مثل الزعيم الحبيب بورقيبة يوم أمس في الذكرى الثانية عشر لرحيله موضوع نقاشات حادة وخلافات بين مختلف التيارات السياسية في الصفحات التونسية على الموقع الاجتماعي، وطالب خصومه بكشف التاريخ الحقيقي لحكمه الذي طال أكثر مما يجب. كانت البداية بإعلان عدة صفحات عن الاحتفال بذكرى رحيل «الزعيم» وتعداد مناقبه والدعوة إلى الاستفادة من أفكاره، فيما ظهرت عدة محاولات لتجميع بعض أطياف المعارضة من اليمين والوسط حول مشروع يكون «الفكر البورقيبي» محوره، غير أن الردود كانت عنيفة، وكتب محام يقول إنه ناضل في اليسار: «الفكر البورقيبي الوحيد هي الدكتاتورية والاعتماد على المليشيات لقمع أي معارضة وخصوصا الجهويات المقيتة». كما تم تداول تصريح لأحد الزملاء جاء فيه أن «استدعاء بورقيبة من القبر في مثل هذه الأيام هي مجرد لعبة سياسية». يكتب ناشط كهل بحياد واضح: «في مثل هذا اليوم (أمس الجمعة)، السادس من أفريل، قبل 12 عاما رحل الزعيم الحبيب بورقيبة في ظروف أقل ما يقال عنها إنها لا تليق بزعيم شغل الناس وصنع تاريخ تونس الحديث، توفي شبه مسجون بعد أن تقدم به العمر وتكاثرت أمراضه، رحل الرجل الذي حمل أكثر الألقاب حفظا في ذاكرة الشعب التونسي: المجاهد الأكبر، المحامي الأول». ينشر أنصار البورقيبية صورة ناصعة عن زعيمهم: «الزعيم المحرر، الذي منح حياته لتحرير الوطن والشعب من الجهل والتخلف، ناشر التعليم ومنظم الأسرة التونسية ومانح المرأة حقوقها التاريخية التي جعلت منها الأولى تقدما وتعليما في العالم العربي. بورقيبة رمز التقدم والحداثة والتعليم العصري». كما لاحظنا لدى الكهول والمتقدمين في السن أن بورقيبة يبقى زعيما كبيرا وقائدا فذا رغم عدائه للحرية، لكنه كان «سابقا لعصره» كما يكتب محام من سوسة. لكن خصوم بورقيبة والبورقيبية كثيرون أيضا وثمة صفحات كثيرة تتخصص في شتمه ونشر تفاصيل ومراحل الاضطهاد السياسي في عصره الذي طال أكثر مما يجب، ومنها «صفحة كارهي بورقيبة والزين والتجمع» التي تجمع 40 ألف شخص. وإذا كان أنصار النهضة يعتبرون أعداء تقليديين للزعيم الذي واجه الفكر الديني بشراسة فإن لبورقيبة خصوما آخرين من اليوسفيين واليسار ومن مناضلي اتحاد الشغل الذي لم ينسوا له مجازر يوم 26 جانفي 1978 أو تنكيله بالزعيم الحبيب عاشور، وكثيرون من هؤلاء دعوا يوم أمس في صفحاتهم إلى كشف الوجه الحقيقي للزعيم خصوصا فيما يتعلق بتنكيله بخصومه السياسيين وقضائه على كل محاولة للمشاركة في الحكم. يكتب ناشط من اتحاد الشغل: «كلما أتذكر بورقيبة، أتذكر توجيهاته اليومية الكريهة التي كان يبتز بها الشعب التونسي لكي يبقى في الحكم إلى الأبد حتى كان يخيل لنا أنه سوف يستمر في الحكم وهو ميت». أما اليوسفيون والعروبيون فينشرون تعاليق تذكر بأن بورقيبة قد محى من ذاكرة الشعب التونسي كل إنجازات وتضحيات المناضلين ضد الاستعمار واغتال بعضهم ونجا من استطاع منهم بنفسه خارج البلاد لكي يخلو له الحكم الدكتاتوري على جماجم ضحاياه. يكتب ناشط يتخذ من صورة صالح بين يوسف شعارا له: «آن الأوان لكي نكشف للشعب التونسي حقيقية المجازر التي ارتكبها بورقيبة ضد خصومه، أن نكشف تلك السلالة التي خلقها بورقيبة حوله في الحكم من لجان الحزب والمليشيات ممن كانوا مستعدين لإبادة نصف الشعب التونسي من أجل أن يبقى الزعيم في الحكم حتى حين فقد عقله، في عصره انتشر التعذيب والاضطهاد السياسي والاغتيال، عرف حكمه الطويل مراحل مرعبة من الاضطهاد من صباط الظلام في المدينة العتيقة حيث كان الجلادون يعذبون معارضي بورقيبة إلى سجونه التي اتخذت شهرة عالمية مثل برج الرومي والناظور في بنزرت وحربوب في الجنوب». أما الجيل الجديد من شباب الثورة، فلا يبدو معنيا «بعبادة صنم سياسي آخر»، كما قرأنا في صفحة مناضلة يسارية في الجامعة، تضيف في تعليقها: «كرهنا الزعامات المزيفة والحكام الذين لا يغادرون الكراسي إلا إلى القبر».