تزايدت تشكيات المواطن من الانفلات المتواصل الذي تشهده الادارات التونسية ومن تدهور الخدمات الذي تضاعف بعد الثورة لأسباب عديدة منها عدم احترام العديد من الموظفين لرؤسائهم في العمل، والتهديد المتواصل بالاعتصامات . احدى الموظفات فضلت عدم ذكر اسمها ذكرت لنا أنه في ادارتها لم يعد الموظفون يلتزمون بالتوقيت الاداري. وأضافت أن «الشاوش» بدوره أصبح لا يباشر عمله قبل الساعة العاشرة صباحا ولا مجال للحديث عن تعطيل مصالح المواطن. حصة واحدة وفي نفس السياق يذكر شريف «أعرف عددا من الموظفين ممن أصبح يعمل لحصّة واحدة منهم من سألت عنه في كل الاوقات ولم أجده لأنه يعمل نحو ساعتين في اليوم من العاشرة الى منتصف النهار... وأضاف محدثنا أن تعطيل مصالح المواطن بهذا الشكل يجعله على أعصابه ولعل هذا السبب الرئيسي لكثرة الاعتداءات على الموظفين بعد الثورة». تعطيل من جهتها تذكر عبير أنها لاستخراج وثيقة اضطرت الى التردد على ادارة خمس مرات إذ أودعت مطلبها في جانفي ولم تتمكن من الحصول على الخدمة التي احتاجتها إلا بعد تدخلات وأكتاف تقول «في البداية تغيبت الموظفة المعنية لأن لها حالة وفاة ودام التغيب أسبوعا كاملا ثم توالت علي الأعذار الى أن فقدت أعصابي والتجأت لأحد المعارف لقضاء شؤوني بعد مرور شهرين من ترددي على نفس الموظفة». تسيب كبير «العزري أقوى من سيدو» هكذا وصف السيد التيجاني حالة الادارات التونسية وأضاف أن الموظف لم يعد يعبأ بتشكي المواطن لرئيسه في العمل فالكل يعتبر نفسه فوق القانون في الادارة التونسية. وهذا الفهم الخاطئ للحرية التي جاءت بها الثورة لابد من التركيز عليه في وسائل الاعلام. ويضيف محدّثنا أصبحت أتحلى بما أوتيت من الصبر والكلمات الجميلة وحتى «القهوة» لقضاء شؤوني في الادارة التونسية... وعن «فصعة» الموظفين خلال وقت الدوام يقول «هم يتذرّعون «بالبراكاج» ورؤساؤهم في العمل يخافون من كلمة «ديڤاج» لذلك فهم يصمتون أمام هذه التجاوزات. غياب المراقبة من جهته يذكر عبد الحميد أن خدمات الادارة التونسية لم تتحسن بل زادت سوءا عمّا كانت عليه وفسّر ذلك بغياب المراقبة الادارية مما انجرّ عنه تعطيل مصالح المواطن وتذمّره. عنف أما فتحي فقد أشار الى أن المرافق الاساسية أيضا شملها الانفلات منها الخدمات الصحية فالمؤسسات الاستشفائية تفتقر في الكثيرمن الأحيان للتجهيزات الضرورية. ولاحظ أن عديد المواعيد تستلزم وقتا أطول من المعتاد ولعل هذا أهم أسباب كثرة ظاهرة تعنيف الموظفين سواء في المستشفيات أو الادارات... ويواصل محدّثنا أنه من المفارقات مطالبة الموظفين المستمرّة بحقوقهم دون الحرص على القيام بواجبهم إزاء المواطن. تحسّن أما راضية فلها رأي مخالف اذ تقول «لم أرتد كثيرا الادارات التونسية، لكني لاحظت انه بعد الثورة تحسّن الاستقبال وأصبح الموظفون أكثر صبر عند قضاء شؤون المواطن بل ان هناك لحمة واضحة بين كل التونسيين». وأضافت «ان علاقة الأجوار ببعضهم بدورها تحسّنت بعد الثورة». عدوانية ومقايضة يقيّم الأستاذ عبد