لا تزال الاعتداءات والانتهاكات الأثرية مستمرة بجزيرة جربة على قدم وساق وبنسق متسارع يوما بعد يوم بشكل أصبح مفضوحا للعموم تجاوز كل الخطوط الحمراء واندثر جزء كبير من المخزون الأثري الذي كانت تزخر به الجزيرة. أما ما تبقى ينتظر المصير نفسه فقد طالت الأيادي البشرية الآثار الثمينة وأتت على مختلف المواقع التاريخية بعد أن صمدت لقرون طويلة من الزمن كانت شاهدة على عراقة الجزيرة وعمقها التاريخي. آخر هذه الانتهاكات حصلت مؤخرا على الأماكن الأثرية «ميننكس» التي يعود تاريخها إلى العهد البوني بشكل لفت كل الأنظار إلا أن الجريمة هذه المرة لم يكن مصدرها مواطنون عن حسن نية نتيجة عدم تقديرهم لقيمة الآثار أو آخرون خارجون عن القانون لغاية النهب والتجارة بل أن مصدرها وطرفها الأساسي هي مؤسسة من مؤسسات الدولة هي الشركة التونسية للكهرباء والغاز التي وجدت في المقابر الأثرية بميننكس المكان الأنسب لانجاز مشروعها فاختارته دون بقية الأراضي الشاسعة بالجزيرة. يتمثل هذا المشروع الذي تشرف عليه الشركة التونسية للكهرباء والغاز في محطة لضخ و توزيع الغاز الطبيعي عبر شبكة من الأنابيب إلى مختلف المناطق بالجزيرة بعد وصوله من المجمع الصناعي بقابس، يمتد هذا المشروع على مساحة تفوق 3000 متر مربع على حافة الطريق الجهوية 117 التي تربط القنطرة الرومانية بمدينة حومة السوق تحديدا فوق المقابر الأثرية بالموقع التاريخي ميننكس وسط ذهول ودهشة المواطنين رفقه استنكار واحتجاجات واسعة طال كل الأطراف المهتمة بالشأن العام بالجزيرة و خارجها، المشروع لا يزال في مراحله الأولى حيث بدأ المقاول في عمليات الحفر بطريقة عشوائية هشمت و أتلفت كل ما طالته الجرافات من حجارة ثمينة وصناديق رخامية كما أتيحت الفرصة لفتح عدد كبير من القبور للمرة الأولى بعد قرون من الزمن دون أي علم بما في داخلها حيث لا تزال محتوياتها في طريق المجهول فعندما تحولت «الشروق» إلى الموقع عثرنا على عدد من الصخور الرخامية على شكل صناديق مفتوحة ولا شيء بداخلها، ممثل عن الشركة التونسية للكهرباء والغاز أكد في جلسة عقدت بمعتمدية ميدون أن الشركة تحصلت على ترخيص من تونس العاصمة دون أن يضيف أي توضيح على هذا الموضوع الذي قد يورط عدة أطراف لها علاقة بهذه الجريمة التي تعتبر الأولى من نوعها لمؤسسة حكومية كما استنكر كل الملاحظين تجاهل المعهد الوطني للآثار في جربة لمثل هذه التجاوزات الخطيرة التي تهدد المخزون الأثري للجزيرة بدلا من صيانته وحسن استغلاله في السياحة الثقافية بالجهة.