الدكتور محمد الحبيب العلاني رئيس مركز الدراسات الإسلامية بالقيروان تحدّث مطوّلا عن علاقة التونسيين بالاحتفال السنوي بالمولد النبوي وخلفيات بعض الدعوات لإلغائه. ماذا يمثل الاحتفال بالمولد النبوي الشريف بالنسبة إلى التونسيين؟ المولد النبوي هو يوم مولد الرسول محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم الذي كان في 12 ربيع الأول عام الفيل 570م. والمسلمون يحتفلون في كل عام بهذه الذكرى فرحًا بولادة نبيهم صلى الله عليه وسلم وذلك بإقامة مجالس تنشد فيها قصائد ويذكر فيها بسيرته، و شمائله العطرة. وللتونسيين تاريخ عريق في الاحتفاء بمولد الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم حبا في نبيهم وتعظيما لدين الإسلام في قلوبهم وهو فرصة لشكر الله على منة بعثه خاتم المرسلين عليه السلام. تاريخيا كيف بدأ الاحتفال بمولد الرسول محمد عليه الصلاة والسلام وما هي دلالات هذا الاحتفال عند المسلمين؟ يرجع المسلمون القائلون بمشروعية الاحتفال بالمولد النبوي إلى النبي نفسه حين كان يصوم يوم الاثنين ويقول «هذا يوم وُلدت فيه» رواه مسلم في صحيحه عن أبي قتادة الأنصاري، حديث رقم: 1162. ويذكر الإمام السيوطي أن أول من احتفل بالمولد بشكل كبير ومنظم هو حاكم أربيل (في شمال العراق حاليًا) الملك المظفر أبو سعيد كوكبري بن زين الدين علي بن بكتكين والذي وثقه علماء السنة بأقوالهم: كان أول من احتفل بالمولد النبوي بشكل منظم في عهد السلطان صلاح الدين، الملك مظفر الدين كوكبوري، إذ كان يحتفل به احتفالاً كبيرًا في كل سنّة، وكان يصرف فيه الأموال الكثيرة، والخيرات الكبيرة، حتى بلغت ثلاثمئة ألف دينار، وذلك كل سنة. وكان يعمل المولد سنة في 8 ربيع الأول، وسنة في 12 ربيع الأول لسبب الاختلاف في تحديد يوم مولد النبي محمد. فإذا كان قبل المولد بيومين أخرج من الإبل والبقر والغنم شيئًا كثيرًا وزفّها بالطبول والأناشيد، حتى يأتي بها إلى الميدان، ويشرعون في ذبحها ويطبخونها. فإذا كانت صبيحة يوم المولد، يجتمع الناس والأعيان والرؤساء، ويُنصب كرسي للوعظ، ويجتمع الجنود ويعرضون في ذلك النهار. بعد ذلك تقام موائد الطعام، وتكون موائد عامة، فيها من الطعام والخبز شيء كثير. وكان لسلاطين الخلافة العثمانية عناية بالغة بالاحتفال بجميع الأعياد والمناسبات المعروفة عند المسلمين، ومنها يوم المولد النبوي، إذ كانوا يحتفلون به في أحد الجوامع الكبيرة بحسب اختيار السلطان، فلمّا تولى السلطان عبد الحميد الثاني الخلافة قصر الاحتفال على الجامع الحميدي. ويبدأون بقراءة القرآن ثم قراءة قصة مولد النبي محمد وقراءة كتاب دلائل الخيرات في الصلاة على النبي، ثم ينتظم بعض المشايخ في حلقات الذكر، فينشد المنشدون وترتفع الأصوات بالصلاة على النبي. وفي صباح يوم 12 ربيع الأول، يفد كبار الدولة على اختلاف رتبهم لتهنئة السلطان. أقوال أئمة السنة في الاحتفال بالمولد النبوي اعتبر السلفية أن الاحتفال بالمولد النبوي هو «بدعة في دين الإسلام، لم يعمله السلف من قبل». لكن في المقابل وردت نصوص كثيرة لعلماء من أهل السنة يجيزون فيها الاحتفال بالمولد النبوي، منها: السيوطي، حيث قال: «عندي أن أصل عمل المولد الذي هو اجتماع الناس وقراءة ما تيسر من القرآن ورواية الأخبار الواردة في مبدإ أمر النبي صلى الله عليه وسلم وما وقع في مولده من الآيات ثم يمد لهم سماطا يأكلونه وينصرفون من غير زيادة على ذلك هو من البدع الحسنة التي يثاب عليها صاحبها لما فيه من تعظيم قدر النبي صلى الله عليه وسلم وإظهار الفرح والاستبشار بمولده الشريف». ابن الجوزي، حيث قال عن المولد النبوي: «من خواصه أنه أمان في ذلك العام وبشرى عاجلة بنيل البغية والمرام» هناك من يدعو هذه الأيام إلى التخلّي عن عادة الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم بتعلة أنها بدعة ويبدو أن بعض التيارات الدينية المتشددة وراء هذه الدعوة ما هو رأيك؟ الاختلاف في حكم الاحتفال بمولد النبي يعد من المسائل الفرعية في الإسلام ولا يجوز لفريق من المختلفين إلزام الناس بآرائه أو القول بالحرمة إلاّ إذا كان الاحتفال مقترنا بما حرّم الله عزّ وجلّ. هل يمكن للمجتمع التونسي ذو المذهب المالكي المعتدل أن يتخلّى عن مثل هذه العادات بتعلة أنها بدع؟ لقد حث علماء الزيتونة على إحياء هذه الذكرى لما لها من أثر حسن في النفوس ولاقترانها بالأعمال الصالحة ومواساة الفقراء والمحتاجين وتحقيق صلة الرحم واجتماع المسلمين على البر. وتحريم هذه الذكرى لا يناسب سماحة الدين وروح التشريع ومقاصده.