قال تعالى: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ)... والتيسير في الإسلام سمة عامّة لوتعمقنا في أركان الإسلام وفي العبادات وفي هدي الرسول صلى الله عليه وسلم الذي ما خُيّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما.
ومن أهم الأمثلة على تيسير الله تعالى في الدين هي أن السيئة بمثلها وتُغفر وتُبدل حسنة (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) الفرقان) والحسنة بعشر والله يضاعف لمن يشاء سبحانه وتعالى. حتى أن السيئة إن همّ بها العبد ولم يفعلها كتبت له حسنة فإن فعلها كُتبت له سيئة واحدة. سبحانك ربي ما أكرمك!
ثم نأخذ أركان الإسلام الخمسة فنجد أن الله تعالى جعل ثلاثة من هذه الأركان التي هي أساس هذا الدين للمستطيع :
فالزكاة لا تصح إلا لمن كان عنده مال وبلغ النصاب وحال عليه الحول فمن لم تتوفر لديه هذه الشروط تسقط عنه الزكاة. والصيام يسّر الله تعالى للمريض والمسافر وغير القادر عدة من أيام أُخر وللمريض الذي لا يُرجى شفاؤه يُعفى من القضاء وعليه الكفّارة. والحج لمن استطاع إليه سبيلا ومرة واحدة في العمر تُسقِط الفرض أما الشهادة فمن قالها في العمر واحدة كَفَته. وتسقط الشهادة عن الأخرس الأبكم.
التيسير والثواب
والصلاة هي خمس مرات في اليوم والليل ولوشاء تعالى لأبقاها خمسين لكنه جعلها خمسة في العدد خمسين في الأجر. ثم إن الله تعالى يسّر للخائف والمحارب صلاة الخوف (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا (101) النساء) وأجاز الجمع والقصر للمسافر.وفي الوضوء يسّر الله تعالى أيضاً فمن لم يجد ماء يتيمّم بالتراب
وفي الطعام والشراب أباح الله تعالى لنا الكثير من الأطعمة والأشربة وما حرّمه علينا قليل ومع هذا كله فإن يسّر للمضطر أن يأكل ويشرب مما حرّمه الله تعالى عليه حتى لا يهلك (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3) المائدة).
وتلاوة القرآن جعل الله تعالى فيها من تيسيره الثواب العظيم فبكل حرف نقرأه حسنة لا أقول ألم حرف وإنما ألف حرف لام حرف وميم حرف.
منهج حياة متكامل
ومن تيسير الله تعالى لعباده الدعاء والذكر والتسبيح والاستغفار التي إن واظب عليها المسلم تكون له من كل همّ فرجاً ومن كل ضيق مخرجا ورزقه من حيث لا يحتسب، والله تعالى يحب عباده التوابين المتقين المحسنين والشواهد في القرآن كثيرة وفي الأحاديث النبوية أيضاً. ومن تيسير الله تعالى أن جعل الدعاء بينه وبين عبادة مباشرة بلا واسطة (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) البقرة).
التكليف الشرعي: ومن التيسير أيضاً أن الله تعالى لم يكلّف الانسان إلا بعد سن البلوغ ولا يحاسبه على أفعاله إلا بعد هذه السنّ.
ومن تيسير الله تعالى أن شرع لنا التكافل الاجتماعي فالغني يعطي الفقير واليتيم إن مات أبوه وجد في كل الملسمين آباء له يرعونه ويقدمون له العون. والآيات في الإحسان إلى اليتامى والمساكين كثيرة في كتاب الله وفي أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة وأشار إلى إصبعيه.
فهل بعد هذا التيسير نجد من يقول إن الإسلام دين معقّد يصعب الالتزام به وتطبيقه والعمل به وأنه لا يصلح لهذا الزمان أوذاك؟ وهل بعد هذا التيسير في ديننا نجد ديناً آخر أوشرعاً أرضياً آخر هومنهج حياة متكامل وقال أحدهم ما أعظم هذا الدين لم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا وعلّم الناس عليها. (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآَيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19) آل عمران) (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85) آل عمران).