عقد أمس الأول مجلس الهيئة الوطنية للمحامين اجتماعا برئاسة العميد شوقي الطبيب، وفي نفس الوقت كان مجلس الفرع الجهوي بتونس يعقد اجتماعا ضمّ عضوين من المجلس، وهو المؤشر الأهم على دخول المهنة في مأزق . دخلت المحاماة خلال الايام الاخيرة في منعرج خطير، خاصة بعد الاعلان عن وجود عريضة ممضاة مما لا يقل عن ثلثي عدد المحامين في تونس حسبما ورد على لسان عدد من خصوم العميد الحالي شوقي الطبيب، وخاصة رئيس الفرع الجهوي للمحامين بتونس الأستاذ نجيب بن يوسف. المرسوم والقضاء حسب المرسوم عدد 79 لسنة 2011 المنظم لمهنة المحاماة، فإن لعريضة تضم الثلثين استتباعات قانونية، وفي هذه الحالة، فإن الاستتباع هو الدعوة لعقد جلسة عامة خارقة للعادة ستنظر في ما قيل انه شغور في منصب العميد، فلماذا الحديث عن شغور والحال أننا أمام وجود عميد اسمه شوقي الطبيب؟ المعارضون لشوقي الطبيب لا يعترفون به عميدا لأنه حسب رأيهم القانوني لا تتوفر فيه شروط الفصلين 56 و60 من نفس المرسوم وأساسا وجوب توفر شرط العشر سنوات لدى التعقيب لذلك تم اتخاذ وجهتين، وجهة قضائية مركزها فتحي العيوني الكاتب العام لفرع المحامين بتونس، وهو في نفس الوقت عضو بمجلس الهيئة بموجب صفته تلك، ووجهة «سياسية / نقابية» تمثلت في امضاء عريضة تدعو لسد الشغور في منصب العمادة باعتبار عدم الاعتراف بشرعية الطبيب على رأس المحاماة، ودعا الكاتب العام للهيئة لجلسة عامة خارقة للعادة. أصحاب العريضة دعوا الى جلسة عامة خارقة للعادة تعقد يوم 10 مارس الجاري، وإذا لم يتوفّر فيها النصاب القانوني فإنها ستعقد بعد ما لا يقل عن 15 يوما بمن حضر وتم الاتفاق فيما بينهم على أن تعقد يوم 31 مارس مهما كان عدد المحامين، وستحسم في مسألة منصب العميد. وتقرّر إما اعادة انتخاب العميد من بين اعضاء مجلس الهيئة، أو الدعوة لانتخابات سابقة لأوانها لاختيار عميد المحامين. كل هذه الاجراءات والتحرّكات لم ترض العميد الطبيب وأنصاره، إذ أصدر توضيحا اعتبر فيه أن احكام الفصل 49 من المرسوم المنظم للمحاماة يعتبر أن العميد هو رئيس مجلس الهيئة «وعليه فإنه صاحب الاهلية للدعوة لحضور جلساته» واعتبر التوضيح أن الدعوة الصادرة عن محمد رشاد الفري الكاتب العام للهيئة بعقد جلسة عامة حارقة للعادة «لا تكتسي أية صبغة قانونية بحكم أن الاجتماع المنبثق عنها هو في حكم العدم ولا يمكن ان تنتج عنه آثار سواء داخل قطاع المحاماة أو تجاه الغير لعدم الدعوة له من قبل العميد المباشر ولعدم توفّر النصاب لعقد اجتماع قانوني». وأورد التوضيح أيضا أن الدعوة للجلسة العامة الخارقة للعادة لم يتم ايداعها بكتابة الهيئة أو تسليمها الى المجلس. الكتابة العامة لم يقف مجلس الهيئة المجتمع أمس الاول برئاسة الطبيب عند هذا الحد بل ذهب بالصراع الى مداه مثلما فعل الخصوم، وقرّر إبعاد الاستاذ محمد رشاد الفري عن الكتابة العامة وتعويضه بالاستاذ بوبكر بالثابت، الا أن مجموعة الستة لا تعترف بذلك، فأصبحنا أمام هيئة بكاتبين عامين، لكن بلوغ الصراع الى هذا المدى، قد يبرّر ايجاد قراءات تلامس جدار السياسي، اذ عندما يكون الاجتماع في الفرع بين الرئيس محمد نجيب بن يوسف ومحمد رشاد الفري وسعيدة العكرمي وفتحي العيوني وريم الشابي ورشاد البرقاش يثار الأمر، فمثلا الاستاذة العكرمي، شاركت في التصويت لفائدة الاستاذ شوقي الطبيب واختارته عميدا، لكنها اليوم اختارت الانتقال الى الضفة الأخرى. ويذهب خصوم مجموعة الستة الى القول بأن الموقف الاخير ربما يعود الى ردّ الفعل على وقوف مجموعة السبعة برئاسة العميد الطبيب مع الاتحاد العام التونسي للشغل في معركته ضد الحكومة وضد حركة النهضة وهو ما يعني، وجود صدى لموقف بعض اعضاء الحكومة داخل المحاماة، فالعميد السابق الاستاذ عبد الرزاق الكيلاني هو عضو بالحكومة، وهناك صراع «بارد» بينه وبين الطبيب منذ سنوات، اضافة الى أن الاستاذة سعيدة العكرمي يُنظر اليها دائما على أنها زوجة وزير العدل. المعاينة السياسية وللتدقيق أكثر، فإن «المعاينة السياسية» للمجموعتين، تفيد بأن مجموعة السبعة تتكوّن من القوميين والبعثيين واليساريين والديمقراطيين دون أن يغيب عنا ارتباط بعض الاسماء بالعميد السابق عبد الجليل بوراوي، المقرّب من حامد القروي. أما مجموعة الستة فجل عناصرها محسوبة أو مقرّبة من التيار الاسلامي مع وجود عنصر أو عنصرين محسوبين سابقا على حزب التجمّع المنحل. وهو ما يعني، أن الصراع داخل المحاماة غير منفصل عن الصراع السياسي الذي تشهده البلاد خلال هذه الفترة، وهو يعكس حالة الاستقطاب الموجود حاليا، لكن، هل يعتبر ذلك أمرا صحيّا؟ إذ بقيت حالة الاستقطاب في اطارها الاختلافي، وإذا كان الصراع داخل الوحدة، فإنه حتما لن يكون الا صحيا وايجابيا، وتلك هي ميزة قطاع المحاماة التي عُرف تاريخيا بالتعدد الموحّد، لكن ما يخشى اليوم على المهنة، أن تدفع مجموعة الستة الصراع الى أقصاه وأقساه، وتعلن في جلسة 10 مارس عن عميد جديد، فتكون المهنة برأسين لن يستفيد منها الا أعداء هذه المهنة، وسيكون لذلك انعكاسات على المرفق العدلي ككل.