تعقد حركة تصحيح المسار المنبثقة عن المؤتمر الخامس للحزب الديمقراطي التقدمي نهاية هذا الاسبوع اجتماعا وطنيا للتشاور حول إمكانية الانفصال بشكل نهائي عن الحزب. ويرى محمد الحامدي، أحد قياديي الديمقراطي التقدمي والمتزعم لحركة تصحيح مساره ورئيس الكتلة الديمقراطية في المجلس التأسيسي، أنّ إعلان الانقسام –في حال وقع الخيار على ذلك- قد يسهم في التقليص من حدة الاستقطاب الثنائي الذي يعيش على وقعه المشهد التونسي.
كما قال الحامدي في حوار خصّ به «الشروق» إنّ تشنّج الحكومة تجاه مواقف المعارضة مرده فشل في معالجة الملفات المطروحة وأنّ تأليب الرأي العام على المعارضة أمر خطير يهدد إمكانية التوافق الوطني مشيرا في الآن ذاته الى ضرورة تطوير المعارضة لأدائها في اتجاه ان تكون قوة اقتراح والتقديم بدائل. التفاصيل في الحوار التالي:
الى أين وصلت مشاوراتكم مع الهيئة التنفيذية للحزب الجمهوري؟ عقدنا جلسة يوم السبت الماضي دامت ثلاث ساعات حضرتُها مرفوقا بالنائب مهدي بن غربية نظرا لتعذّر التحاق بقية النواب المعلّقين لعضوياتهم في الحزب وحضرها من الطرف الثاني تقريبا أغلب أعضاء الهيئة التنفيذية للحزب وأبرزهم مية الجريبي وياسين ابراهيم وسليم العزابي. تقدمنا خلال الجلسة بجملة من المقترحات التي لم يتم القبول بها الى حدّ الآن، حدّ صباح أمس الاثنين تاريخ حوارنا معه، رغم أنه هناك مؤشر بداية تفاعل مثل قبول اضافة في المكتب السياسي والهيئة السياسية.
ما هي المقترحات التي تقدمتم بها؟
تقدمنا بمقترح الاقرار بحقنا في انشاء تيار اصلاحي وتضمين هذا الحق في النظام الداخلي بما يكفل لائحة حقوق لهذا التيّار وطالبنا بتمثيل هذا التيار في الهياكل القيادية للحزب وغيرها من المقترحات. في المقابل كانت هناك مقترحات تفصيلية نراها دون الحد المطلوب لرأب الصدع لذلك اخترنا كنوّاب وكمناضلين تجميد العضوية كي لا نستعجل بالقطع والانفصال ولاعطاء الفرصة لأمرين هما أولا التباحث مع رفاقنا في الحزب الجمهوري لحل هذه الاشكالية وثانيا للتشاور مع المناضلين الذين يشاركوننا نفس التوجه وفي هذا الاطار كان لنا اجتماع تشاوري يوم أمس، يوم الاحد، مع عدد من المناضلين في تونس الكبرى واتفقنا على عقد اجتماع وطني تشاوري يومي السبت والاحد القادمين في مدينة سوسة للتباحث حول موقعنا كتيار اصلاحي داخل الحزب أو نقرر الانفصال.
على ماذا اتفقتم بالضبط في اجتماع الأحد؟ ولماذا اخترتم مدينة سوسة بالذات للبت نهائيا في موقعكم؟
في اجتماع الاحد كانت هناك تصورات عديدة والمتفق عليه، سواء في اجتماع تونس الكبرى أو في الاجتماعات الموازية المنعقدة في نفس اليوم في جهات عديدة مثل قفصة وقابس وباجة وبنزرت وغيرها، هو عدم استعجال أي قرار في انتظار اجتماع سوسة نهاية هذا الأسبوع.
وما يمكن تأكيده هو أننا نتواصل مع كلّ الاطراف في الحزب الجمهوري وهناك سعي لحل المشكل فرغم أن لكل طرف قناعاته واكراهاته الخاضع لها هناك محاولة للبحث عن حل.أمّا بالنسبة لاختيار سوسة أعتقد أن لسوسة رمزية اليوم بالنسبة لنا كحركة لتصحيح المسار ففيها تمّ الاعلان عن هذا التوجه.
