يكاد لا يوجد نشاط أصلا في بوّابة العبور برأس جدير والأخطر أنّ انتشار الجيش التونسي المسنود بآليات ثقيلة يوحي بأن الوضع خطير جدا وهو ما يُفسّر قرار السلطات التونسية بغلق المعبر الى أجل غير مسمّى حفاظا على سلامة التراب الوطني وعلى أرواح العاملين بالبوّابة . أعود ثانية الى الحدود مع ليبيا وكلّي رغبة في معرفة الأسباب التي دفعت بالثوار المسيطرين على معبر رأس جدير من الجهة الليبية الى اطلاق النار باتجاه العاملين التونسيين من موظّفين وأعوان ديوانة وحرس وشرطة وجيش وحماية مدنية متسببين في اغلاق البوّابة وتعطيل مصالح الناس سواء في ليبيا أو في تونس.
والحقيقة أن حيرتي لم تدم طويلا فبمجرّد أن وطأت قدماي أرض البوّابة حتى فهمت تقريبا كل شيء.
فوضى الحوّاس
بعض العارفين بأمور البوّابة والعاملين فيها يعلمون جيّدا أنه منذ منتصف شهر أوت الماضي لما سقطت المحطّة في أيدي الثوار وتم طرد الموظفين الليبيين وأعوان العسّة المنتمين لوزارة الداخلية الليبية منها قد تغيّرت الأمور الى الأسوأ باعتبار عدم جاهزية الثوار لتسيير حركة المرور والعبور باتجاه البلدين لآلاف المسافرين والسيارات والشاحنات وما يتطلبه ذلك من اجراءات جمركية وإدارية البوابة ومع تفهّم السلطات التونسية لأوضاع الاخوة الليبيين فإن الأوضاع كانت تتطوّر يوميا الى الأسوء بل والى خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها إذ أن اطلاق النار واستعمال الرشاشات وحتى الأسلحة الثقيلة بشكل عشوائي أصبح أمرا مألوفا وعاديا.
وحسب شهود عيان فإن منعرجا خطيرا حدث يوم الاربعاء الماضي بعد استهداف الثوار المسيطرين على البوابة للقوات الحكومية التونسية وذلك بسبب مواطنين ليبيين كانا قد تظلّما لدى مجموعات الثوار المسيطرة على المعبر من الجانب الليبي على خلفية حجز أعوان الجمارك التونسيين لبضاعة كانا يريدان ادخالها الى ليبيا يشتبه أنها قوارير خمور من النوع الرفيع.
هذه الحادثة دفعت بالعديد من شهود العيان سواء من التونسيين أو من الليبيين الى كشف المستور فيما يتعلّق بعادات البعض من الثوار إذ يبدو أن استهلاك الحشيش والخمرة أمر عادي وهو ما يفسّر حيازتهم للسلاح واستعماله لأي سبب مهما كانت تفاهته.
ويحتكم الثوار المسيطرون على البوابة من الجانب الليبي على أنواع عديدة ومتطوّرة من الأسلحة كالكلاشينكوف ورشاشات مضادّة للطائرات وراجمات صواريخ وقاذفات صواريخ من نوع قراد روسية الصنع وميلان ايطالية الصنع والتي يمكن أن يصل مداها ما بين 40 و60 كلم وهو ما يعتبره الجيش التونسي خطرا على سلامة التراب الوطني خصوصا وأن كميات الاسلحة تلك هي بين أيادي «غير مسؤولة» في القاموس العسكري.
غنيمة حرب
وأمام تطوّر الأوضاع اتخذت الحكومة التونسية اجراء بغلق معبري رأس جدير وذهيبة في انتظار وقفة جازمة من الحكومة الليبية الجديدة ضد هذا الخرق الواضح للقوانين من طرف مجموعات الثوار وفعلا تحرّك وزير الداخلية الليبي وأكّد أن الحكومة الليبية ستُرسل قوّات نظامية لتأخذ مكان الثوار في تنظيم حركة العبور داخل البوابة.
قرار تصدّى له الثوار بكل حزم إذ علمت الشروق أن هؤلاء الثوار وهم من مدينة زوارة البعيدة 80 كلم عن الحدود التونسية حذّروا الحكومة الليبية من مغبّة إيفاد أية قوات نظامية معتبرين المعبر غنيمة حرب مستحقّة على اعتبار أنهم هم الذين طردوا منها القوات الموالية للعقيد معمّر القذافي وهو ما يعكس الانفلات الخطير للأوضاع الأمنية والعسكرية الحاصل في ليبيا إذ أن السلطة الفعليّة هي في يدي القبائل وليس للحكومة بسبب الكميات الهائلة للأسلحة الممسوكة من طرف المدنيين وثوّار القبائل.
الى ذلك وفي تعليق له على ما اتخذته السلطات التونسية من اجراءات أدّت الى غلق بوّابة رأس جدير ذكر شهود من التونسيين العائدين من ليبيا للشروق أن أحدهم والذي قدّم نفسه على أنه أحد قادة الثوار هدّد بمحو مدينة بن قردان من الخارطة والزحف على صفاقس وذلك للتشكيك في قدرة القوّات التونسية على صدّ أي عدوان ومتباهيا بالأسلحة المتطوّرة التي تحتكم عليها مجموعات الثوار.
الوضع في بوّابة رأس جدير اتّسم رغم ذلك يوم الامس بالهدوء في انتظار الزيارة المرتقبة اليوم للسيد الحبيب الصيد وزير الداخلية في الحكومة التونسية لكل من معبري ذهيبة ورأس جدير وذلك للاطلاع على آخر التطوّرات الأمنية على الحدود التونسية الليبية.