ارتفعت حالات الانتحار بعد الثورة في تونس، إذ تجاوزت خمس حالات خلال الشهر الحالي الذي يتزامن مع ذكرى حرق البوعزيزي لنفسه... والمؤلم أن جلّ الضحايا انتحروا حرقا وعددا هاما منهم أقدم على هذه الحوادث بسبب البطالة. آخر هذه الحوادث كانت يوم الثلاثاء الماضي وحين حاول شاب حرق نفسه أمام بلدية المروج، لكن أعوان الجيش تدخلوا لاثنائه عن ذلك، لكن حوادث اخرى ذهب ضحيتها أشخاص يائسون في مناطق مختلفة من البلاد ببنزرت وأريانة وجندوبة وطبربة. «الشروق» اتصلت بمختصين ليشخصا أسباب تزايد ظاهرة الانتحار وماهي الحلول المقترحة لحماية شبابنا. يأس يرى الأستاذ حسان قصّار مختص في علم الاجتماع ان الانتحار يعدّ أقصى مرحلة من مراحل اليأس ويحمل رمزية تتمثل في أن المنتحر يعبّر للمجموعة أنه يئس منهم ويريد أن يقطع معهم. وعن أسباب كثرة حالات الانتحار بعد الثورة لاحظ المختص أن خطاب أهل السياسة أصبح شعبويا خاصة خلال الحملة الانتخابية وقد صوّروا الحلول سريعة وأنه بعد إزاحة بن علي وأصهاره سنكون في الجنة، لهذا فإن الجهات غاضبة لأن الحلم لم يتحقق... لكن للأسف مشكل اقتصادنا حاليا هيكلي، ممّا جعل العديد من المواطنين يشعرون باليأس والاحباط من هذا الواقع. العائلة بدورها تشارك في تأزم الوضع بتحميل المسؤولية للعاطل وتجعله يحسّ بالذنب في حين أن تونس اليوم لا يمكن أن تجد حلولا سريعة حتى مع توفر النوايا الحسنة لذلك، فلتقليص حالات الانتحار لا بدّ من الابتعاد عن الوعود وتوضيح حقيقة الوضع للمواطن وبهذا نتجنب الانتحار والاعتصامات ومظاهر العنف والحرق. وأضاف: «أرجو من السياسيين الحاليين اعطاء حقيقة برامجهم وليس صورة وردية للمواطن». وعلى العائلات أن لا تضغط على الشباب وتحمله مسؤولية ما يجري ممّا يدفعه «للحرقان» أو حرق نفسه ليقطع مع الماضي. وعن مدى تأثر المنتحرين بالبوعزيزي ذكر المختص أن ظاهرة الانتحار عبر حرق الجسد لم تكن منتشرة بكثافة في بلادنا، لكنها أصبحت منتشرة بعد حادثة البوعزيزي الذي تحول الى رمز ويرمز إحراق الشخص لنفسه الى أنه لا يرغب في بقاء أي شيء منه ولو جسد ميت في هذا المجتمع. غياب الأمل من جهته فسر الدكتور عماد الرقيق مختص في علم النفس انتشار ظاهرة الانتحار بأنها تعود الى غياب الأمل وانسداد الأفق النفسي وتغذي هذا الشعور الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والبطالة ولاحظ أنه لا وجود لاختلاف بين «الحرقة» أو إحراق الشاب لنفسه، فكلا الفعلين يوحيان باليأس الذي يعيشه الشاب. ويقترح المختص على العائلات أن تحاول علاج حالات الاكتئاب سواء لدى الأطباء المختصين أو الطب العام. كما دعا العائلات الى تبسيط الأمور وعدم الضغط على الشباب والتواصل المستمر بين أفرادها وتأطير الشباب. وعلى الدولة عموما إحداث مواطن عمل للحدّ من البطالة ومظاهر اليأس التي تصل في أقصاها الى الانتحار.