لم تمض أيام فقط على رحيل محمد بن جنات المناضل الكبير حتى التحق به عمار منصور ليلتحق بهما في أيام معدودة الهادي قلة الذي غيبه الموت صباح أمس الخميس بعد معاناة طويلة مع المرض وبعد رحلة طويلة من العطاء للموسيقى وللفن البديل . وكأن هذا الزمن لا يتحمل هؤلاء الذين حلموا بالحرية وبالديمقراطية وبتونس أخرى ،وكأن الزمن ليس زمنهم وهم الذين منحوا رطوبة السجن أجمل سنوات أعمارهم الغضة ولم يحلموا بغير السنابل والبحر والاغاني وتونس اخرى بلا عنف ولا اقصاء ولا تكفير ولا محاكم تفتيش .
رحل الهادي قلة الذي كان من مؤسسي الأغنية الجديدة التي رافقت أصوات العمال والطلبة والشباب الغاضب على دكتاتورية الحزب الواحد والزعيم الأوحد زمن السبعينات التي كانت أحداث 26 جانفي فاصلا حدد مسار النضالات التونسية ومأزق السلطة .
مع مجموعة «أمازيغن» بدأت رحلة الهادي قلة الذي وجد في فرنسا وبلجيكيا أواخر السبعينات خير ملاذ لتطوير تجربته والانفتاح على عوالم أخرى أكثر حرية وانفتاحا وبسرعة تحول الهادي الى صوت الجموع الغاضبة من طلبة وعمال .
غنى لعم خميس «بابور زمر» التي صنعت شهرة الهادي قلة وجعلته قريبا الى المهاجرين فأصبح هو الفنان الأساسي قبل التحاق محمد بحر بتجمعات المهاجرين وأحزاب اليسار في فرنسا وبلجيكيا وكانت أغاني الهادي قلة دائما من أجل الحرية ومن أجل فلسطين وقد غنى الهادي للشعراء الشابي ومحمود درويش وأولاد أحمد وبلند الحيدري ونجيب سرور وبيرم التونسي وعلي سعيدان وغيرهم فقد كان الهادي قلة من الفنانين الذين يعتنون بالشعر إعتناء خاصا ولا يعيشون إلا مع الشعراء.
وبرحيل الهادي قلة عن عمر يناهز الستين عاما تخسر الثقافة التونسية صوتا من أجمل أصواتها وأنبلها ،مناضل دافع عن الحرية وعن البسطاء وإختار العيش بعيدا عن الأضواء عندما عرف أن الدائرة ضاقت على محبي الحرية .