يتقاسم اللاجئون في مخيم الشوشة الحلم بيوم جديد... يوم يكون لهم لا عليهم. وفي انتظار ذلك يمضي البعض منهم يومه في تزويق مأساته فيجعل من الفضلات نقوشا ولوحات فنية تكسو أرضية الخيمة وتعطي لونا للصحراء تحت أقدامه.
نميري، أحد هؤلاء، لاجئ سوداني الجنسية كان يعمل ميكانيكيا في ليبيا قبل اندلاع حرب الثورة وهو والد لسبعة أطفال يتولى إرسالهم كل صباح الى ضواحي المخيم وممرات الخيمات المجاورة لجمع قوارير المياه الملقاة والملاعق التي يتم توزيعها على اللاجئين في وجبات الافطار وقوارير مواد التنظيف لاستعمالها كمواد أولية لرسوماته.
حدائق في المخيم
يبتسم نميري وهو يدعونا لدخول خيمته للاطلاع على مخترعاته الفنية التي وُلدت من رحم مأساته داخل المخيّم. ودون أن يفارق تلك الابتسامة يشير بيمناه الى الأرضية قائلا «ها أنا أفرش زربية عاجيّة بين الأسرّة الرملية لأطفالي إذ لا شيء أفعله طيلة يومي فأسمح لنفسي بابتكار رسومات عساها تغيّر قليلا من هذه المرارة التي نعيشها».
مثله يفعل آخرون فتتراءى لزائر المخيّم قوارير المياه المغروسة في الرمال والمحيطة بالخيمات لتُشكّل حدائق بأحجام مختلفة.
بعضهم زرع في تلك الحدائق بصلا وطماطم وورودا وآخرون زرعوا أسماء أطفالهم الذين ولدوا في المخيم ولا يتوانون في سقي تلك المزروعات في مشهد يقول إنّهم ما يزالون على قيد الحياة رُغما عن تلك الهالة من البياض التي تكسو المكان على يمين الطريق المؤدي الى المعبر الحدودي رأس جدير وتحوّله الى منظر جنائزي ورُغما عن التهديدات الصحية التي تحاصرهم يمينا يسارا وفي كل اتجاه.
قصص إنسانية حزينة
تتعدّد القصص الانسانية داخل المخيّم فيثقُل على زائره تحمّل ذلك الكم من وجيعة الناس هناك...فالعراقي والفلسطيني والسوداني والاثيوبي والليبي والمصري والصومالي وكل الجنسيات تتشابه خيماتها غير الواقية من برد الليالي...تتشابه مأساتها...تتشابه آمالها في يوم آخر بديل...ولا يفرّق بينها عدا أعلام الدول المركزة بين الخيمات لتظهر انتماء كل مجموعة من اللاجئين لوطنهم الأم.
على بعد خطوات من العلم العراقي يعيش علي عبد الحر عاشور، عراقي الجنسية، رفقة زوجته بهيجة، مغربية الجنسية، وأطفاله الأربعة وسط «برّاكة» حاول تركيزها في شكل غرفة بعد أن اخترق البرد والامطار خيمته.
يئس علي، السني الذي ينحدر من مدينة كربلاء، من إمكانية منح اللجوء لزوجته في الولاياتالمتحدةالامريكية خاصة بعد حصوله وأطفاله على ذلك لأجل هذا يفكّر جديّا في العودة الى ليبيا. ولا تخفي زوجته وهي تتحدث ل»الشروق» أن الاقامة في المخيم أصبحت صعبة جدّا وأن الخصاصة منعت أسرتها من الاستقرار في مدينة بن قردان تماما كما فعل لاجئون عراقيون آخرون مؤكدة أنّ المساعدات حين كانت تتم على أيادي التونسيين كانت أفضل وأن العلاج حين كان يقدمه تونسيون كان أفضل.
رد اعتبار معنوي
يرفض علي عيد الجوهري، لاجئ مصري بالغ من العمر 64 سنة، العودة الى ليبيا أو العودة الى بلده مصر. «قولي لي بربك ماذا سأفعل في مصر؟ هل أتسول؟ الليبيون أخذوا منّي كل شيء إذ تمّ اعتقالي في شهر أفريل 2011 وتمّ نقلي بين أربعة سجون في البريقة وسرت وطرابلس وتمّ إخلاء سبيلي نهاية شهر ماي ومن هناك أخذتني السفارة المصرية في ليبيا الى هذا المخيّم. ولن أغادر خيمتي إلاّ حين أعثر على منظمة دولية تتولى رفع قضية باسمي ضدّ من اعتقلوني وسلبوني منزلي وما جمعته من شغلي المضني طيلة تسع سنوات فأنا مهاجر تعرّض للإهانة والاعتداء المادي والمعنوي في ليبيا ومن حقي مقاضاة هؤلاء أمّا عما قد يقدمه لي بلدي أنا يائس تماما» هكذا قال علي بعيون دامعة.
يائسون آخرون يرون في أنفسهم وقودا لكل الحرائق...هؤلاء هم أساسا لاجئون من دارفور قالوا إنهم سيُجلدون إن عادوا الى الديار في دارفور لأنهم عرب وسيُجلدون مرّة أخرى إن عادوا الى ليبيا لأنهم يُحسبون على الكتائب. كما أنهم في داخل المخيّم ذاته لا يحصلون على الخدمات الجيدة تماما كما بقية اللاجئين.
أزمة لاجئي دارفور
مريم يوسف، لاجئة من دارفور، قالت ل»الشروق» «لم يتبق لي من أمل عدا صحراؤكم تلك الصحراء التي باستطاعة أبنائي اللعب فيها دون أذى من أحقاد المعارك.
الناس هنا يطلبون الأكل والشرب وهم غاضبون من المنظمات الدولية التي تقدّم خدمات منقوصة في العلاج وغيره أمّا أنا فأطلب حماية لأطفالي فقد غادرت دارفور في اتجاه ليبيا هربا من المعارك عام 1995 بعد مقتل زوجي في إحداها. ويستنكر لاجئو دارفور ظروف اقامتهم داخل المخيم مشيرين الى أن الذئاب تحاصرهم ليلا وتجعلهم يأوون باكرا الى خيامهم كما أن الاضاءة منقوصة الى حد كبير ليلا. كما يشتكي لاجئون آخرون تغيّر نوعية الخدمات داخل المخيّم إذ أصبح من الصعب الحصول على مواد التنظيف لغسل ملابس الأطفال كما صعُب الحصول على حليب الاطفال وعلى الادوية المطلوبة ... «أنا أعاني من شلل في الاعصاب ولا أجد العلاج في المخيم، الخدمات تتراجع بشكل كبير وتقترب من الصفر ونحن محبطون حقا» هذا ما لما ذكرته لاجئة من دارفور تبلغ من العمر 29 سنة مطلقة وفي كفالتها أطفال يحتاجون الى عناية... تماما كتلك التي يحتاجها كل أطفال المخيّم... وشيوخه ونسائه وكافة اللاجئين البالغ عددهم حوالي ثلاثة آلاف لاجئ من كل الجنسيات.