هي أسئلة ثلاث طرحتها «الشروق» على معلمين اثنين، ولكن من جيلين مختلفين: على السيد أحمد الهذلي وهو معلم متقاعد مارس مهنته لأكثر من 3 عقود، وعلى سامي الذهبي وهو ومعلم يمارس المهنة منذ 3 سنوات فقط،وهي اجابات مختلفة، وعقلية مختلفة بين الجيلين تلخصت في الاجابة عن الأسئلة المطروحة. هو حوار جمع جيلين دون أن يلتقيا، وهو موضوع جمع المعلمين دون أن يتناقشا مباشرة: فقد عبر أحمد الهذلي عن حسرته إلى ما آلت اليه المدرسة في هذا الزمن، وإلى خفوت نجم المعلم ومكانته بعد أن كان للمعلم المكانة البارزة. في المقابل، انتقد سامي الذهبي «أخطاء» جيل كامل من المربين، ولكنه اعترف أيضا بدورهم التربوي والمعرفي الذي لا ينازع، ثم عبر عن قلقه ازاء الوضعية االمالية للمعلم، اضافة إلى انعدام الأجهزة في المدارس. لماذا لم يعد للمعلم نفس المكانة التي كانت عليها في السابق؟ السيد أحمد: كان المربي فينا في عقود مضت مثلا أعلى لتلامذته داخل وخارج المدرسة، وكان يحيط تقريبا بجوانب عديدة تنشئة لتلامذته، فهو مرب يعلم تلامذته الانضباط وحب العلم، والسلوك السوي والأخلاقي، إلى درجة أن المعلم كان باستطاعته معاقبة تلميذه اذا ما لاحظ عليه سلوكات غير سوية خارج المدرسة أو أيام العطل، كما كان المعلم الأب الثاني لتلامذته لا يهدأ له بال اذا ما عاين اشكاليات يعاني منها تلميذه، كان يخرج من جيبه أحيانا ويذهب مباشرة إلى الولي لنصيحته والاستفسار عن أسباب الاضطرابات التي يعاني منها تلميذه. أما اليوم فان المربي لم يعد هو ذاته الذي كان عليه قبل عقود، فلم يعد هاجز التربية أول اهتماماته، كما لم تعد له نفس الهيبة والمكانة، فبمجرد أن يتكلم مع تلميذه نصحا، حتى يهرول أولياؤه اليه شاكين ومخاصمين وقد يصل هذا إلى حد تهديده وأحيانا أكثر من ذلك، كما أن الزمن تغير والناس أصبحت تهتم بالجانب المعرفي أكثر من الجانب التربوي، فيكفي أن يتمتع ولدك بالدروس الخصوصية، وأن يكون له حاسوب وأنترنت بالمنزل، وأن يهتم به أولياؤه معرفيا حتى يتقلص دور المعلم، المعلم الذي بدوره أصبحت مشاغله كثيرة ولم يعد يهتم بالجانب التربوي والأخلاقي لتلاميذه فلم يعد مسموحا له بذلك. سامي: بطبيعة الحال فإن المعلم لم يعد يحظى بنفس المكانة التي كان يحوزها، بل لم يعد للمدرسة الهيبة كما قبل، فقد تطورت الحياة كثيرا، وأصبح أغلب الناس متحصلين على حد محترم من التكوين المدرسي والعلمي، وأصبح الناس يعتقدون بامكانية التخلي عن عدد من أدوار المعلم السابقة، فلم تعد لمحفظة المعلم أية هيبة ولا للفضاء المدرسي أي حرمة، فبمجرد أن يشعر تلميذ أو يتكلم مع وليه عن مدرسه وقد نصحه أو نهاه عن عمل ما حتى يهرول هذا الأخير إلى المدرسة ويسمع المعلم وابلا من الشتائم والتهديدات، بطبيعة الحال، فان الجيل السابق من المربين يتحمل المسؤولية فيما الت اليه الأوضاع، فقد عانى عديدون من شدة المدرسين، بل شهدنا نشوء جيل كامل خائف من السلط دون استثناء، لعل المعلم له الدور في ذلك. ولكن أليست هناك شروط يجب أن تتوفر في المدرس، ولماذا فقد المعلم حماسته المعرفية ودوره التربوي؟ السيد أحمد: كان المدرس منا وما أن ينطلق في رحلته مع التدريس، الا ويتحمل مسؤوليات كبيرة على عاتقه، دون أن تفرض عليه، فقد كان أغلبنا من أبناء الريف وكنا نعرف ما معنى الجهل، وما معنى قلة الثقافة والمعرفة، فكنا متعطشين للمطالعة والالمام بمختلف المعارف حتى نفيد أجيالا كثيرة ارتقت إلى أعلى درجات السلم المعرفي والثقافي، وحتى يكون المدرس جيدا بطبيعة الحال يجب أن تتوفر فيه شروط عدة أهمها المعرفة بنفسية الأطفال والاحاطة بهم، وأن يكون هو مستقيما رفيع الأخلاق، كما يجب أن يمتلك حبا لمهنته، ويعرف التعامل مع التلاميذ لتلقينهم وتعليمهم معنى حب المعرفة. أما اليوم فان الهاجس الأول هو كسب المال والحصص الاضافية بمقابل، واتمام المطلوب من ساعات العمل دون حتى الاهتمام بمدى تمثل الغايات المعرفية عند أبنائه. سامي: نعم هناك عدة شروط يجب أن تتوفر في المدرس لعل أهمها باعتقادي أن يكون من خريجي المدارس العليا لترشيح المعلمين وهذا هام جدا، اضافة إلى تلقيه تكوينا مستمرا على اخر النظريات البيداغوجية والتكنولوجيا حتى يواكب التطورات، ويكون قادرا على الاضافة المعرفية لتلامذته، وبخصوص الحماسة المعرفية فان الجميع له هذه الحماسة اليوم ولم تعد المسألة مقتصرة على المعلم فقط، فالأنترنت والتكنولوجيا أصبحت توفر جميع ما تبغيه من معارف وللجميع أيضا. أليس للمنظومة التربوية والمناهج المدرسية تأثيرا على تقلص دور المدرس اليوم؟ السيد أحمد: لا أعتقد أن المنظومة التربوية أثرت على دور المدرسة، فالمنظومة تتطور حسب مقتضيات العصر، وان أصبحت المناهج المدرسية مكثفة جدا حتى أن المعلم لم يعد يعرف جميع المواد التي يدرسها ولم تعد الساعات الطويلة التي يعمل خلالها تكفي لاتمام مهامه المعرفية والتربوية، على كل حال فان المحيط والعقلية العامة وتهميش دور المدرسة هو الذي أثر في مردودها وهو الذي أثر في تقليص دور المدرس وابعاده عن مهامه الأساسية. سامي: المنظومة التربوية التي تعتمد إلى اليوم هي منظومة بالية، تركز على الجانب التلقيني، على تكديس المعارف دون أن يتمثل التلميذ أيا منها حقيقة، كما أن عدم اختصاص العديد من المربين، ولهثهم وراء حصص التدارك بما توفره من دخل وفير لهم، حتى أن عددا من المدرسين يضغط عليهم من قبل الأولياء لتدريس أبنائهم خارج قاعة الدرس، هو الذي أثر على خفوت اشعاع المدرس الذي كان كما يعرف ذلك الأجيال السابقة مثالا للجميع.