تحمل شخصية يوسف مارينا أبعادا عديدة وتفتح نوافذ تجوال عديدة في أماكن ومواضيع مختلفة ففيها نوع من الشهادة السياسية على بدايات الدولة الجزائرية المستقلة وعلى ظاهرة العنف الديني في أوروبا وغيرها كما تحمل مواقف فكرية عديدة منها ما تعلق بالأدب والفن
ومنها ما تعلق بالحياة وبالحرية. وفيها نوع من السيرة الذاتية للكاتب واسيني الاعرج حسب ما تشير اليه احدى نصوص العتبات وتحديدا تقديم الناشر. ويوسف مارينا هو الشخصية الرئيسية لرواية «أصابع لوليتا» للكاتب الجزائري واسيني الأعرج وقد أصدرتها مؤخرا مجلة دبي الثقافية في كتاب قارب حجمه 500 صفحة وتضم خمسة فصول هي خريف فرنكفورت وانتظار على حافة النهر ورماد الايام القلقة وصحراء الفتنة والقتلة وفصل في جحيم التيه. والكاتب الجزائري واسيني الأعرج هو من الأصوات الروائية العربية المهمة وفي رصيده حوالي عشرين رواية ومجموعة من الكتب النقدية وأعمال ثقافية أخرى.
يوسف مارينا
تنطلق رحلة يوسف مارينا وهو ابن الشهيد المقرب من المناضل المعروف في الثورة الجزائرية الرئيس احمد بن بلة من لحظة الانقلاب على هذا الأخير من طرف هواري بومدين وأصحابه العسكريين.
في هذه اللحظة وجد يوسف نفسه يعمل مع مجموعة سرية للدفاع عن الرئيس بن بلة الذي سماه في الرواية ب«الريس بابانا» انطلاقا من تسمية شعبية جزائرية له فيها الكثير من الحب والحميمية وساهم بالكتابة في احدى النشريات بمقالات مثيرة لفتت انتباه الرأي العام ولاقت رواجا وأزعجت السلطة الجديدة التي وضعته في قائمة المطلوبين وصار مفتشا عنه من طرف رجال هواري بومدين فاضطر الى الهروب والهجرة والاستقرار في المنفى خوفا من البطش.
في حياة المنفى الأوروبي صار يوسف كاتبا كبيرا وصارت له مؤلفات كثيرة وانغمس في علاقات المجتمع الأوروبي حيث الحرية والخمر والصاحبات العشيقات. . لكن هذه اللذة التي انغمس فيها انقلبت في النهاية الى خطر. . حيث جاءت مرحلة الهلع الأوروبي من المسلمين بعد تفجيرات نيويورك وتنفيذ مجموعات دينية أخرى لعمليات مختلفة في أماكن من أوروبا خصوصا فرنسا. . ظهر التشدد الديني ورموزه في أوروبا وصار موضوع العنف الديني مطروحا ووضع يوسف في قوائم المهددين بالاغتيال والمكفرين من طرف هذه الجماعات انطلاقا من دردشة بينه وبين احد المتدينين حول احدى كتبه على هامش معرض في فرنكفورت.
وقد أعلمته الشرطة انه مهدد وبدأت تراقبه وتحميه وقد تبين ان احدى خليلاته وهي من أصول جزائرية وقد هربت الى أوروبا بعد اغتصابها من طرف والدها التاجر الكبير وصاحب العلاقات الكبيرة مع الملتحين وعدد من زعاماتهم على صلة باحدى المجموعات تستعد لاغتياله بالتآمر مع احدى المجموعات. هذا مختصر الحكاية الطويلة أو الرواية الضخمة التي نشرتها مجلة دبي الثقافية للكاتب الجزائري واسيني الأعرج ويبدوانها على صلة كبيرة بالسيرة الذاتية وهي تطرح أسئلة كثيرة وتوحي بدلالات مختلفة. .
ابن الشهيد
يوسف بوصفه ابن شهيد شهير ومعروف يحمل رمزية خاصة ، فابن الشهيد المبجل من طرف الزعيم بن بلة والذي ساهم في تحرير الوطن يطارد بعيد الاستقلال ويضطر لترك الوطن ثم يلاحقه الوطن في العقود الاخيرة بالتكفيريين ويصبح مهددا بالقتل والغدر. .
ألا يحيل هذا على ظاهرة التنكر للشهداء وللوطن وللقيم الوطنية بتعلات مختلفة في البلدان العربية؟ألا يذكر هذا الأمر بتلك الأحاسيس العميقة بان أولئك الذين حرروا هذه البلدان لم ينالوا حظهم وسرعان ما تم الانقضاض عليهم وابعادهم؟
وقد نذهب ابعد في هذه التخمينات حينما نأخذ صفة ابن الشهيد ونطلقها على جيل كامل هو جيل الثورة والتحرير وهو الجيل الذي يرفض الاطاحة بالرموز ثم وجد نفسه لاحقا في حالة اغتراب وضياع وتهديد وبالتالي تصبح محنة يوسف محنة جيل كامل امن بالوطن ووجد نفسه أمام واقع جديد تغيرت فيه مفاهيم الوطنية ورؤى الدولة.
من نجل الشهيد الى المثقف
أما الجانب الثاني من شخصية مارينا فهو صفته كمثقف وككاتب عربي كبير خير المنفى ليستمر في حياته. . يضطر من البداية الى التخفي خوفا من عقاب انتقامي لا لجرم ارتكبه وانما بسبب الكتابة. . في المرحلة الأولى كان خائفا من رجال بومدين وفي المرحلة الثانية كان الخوف من المتشددين بسبب تكفيرهم له.. فهو بالتالي يعد نموذجا للمثقف العربي في مواجهة سلطتين مدعومتين بالقوة . . سلطة الحكومة وسلطة المتشددين .
صورة أخرى قد نلمحها في هذه التجربة هي صورة كتاب المنفى وتلك الحياة البديلة التي يختارونها. . حياة المجون والنساء والخمر. . لكن هذه الحياة أيضا ليست امنة فهي باب خطر. . فالخليلة كانت بصدد الاعداد لاغتياله. . ألا يبدو المثقف العربي في النهاية محاصرا من الجميع ويعيش بغرابة وسط تحالفات رهيبة بين أطراف متناقضة مثل تأمر الخليلة المومس مع منظمة دينية متشددة ضده؟؟