من انجازات الدكتاتورية ببلادنا هي تحويل بعض جهاتنا الداخلية الى «فبريكات» لانتاج المتسولين او الخادمات والمهمشين ووضع تنظيم غير مكتوب ولا معلن لتوزيع الفقر والاذلال على الجهات الداخلية وعلى اهاليها بالعدل والقسطاس واقرار مواسم واسواق للفساد فساد بكل انماطه وصيغه ومن ذلك مواسم التسول المنظمة تماما مثل مواسم الحصاد والجني والصيد وغيرها ففي ولاية قبلي مثلا تعود الاهالي ان تنتشر بينهم اعداد تتزايد سنويا من المتسولين القادمين من بعض الولايات الداخلية الاخرى خلال فصل الخريف الذي يوافق موسم جني التمور نظرا لما تشهده الجهة وابناؤها من يسر نسبي وميل فطري للكرم ومساعدة الاخرين وغالبا ما يكون العدد الاكبر من المتسولين الوافدين متكونا من نساء متقدمات في السن
وقد كان اهالي قبلي يترقبون ان تختفي ظاهرة التسول او ان تنحسر على الاقل بعد الثورة ولكن الذي حصل هو انهم يفاجأون بموسم جديد للتسول وبفئات عمرية جديدة فقد انتشرت هذه الايام بشوارع مختلف مدن ولاية قبلي اعداد كبيرة من المتسولين اغلبهم من الاطفال الذين تتراوح اعمارهم بين4و16سنة من بنات وفتيان كان من المفروض ان يكونوا خلال هذه الاشهر من رواد المدارس والمعاهد ولكن موروث سنوات التفقير والاذلال وجيوب تواصلها مازال يزج بهم في الشوارع وبين رواد المقاهي يطلبون حسنة وهو امر يطرح اسئلة عديدة فمن يزج بهؤلاء الاطفال نحو التسول هل هم اولياؤهم ام هي شبكات منظمة تعمد الى تسلم هؤلاء الاطفال من اهاليهم بمقابل وهل تعود ظاهرة التسول الى جشع عند بعضهم كما روجت جهات معينة لتتنصل من مسؤولية معالجتها ام هو نتيجة مباشرة للتفقير والتهميش ولكن السؤال الذي يطرح اليوم وخاصة بعد الثورة هو هل مازال جائزا ان تسمح السلطات العمومية لكائن من يكون ولو كان والدا او اما بحرمان طفل او يافع من الدراسة للزج به في منتنة التسول ثم هل مازال من المستساغ ان تفتقر بلادنا الى اليوم لمؤسسات عمومية وخاصة تضطلع بمهمة دراسة هذه الظاهرة وانجاز احصائيات وتقديم ارقام دقيقة حول مدى انتشار الظاهرة وبؤر انتاجها والقوى المنتجة او الحاضنة لها