ما هي تحفظاتكم على الحزب الجمهوري؟ هل هو رفض للأشخاص القادمون الجدد للحزب؟
نحن نتحفظ حول كيفية ادارة الحزب خاصة بعد الانتكاسة الانتخابية وظهرت لدينا الرغبة في اصلاح توجه الحزب وأدائه السياسي منذ ذلك الحين إلاّ أنّ رغبتنا لم تؤخذ بعين الاعتبار بل تم السعي الى التضييق عليها وواصلت قيادة الحزب نفس الأداء، الذي نعتقد أنه تسبّب في الانتكاسة، في كيفية ادراة المشاورات وكيفية اعداد المؤتمر وانجازه وانتهت في الاخير الى استبعاد أغلب من عبروا عن هذه الرغبة في اصلاح الهياكل. ثمّ إنّ عملية التوحيد حصلت فيها بعض الاشياء إذ لم تتم بالتشاور مع هياكل الحزب وكان فيها تعتيما خاصة فيما يتعلق بالشخصيات الوطنية المستقلة والمجموعات السياسية الصغرى فكثير من الشخصيات والقائمات ادمجت ضمن المشروع بسرعة ما يعني وجود رغبة قوية في التوحيد بسرعة وهو ما أعتبره هروبا الى الامام فعملية التوحيد ظهرت وكأنها بديل عن ضرورة التوجه لحل المشاكل الداخلية للحزب وهذا يُسمّى في المعسكرات «اعادة انتشار» وما أستطيع قوله هو أن الحزب الديمقراطي التقدمي سعى لتوحيد الحركة الديمقراطية وعجز عن توحيد مناضليه. وأعتقد أن حسم هذه الوضعية المعلّقة نهاية هذا الاسبوع في سوسة سيخدم مصلحة الطرفين.
كيف تقرؤون مشهد الانقسامات السياسية لبعض الاحزاب والذي قد يشمل حزبكم ؟ وما مدى تأثير هذا التفكك الحزبي على حالة الاستقطاب السياسي الحادة التي تعيش على وقعها تونس منذ 14 جانفي 2011؟
قد يكون هذا الحراك علامة صحية فالزمن السياسي في بلد انتزع حرية العمل السياسي لتوه سريع أي أسرع من الوقت العادي ونحن الآن في ديمقراطية ناشئة وبالتالي المشهد السياسي فيها بصدد التشكل مثل رقعة شطرنج متحركة لذلك من الطبيعي أن نشاهد انقسامات وتحالفات جديدة تنشأ. أنا لا أرى اي خطورة على المشهد في حال التفكك واعادة التشكل ففي هذا الحراك جانب ايجابي هو ابطال حالة الاستقطاب الثنائي.
وأضاف «الاستقطاب الثنائي إذا اتخذ بعدا ثقافيا وعقائديا يكون أولا وهميا لأنه يضخّم من مشاكل محسومة أساسا مثل مشكل الهوية ويمنع من معالجة المشاكل الحقيقية وهي التنمية والتشغيل والحريات وثانيا يكون خطيرا لأنه يحمل بذور الفتنة والتباغض بين التونسيين. في حين أن الاستقطابات السياسية المتحولة والديناميكية تعبّر عن حياة سياسية حقيقية وتطوّر المشهد السياسي. فمن المهم جدّا إعادة توزيع الاوراق إذ تتم عملية فرز سياسي جديد بما في ذلك المنفصلين سواء عن الائتلاف الحاكم أو عن المعارضة.
