بصرف النظر عن النتائج النهائية لانتخابات المجلس التأسيسي وما سيناله كل طرف سياسي من حظ في هذا المجلس فإن الصورة الجميلة التي قدّمها التونسيون أمس الأول لن تمحى بسهولة ولن تؤثر فيها التجاذبات التي ستشهدها المرحلة القادمة لأن الجانب الأكبر من المهمة أنجز بنجاح ولأن الشعب الذي خرج بتلك الكثافة التي تجاوزت كل التوقعات برّأ ذمّته ورمى بالكرة في ملعب الفاعلين السياسيين ولسان حاله يقول «هذا هو صوتي الذي تناحرتم عليه وتدافعتم وبذلتم من أجله جهدا ما بعده جهد، ها هو بين أيديكم، بل هو أمانة في أعناقكم فأروني ما أنتم فاعلون». اليوم أكمل الشعب المهمة وأودع الأمانة في موضعها ولم يبق سوى البعد الأخير ولعله الأخطر في هذه العملية وهو القبول بالنتائج وأن تثبت النخبة السياسية شيئا من الوعي الذي أثبته الشعب وأن تدرك هذه النخبة التي ترفع شعارات الديمقراطية والحريات واحترام الآخر استحقاقات هذه القيمة (الديمقراطية) ومقتضياتها. اليوم سيكون الساسة أمام الاختبار الأصعب وسيتبين الناس الصادق منهم ومن هو دون ذلك وسينكشف أولئك الذين أسرفوا في رفع الشعارات وإطلاق الوعود وهم الذين يعلمون قبل غيرهم أنهم أعجز من أن يحققوا معشار ما أطلقوه، وسيكون من الصعب بعد اليوم أن يتواصل ذلك الخطاب الذي اعتمده رجال السياسة على امتداد الأشهر الماضية وأن يتواصل التعامل مع هذا الشعب على أنه قاصر أو ينقصه شيء من الوعي والنضج والحس السياسي... الشعب التونسي كسب علامة امتياز حين هبّ بتلك الكثافة والتلقائية والصبر إلى صناديق الاقتراع وهو في طريقه إلى كسب علامة ثانية حين يثبت مرّة أخرى تقدّمه على النخبة السياسية كما تقدم من قبل مع اندلاع الثورة وبعد أن أخذ الراكبون عليها مواضعهم وقبع الجالسون على الربوة مراهنين على تراجع هذا الشعب إلى الوراء وعودة الخوف إلى النفوس ولكن دون جدوى. لقد اتّضحت الصورة الآن وبدأت ملامح المرحلة المقبلة تتشكل وتتبين والثابت أنها لن تكون مشابهة للمرحلة المنقضية بعد أن بصمها الشعب ببصمته التي لا تمحى وأعلاها بصوته الذي لا صوت يعلو فوقه.