللازمة». في ذلك الوقت اعتقد الجميع أنّ تدخل الرئيس كان كافيا لردع المخالفين، لكن تهاطل الرسائل القصيرة الصادرة عن المراقبين والملاحظين دفعت بالسيد كمال الجندوبي هذه المرة الى عقد ندوة صحفية والذهاب الى التلفزيون الوطني وإذاعة «موزاييك» من اجل دق ناقوس الخطر والتهديد باللجوء الى القضاء. ذلك أنّ طبيعة الخروقات كانت بذلك الخطر الذي لا يمكن السكوت عنه وهو ما دفع بالجنيرال الى التلويح: «قد نضطر الى سحب بعض القائمات المخالفة إن ثبت تورّطها في مثل هذه الخروقات». وبين تدخل وآخر علمت «الشروق» أنّ الرئيس وأعضاءه تناولوا وجبة الغذاء وقوفا بعد أن بلغت العملية الانتخابية شوطا كان يسمح باعطاء أرقام أولية عن بعض النسب ومنها نسبة المشاركة التي أعادت الى وجه الجنيرال الأمل، فقد كانوا أربعة ملايين ومائة ألف تونسي قد وضعوا أصواتهم في شكل أوراق بعد أن غمسوا أصابعهم في الحبر الأزرق داخل صناديق الاقتراع. نجح كمال بنسبة 80٪ وهو مؤهل انتخابيّ يستحق عليه رتبة جنيرال أول انتخابات حرّة وديمقراطية تونسية.