الجليل الظاهري رئيس مرصد إيلاف لحماية المستهلك من خلال الدراسات التي انجزها المرصد حول علاقة التونسي بالإدارة بعد الثورة فيصفها بالمتوترة. ويقول من خلال وقوف مرصد إيلاف لحماية المستهلك على نوعية الخدمات الإدارية المسداة في إطار المؤسسات العمومية بجميع أصنافها والجماعات العمومية المحلية تبيّن لنا جملة من المعطيات منها وجود حالة من الفوضى والانفلات العام أضحى بمقتضاه الموظف العمومي بمختلف أصنافه يشعر بأنه فوق القانون وفوق أي مراقبة ترتيبية من قبل مسؤوليه المباشرين. وقد تفاقم هذا الشعور مع تفصّي سلطات الاشراف المركزية من مسؤولياتها في المتابعة والتأطير وتوفير الدعم المعنوي والقانوني الى المسؤول الإداري الذي تعرّض في عديد الحالات والقطاعات الى اعتداءات لفظية وجسدية ولم توفّر له الإدارة الحماية بل اكتفت الأخيرة بالتعامل مع الأمر كواقع على أساس انه يتحوّز على مشروعية ثورية وكأن الثورة أصبحت في الإدارة التونسية ليست علامة بناء بل علامة للهدم وتصفية الحسابات الشخصية..». كما يلاحظ ايضا انغماس الموظف العمومي بصفة عامة وبدعم من النقابات في مسار مطلبي مجحف وغير موضوعي فاعتمد المطالبة به نوعا من المقايضة ما بين الخدمة المنجزة وما هو منتظر من مطلبية. هذا فضلا عن اعتبار بعض المسالك الاصلاحية التي اعتمدت في العهد السابق الإدارة السريعة والإدارة عن قرب ومكاتب الانصات والاستقبال ومكاتب التوفيق الإداري كأنها مؤسسات تابعة للإرادة السياسية السابقة وجب التملص منها دون احترام مبدإ التواصل المرفقي للدولة. وفي المقابل لابدّ من الاشارة الى وجود نزعة عدوانية في علاقة المواطن بالإداري لأن المواطن أصبح يتسم في سلوكه بنزعة «توّ» او «حالا» وهو لا يتفهم الاجراءات الإدارية المستوجب اعتمادها قبل أخذ القرار. الى جانب وجود حالة من عدم الاستقرار الوظيفي لأن هناك ملاحظة حول دخول نزعة من التسييس في التسميات في الخطط الوظيفية مما خلق شعورا بالاحباط واللامبالاة لأغلب الموظفين الذين يمكن وصفهم «بالتكنوقراط». ويضيف الظاهري: لا يمكن في هذه المسألة اغفال وجود شلل منذ اندلاع الثورة في عمل الهياكل القطاعية والمركزية المختصة بالمراقبة الإدارية والمالية فمنذ شهر ديسمبر 2010 لم يعد المواطن الرقيب يعمل ويرفع التقارير الى سلطة الاشراف الى جانب أن الموفق الإداري بقي في حالة شلل الى موفى فيفري الماضي الذي تم فيه تعيين قاض في هذه الخطة. بالاضافة الى أن هذه الهياكل المختصة في المراقبة الإدارية والمالية بقيت منغمسة بصفة حصرية في قضايا الفساد والرشوة دون الاهتمام بقضايا المردودية والجودة الإدارية كما ان العون أصبح في حلّ من أي شروط قانونية لإثبات مردوديته او جدارته المهنية ذلك ان أعداده المهنية ومنحة الساعات الاضافية تسند جزافا لإخماد ركوب عديد الموظفين على الثورة. وحسب المعطيات المتوفرة لدينا لا إصلاح اجتماعيا واقتصاديا ولا سياسيا دون رجوع الإدارة الى الانضباط والمردودية بعيدا عن المطالب الشخصية المشطة...