لم تر الادارة الأمريكية في صعود الاسلاميين ممثلين في حزب العدالة والتنمية بنسبة كبيرة من المقاعد في البرلمان المغربي أمرا مربكا، بل توجهت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون الى الشعب المغربي بالتهنئة وعبّرت عن ارتياح البيت الأبيض لنتائج الانتخابات التشريعية التي كانت مصعدا سياسيا جديدا للحركة الاسلامية الى السلطة. هكذا توشك حلقات المشهد السياسي الجديد في البلدان العربية على الترابط، فبعد صعود حركة «النهضة» الاسلامية بأغلبية مريحة الى المجلس الوطني التأسيسي وإعلان المنهج الاسلامي وغلبة الاسلاميين في ليبيا بعد سقوط نظام القذافي والظهور القوي للاسلاميين في مصر وسيطرتهم المربكة على الشارع المصري، تتحقق توقعات مركز نيكسون الأمريكي للبحوث والدراسات في أن الحركات الاسلامية سيتعاظم شأنها وتكون بديلا للأنظمة السياسية العربية الاستبدادية المنهارة الواحد تلو الآخر. توقعات الأمريكان... صحيحة فقد أشار تقرير مركز نيكسون، الذي يتعامل مع الادارة الأمريكية ولا يبخل عليها بالنصح، الى أن «معركة الأفكار في العالم العربي والاسلامي ستكون في المقام الأول معركة فقهية داخل العالم الاسلامي وهو صراع تبدو الولاياتالمتحدةالأمريكية غير قادرة على مواجهته أو خوضه ولكن يمكن مع ذلك أن تساعد الاسلاميين المعتدلين للكشف عن الطبيعة الحقيقية لأشدّ الخصوم لأمريكا». ويبدو أن الادارة الأمريكية وصانعي القرار فيها اقتنعوا تماما بناء على نصائح مركز نيكسون بأن عليها تغيير أساليب التعامل مع الحركات الاسلامية وتفادي الحرب الايديولوجية الخاسرة التي خاضتها مع هذه الحركات في السنوات الأخيرة بعد أحداث 11 سبتمبر وعدم الانجرار الى حرب مع الاسلام أو الخوض في معركة التصوّرات والمفاهيم. والملفت للانتباه أن بعض الخبراء الأمريكيين المتخصّصين في العالم الاسلامي توقّعوا فوز حزب العدالة والتنمية الاسلامي بأغلبية المقاعد في البرلمان المغربي قبل انطلاق الحملات الانتخابية، وقد عبّر هؤلاء الخبراء عن توقعاتهم هذه في شكل مقالات ودراسات وذهب بعضهم الى أن عوامل كثيرة ستساعد على فوز الاسلاميين في المغرب منها أن الحركة الاسلامية تخوض الانتخابات وهي منظمة ومتماسكة فيما تبدو القوى العلمانية الليبرالية واليسارية منقسمة ومفتتة. وتوقّع الخبراء الأمريكان فوز جماعة الاخوان الاسلامية في المغرب بعد فوز حركة «النهضة» الاسلامية في تونس معتبرين ان حركة «النهضة» وحزب العدالة والتنمية لا يحيدان كثيرا عن الميكانيزمات الفكرية لجماعة الاخوان وسيكون الفوز القادم لهذه الحركات في الانتخابات التشريعية المصرية التي تجري هذه الأيام. نظرة جديدة ويأتي هذا الفوز الحاصل في تونس والمغرب والصعود الاسلامي اللافت للنظر في ليبيا والفوز المنتظر للاسلاميين في مصر بعد ان عدّلت البحوث والدراسات الأمريكية نظرتها الى الحركات الاسلامية في الشرق الأوسط عموما واعتبر خبراء مركز نيكسون الأمريكي ان هذه الحركات «تقوم بالترويج للتغيير الاجتماعي المتدرج من خلال طرق سياسية سلمية» بعد ان كان الاعتقاد سائدا في الإدارة الأمريكية بأن «هذه الحركات لا تعدو ان تكون وجوها متعددة لعملة واحدة منهجها العنف والتطرف وتصوّر الولاياتالمتحدةالأمريكية على أنها الشيطان الأكبر». لكن خشية الولاياتالمتحدة من الحركات الاسلامية الجهادية التكفيرية مايزال قائما ومبرّرا في نظر الخبراء الأمريكيين فالخبير «روبرت لايكن» مدير برنامج الهجرة والأمن القومي في مركز نيكسون يرى ان «الجهاديين يمقتون الديمقراطية فيما يعتبرها جماعة الاخوان المسلمين نظاما سياسيا يمكن تبنيه ولا يرون مانعا من الالتزام بحكومة تمثيلية وتكريس رأي الأغلبية» وهو ما تعهّد به فعلا قياديو الحركات الاسلامية في تونس والمغرب ومصر فقد كشفت وثائق «ويكيليكس» نقلا عن برقيات السفير الأمريكي بتونس عن بداية مصالحة مع بعض قيادات حركة «النهضة» قبل سقوط نظام بن علي وسعيهم الى إقناع رئيس الديبلوماسية الأمريكية بأن حركة «النهضة» تمثل الاسلام المعتدل في تونس وخطها الاعتدالي هو ما تبحث عنه الولاياتالمتحدةالأمريكية». اطمئنان ملفت كما يبدو ان الادارة الأمريكية اطمأنت لبعض الحركات الاسلامية بعد ان تأكد لها ان شقّا من هذه الحركات «يميل الى ايلاء الاهمية الأكبر لشؤون بلدانهم كل على حدة». ويذهب استاذ السياسة والحكومة في جامعة جورج مايسون الأمريكية «بيتر مانديفيلي» خطوات أعمق في تحليل هذا المعطى المهم حيث يرى أن اجتماعات قادة جماعة الاخوان المسلمين أصبح يسودها الخلاف الحاد حول مسألة توحيد البلدان التي أضحت الحركات الاسلامية حاكمة فيها وماسكة بمقاليد السلطة وأصبح التركيز أكثر على التمايز والاختلاف بين هذه البلدان واستبعاد فكرة نشوء «الأمة الاسلامية» من جديد وبقاء التعاون بين الجماعات المختلفة للإخوان في حدّه الأدنى. وزاد اطمئنان الادارة الأمريكية لصعود الحركات الاسلامية بعد الوقوف على حقيقة أن «الأجيال الجديدة لشباب الاخوان براغماتيون إصلاحيون لكنهم لا يحسنون إدارة شؤون الدولة التي يميّزها التعقيد في الغالب». وانطلاقا مما قاله مانديفلي من أن الولاياتالمتحدةالأمريكية يمكن أن تستفيد من الخلافات السائدة في صفوف قيادات جماعة الاخوان المسلمين، وتتسلّل بعض الأسئلة الحائرة حول ما إذا كانت الحركات الاسلامية الصاعدة في تونس والمغرب ومصر وغير بعيد عنها الجزائر وسوريا واليمن.. قادرة فعلا على تحقيق مطالب الشعوب العربية الثائرة على أنظمتها السياسية والالتزام عمليا بتكريس مفهوم الدولة المدنية في ظل تخوّف النخب العلمانية واليسارية من التسريبات حول «النهم» السياسي للاسلاميين ورغبتهم في الانفراد بالسلطة؟