قضت احدى الدوائر الجنائية بالمحكمة الابتدائية بتونس بادانة شاب في الثلاثينات من عمره، متزوج وله أبناء بالسجن لمدة خمس سنوات وتخطئته بمبلغ 12 ألف دينار وحرمانه من تداول الصكوك البنكية لمدة العقاب وحرمانه من الوظيفة العمومية ومن حقه ناخبا أو منتخبا مدى الحياة. وحسب ملفات القضية فإن هذا الشاب اشترى قطعا من الأثاث من تاجر ثم سلمه مقابلا لذلك صكا بنكيا بقيمة سعر البضاعة، إلا أنه وبمرور فترة زمنية توفى التاجر فأراد ورثته خلاص الصك، لذلك قدموه الى البنك المعني إلا أنه تم اعلامهم بأن الامضاء المرفق به غير مطابق لامضاء صاحبه، وتم فتح محضر تحقيقي في الموضوع بعد اعلام النيابة العمومية وأعوان الأمن الذين بدأوا تحرياتهم. وأثناء عمليات التحقيق أدلى شاهدان بأن التاجر المتوفى أخبرهما قبل وفاته بأنه تسلم الصك المدلس من قبل المتهم في هذه القضية فتم القاء القبض عليه وأحيل على قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية بالعاصمة حيث أدلى عند استنطاقه بأنه لم يسلم الصك موضوع القضية للتاجر، ونفى أي صلة له بالقضية. وأذن قاضي التحقيق باجراء اختبار فني للتدقيق في الامضاء ومقارنته مع خط المتهم ووجه له تهمة تدليس صك، وقد ساندت دائرة الاتهام قرار ختم الأبحاث وقررت احالته على الدائرة الجنائية المختصة لمقاضاته من أجل ما نسب اليه، فحكمت بادانته لذلك طعن في هذا الحكم لدى الاستئناف. وبمثوله أمس أمام الدائرة الجنائية بمحكمة الاستئناف بتونس تمسك المتهم بالانكار. إلا أن محاميه نظر الى القضية من زاوية أخرى. رأى لسان الدفاع أن محكمة الدرجة الأولى عاقبت منوبه العقوبة القصوى دون أي مبرر قانوني ورأى أن مبرراتها الثلاثة وهي شهادة الشاهدان وتقرير الخبير العدلي وتذبذب أقوال المتهم لدى باحث البداية ولدى قلم التحقيق هي مبررات حرفت الوقائع والقانون. فمن جهة الشهادات رأى المحامي أنهما كانا متهمين في البداية فضلا عن وجود قضايا مدنية بينهما وبين المتهم أما عن تقرير الخبير العدلي فلقد فاجأ لسان الدفاع المحكمة بأنه يبرىء ساحة منوبه لتأكيده على عدم التطابق التام بين خط منوبه والامضاء المرفق بالصك إلا أن محكمة الدرجة الأولى رأت عدم الاستناد عليه دون أن تعلل ذلك وفقا لما يفرضه القانون وتبعا لما ورد في العديد من القرارات التعقيبية وفقه القضاء التونسي. أما من جهة المبرر الثالث لاتهام منوبه فلقد رأى المحامي أن قول المحكمة بتذبذب أقوال المتهم أمام باحث البداية وأمام قلم التحقيق لا سند له قانونا ولا واقعا لأن المتهم لم يمثل أصلا أمام باحث البداية، بل مثل منذ الوهلة الأولى أمام قاضي التحقيق ليدلي بتصريحاته التي ظل متمسكا بها في كل أطوار التقاضي. وقد كان لاستتباعات مرافعة المحامي أثرا لدى هيئة المحكمة ولدى زملائه إذ أثارت نقاشا قانوني هاما حول جريمة الصك التي استند فيها لسان الدفاع الى أنها جريمة فنية ذات سند مادي خالص لا دخل فيها لوجدان المحكمة الذي يحضر في مجمل القضايا الجنائية إلا الجرائم ذات الصبغة التقنية الفنية التي لا تتأكد إلا بموقف علمي حاسم مثل الاختبار. وبعد ذلك قررت هيئة المحكمة حجز القضية للمفاوضة والتصريح بالحكم في وقت لاحق.