في حال انقسامكم عن الحزب الديمقراطي التقدمي كيف ستكون علاقتكم مع «أعداء» الديمقراطي التقدمي وأساسا حركة النهضة؟
قبل الانتخابات لم يحسن الحزب ادارة التنافس السياسي مع النهضة وكانت واحدة من الاخطاء التي تضمنها تقرير تقييم الانتخابات الذي أعدته اللجنة المركزية للحزب إذ ظهرنا أحيانا كأننا نعادي الهوية أو نعادي الاسلام وهذا خطأ سياسي لا يجب أن يتكرر. لا شك أننا نختلف اختلافات أساسية مع النهضة خاصة فيما نلاحظه في أدائها السياسي كحزب حاكم من توجه نحو الاستبداد والاستحواذ على مفاصل الدولة والمجتمع ونحن كما رفضنا استبداد بن علي الذي برره بالحداثة والتحديث نرفض أي توجه استبدادي وان كان منسوبا للدين فالاسلام دين حرية ودين عدل. خلافنا مع النهضة خلاف سياسي وليس عقائديا او ثقافيا وهذا الخلاف السياسي في حال تنسيب وتحديد دقيق والتيار الاصلاحي أي كان موقعه في الحزب الجمهوري هو جزء من المعارضة لكن تصوره للمعارضة ليس اقصائيا ولا يتجه صوب الاستقطاب الثنائي ذو الطابع العقائدي وعلى ضوء المحاور السياسية تتحدد العلاقات.
أي مستقبل للكتلة الديمقراطية في حال الانقسام خاصة وأنكم تترأسونها؟
نحن أعضاء في الكتلة وأنا رئيسها الى أن يأتي ما يخالف ذلك وفي اللحظة الحالية ليس لدي اجابة حول موقعنا داخل الكتلة او خارجها.
ما تفسيركم لهذا التأخير في كتابة الدستور؟
أولا الحديث عن تأخير مبالغ فيه لأن اللجان التأسيسية تعمل بالتوازي وهي تتقدم ثمّ إن المجلس التأسيسي باعتباره السلطة الشرعية الاصلية مثقل بمهام عديدة منها التأسيس والتشريع والمراقبة كل هذه المهام تثقل كاهل التأسيسي وتظهره للرأي العام وكأنه لا يتقدم لكن الحقيقة عكس ذلك.
وبماذا تفسرون حالة التشنج التي برزت داخل التأسيسي مؤخرا؟ ومن من مصلحته إحداث هذا التشويش؟
في كل الحالات الكتلة الديمقراطية لم تكن طرفا مباشرا في هذا التشنج. نحن في نظام سياسي ناشئ لم تترسخ لدينا تقاليد ادارة الخلاف السياسي بهدوء وفي كل الحالات ما نراه من خصومات في التأسيسي يحدث أمثاله في أعرق البرلمانات لذلك لا يجب ان نهول الامر ولا نعتبره كارثة رغم ان التعقل والهدوء مطلوب.
وماذا عن التشنج الحكومي تجاه سلوك المعارضة وتصريحات أعضائها؟
فشلها في معالجة الملفات جعلها تسارع الى الاتهام بالتعطيل وتأليب الرأي العام على المعارضة الى حد التشكيك في وطنيتها واتهامها بالتآمر وهي تصريحات صادرة عن لطفي زيتون المستشار السياسي في رئاسة الحكومة وطارق ذياب وزير الرياضة وعن المنصف المرزوقي نفسه. هذا المناخ جعل بعض أنصار الحكومة يتصرفون بعدوانية تجاه النواب من ذلك ما تعرض له النائبان محمود البارودي واياد الدهماني وتجاه رموز المعارضة وهو سلوك خطير يهدد امكانية التوافق الوطني.
ما هو تقييمكم لأداء المعارضة؟
لا يخلو أي عمل بشري من الاخطاء. والمعارضة ثبّتت وجودها كقوة معارضة وقوة نقد وليس هناك أي امكانية لاقامة ديمقراطية دون ثنائية حكم ومعارضة لكن المطلوب منا هو تطوير أدائنا في اتجاه أن نكون قوة اقتراح وتقديم بدائل وهذا يتطلب كثير من العمل لأن للتونسي شكوك عديدة لكنه لم ير بديلا واضحا لدى المعارضة الى حد الآن وهذا هو قدر المعارضة ان ارادت ان تحقق شيئا في الانتخابات القادمة.