لماذا تقلّص حجم الأنشطة الثقافية في الوسط المدرسي؟ لماذا وقع إلغاء إدارة الانشطة الثقافية والاجتماعية والرياضية بوزارة التربية؟ هل هناك مخطط لتهميش الثقافة والابداع داخل المؤسسات التربوية؟
أسئلة كثيرة نطرحها في هذا الملف مع المدير السابق للأنشطة الثقافية والاجتماعية والرياضية بوزارة التربية، وعدد من التلاميذ، والمربين، لما بات يتهدد المؤسسة التربوية في تونس، وخصوصا بعد الثورة من مخاطر ومظاهر غريبة للعنف، والتطرف الفكري والديني. وتؤكد آخر الدراسات، أن مظاهر العنف والتطرف في الوسط التربوي، تزايدت بشكل كبير وملحوظ نتيجة المناخ المتوتر داخل المدارس الابتدائية والمدارس والمعاهد الاعدادية والثانوية بعد 14 جانفي 2011، من جهة وتقلّص حجم الأنشطة الثقافية والاجتماعية والرياضية من جهة أخرى، وخصوصا بعد إلغاء ادارة الانشطة الثقافية والاجتماعية والرياضية وتوزيع مشمولاتها على إدارتي الحياة المدرسية للتعليم الابتدائي والاعدادي والثانوي.
إلغاء إدارة الانشطة الثقافية
وقبل 14 جانفي 2011، وتحديدا في ديسمبر 2009، تم إلغاء إدارة الأنشطة الثقافية والاجتماعية والرياضية، وتحويل مقرّها الى مأوى للسيارات، الأمر الذي قلص من حجم الانشطة الثقافية في المؤسسات التربوية، واختفاء العديد من التظاهرات او المهرجانات الثقافية الجهوية والوطنية، نتيجة صعوبة التنسيق بين الادارات والشركاء في وزارة الثقافة بالخصوص الذين كانوا يساهمون بقدر كبير في تنظيم هذه التظاهرات وتأطيرها.
بروز مظاهر غريبة في المدارس
وكان من تداعيات إلغاء إدارة الانشطة الثقافية والاجتماعية والرياضية، بروز العديد من مظاهر العنف داخل المؤسسات التربوية نتيجة تقلص حجم الأنشطة الثقافية بالخصوص التي كانت تجمع التلاميذ والاساتذة وتخفض من حدّة التوتر بينهما وخصوصا في الدروس الرسمية. كما برزت في المدّة الاخيرة بعد 14 جانفي 2011، مظاهر جديدة غريبة، كالتطرف الفكري والديني، اضافة الى العنف اللفظي والمادي الذي تزايد بشكل كبير.وأصبح أساتذة التربية الفنية بالخصوص عرضة للاعتداءات، ليس من التلاميذ فحسب وانما من أطراف غريبة عن المؤسسة التربوية يروّجون لأفكار غريبة ومتطرفة. كما وجدت هذه الأطراف، في التلاميذ مادّة خاما يمكن توظيفها لأعمال خطيرة، وذلك نتيجة الفراغ الذي يعيشه التلميذ في ظل غياب الانشطة الثقافية والفكرية التي من شأنها توعيته وتثقيفه وامتصاص شحنة الغضب لديه وتحويلها الى ممارسة إبداعية.
فراغ
ولعلّ المظاهر الغريبة التي ما فتئت تطبع المؤسسة التربوية اليوم، وخصوصا بعد 14 جانفي 2011 هي أكبر دليل على الفراغ الذي أصبح يعيشه التلميذ نتيجة غياب الأنشطة الثقافية لنوادي الموسيقى والمسرح والسينما والفنون التشكيلية والابداعات الأدبية. فقد كانت هذه النوادي والأنشطة الثقافية عموما داخل المؤسسات التربوية، منابر للحوار بين التلاميذ والمربين، وفضاءات للتعبير الفني بدل التعبير بالعنف.كما كانت بمثابة الورشات لصقل المواهب، والدروس غير الرسمية للتعليم والتوعية.
الأنشطة الثقافية من الأولويات
والمطلوب اليوم، هو اعادة الاعتبار للانشطة الثقافية داخل المؤسسات التربوية، وجعلها من الأولويات وليس من الكماليات. كما يجب التكثيف من هذه الانشطة والتخفيض من الزمن المدرسي حتى يجد التلميذ الوقت الكافي لممارسة مواهبه الفنية، والاطلاع على مختلف الابداعات والتجارب الفنية التي من شأنها أن تقيه من كل الأفكار والمظاهر الغريبة والمتطرفة خصوصا وأن هناك أطرافا ما فتئت تتربص بهذه الفئة من المجتمع بهدف استمالتها وتوظيفها في ممارسات غريبة وخطيرة. ويجب على وزارة التربية والأولياء حث التلاميذ على ممارسة الانشطة الثقافية والفنية، حماية لهم ووقاية من كل مظاهر العنف والتطرف، كما على وزارة التربية مراجعة اجراء إلغاء ادارة الأنشطة الثقافية والاجتماعية والرياضية، وجمع مختلف هذه الأنشطة في ادارة واحدة خصوصا أن الأنشطة الثقافية للتلاميذ هي أنشطة متواصلة من الابتدائي الى الاعدادي والثانوي فالتلميذ الذي يغرم بالمسرح مثلا، يظل يمارسه في كل المراحل التعليمية، كما يجب معاودة النظر في مشروعي المعهد النموذجي للفنون الذي كان سيحدث في العمران، وشهادة الباكالوريا اختصاص فنون التي كانت ستحدث بدورها في اطار تشجيع التلاميذ المغرمين بالفن على مواصلة مزاولة تعليمهم الفني.