تفتقر ثاني أكبر المدن التونسية من حيث الكثافة السكانية الى المساحات العمومية وارتفعت أصوات الأهالي في الفترة الأخيرة للمطالبة بساحة كبيرة في صفاقس وهذا أمر طبيعي لان تكون لمثل هذه المدينة ساحة كبيرة تعبر عن أهميتها التاريخية والاقتصادية والثقافية. والواقع أن صفاقس عرفت في الفترة الاستعمارية وبعدها ساحة مشهورة يتوسطها كشك الموسيقى Kiosque à musique تحمل اسم ساحة «فيدال جيروم» Fideles JEROME وهو مراقب فرنسي قديم شجع محليا على توسيع غابة الزياتين مع رئيس البلدية انذاك «جيل غو» Gules Gauوكانت تشكل فضاء للموسيقى والسهر والرقص في نهاية كل أسبوع والناس في أجمل ثيابهم في ساعات من الفرح والغبطة ومعانقة الفن والجمال على أنغام الموسيقى.
هذا الكشك احتلته نقابة التوجيه السياحي فغبنته وطمست تاريخه العريق بسبب ضرب مقومات السياحة بالجهة وهو معلم ولو لم نعرف بالضبط متى تأسس ولكن الثابت انه يعود الى السنوات الأولى من القرن العشرين.
وساحة البلدية كانت أكبر وأجمل ساحة وهي عبارة عن فضاء تتوسطه نافورة وأحواض لنباتات الزينة وحديقة أمام قصر البلدية الذي تأسس منذ سنة 1906 والى اليوم لم نقدر على تهيئة هذه الساحة التي تسمى ساحة الجمهورية.
وبعد الحرب العالمية الثانية ظهرت فسحة اصطلح على تسميتها «100 متر» وهي فسحة رائقة رافقت أكثر من جيل اعتدت عليه البلدية وأسقطت من قاموس المدينة الذاكرة الفردية والجماعية لهذا المعلم وأذنب المهندس المشرف عليه في حق المدينة وتاريخها وأهلها.
ومع ذلك لا يعني ذلك انه لم تكن لمدينة صفاقس ساحات فالبلدية أنجزت ساحة باب الديوان وشهدت مولد مهرجان محمد الجموسي للموسيقى المتوسطية ببادرة من السيد على البقلوطي ومات في دورته الأولى ثم احتلته التجارة الفوضوية ومغازات الورد التي أقيمت تعسفا في شهور فوضى الثورة.
كما أنجزت البلدية ساحة المقاومة....
وقبرت فكرة ساحة القصبة التي أراد منها في الأصل السيد علي الزواري فضاء للموسيقى والعروض الفنية المختلفة في موقع مشحون بالتاريخ حيث نجد قصبة المدينة وجامع سيدي الياس والمدرسة العباسية ولكن هذه الساحة سقطت بين أيدي تجار الملابس القديمة ليحولوه إلى مكان لنفايات النسيج والأوساخ والان شركة صفاقسالجديدة بصدد استكمال انجاز ممر سيدي اللخمي الذي يمتد على طول اكثر من 500 متر وباتساع 17 مترا وهو مخصص للمترجلين ونخشى ان تحتله التجارة الفوضوية وتشوه المكان الذي تعمل جمعية بيت الخبرة مشكورة على تحويله الى فضاء للفسحة وممارسة الانشطة الثقافية والفنية وغيرها في نطاق تنشيط المدينة وخاصة في عطل اخر الاسبوع والمناسبات الكبرى.
من ناحية اخرى أخطأت البلدية في القضاء على شط القراقنة الذي كان منتصبا بحركيته وروائح أمواجه ومشهد السمك وعمال البحر ليعطي مشهدا اجتماعيا رائعا يعود إلى العشرينات من القرن العشرين وحتى قبل ذلك بكثير فالقناة المائية يعود حفرها إلى سنة 1897 وردم جزء منها لتستقر على صورتها الحالية بين 1922 1924 أما لمن يعرف مرسيليا فقد حافظت على مينائها القديم إلى يومنا هذا وأضافت إليه مارينا عصرية فربطت أوصال التاريخ وضاعفت متعة الناس بالبحر.
الحصيلة فقدت صفاقس هذه الذراع البحرية في حيويتها وديناميكيتها في فترة انقطع البحر عن المدينة وفقد الناس صلتهم بشواطئهم التاريخية وتربى جيل كامل يجهل إلى اليوم علاقة صفاقس بالبحر ؟ وهذا ما يجعلنا أحيانا نقر بتجارب مرّة مع المهندسين المعماريين في صفاقس دون أن نعمم بطبيعة الحال.
وحتى المدينة العتيقة على غير ما ذهب إليه عديد الأوروبيين لم تخل من ساحات على غرار ساحة احمد باي ورحبة الرماد ورحبة النعمة وساحة سوق الطعمة وساحة باب الديوان الداخلية ومخطوط شهادة الدكتوراه للدكتور د.فوزي محفوظ عن المدينة العربية الرائع يتحدث عن هذه الساحات.
اقتراحات
نذكّر مرة أخرى بوجود ساحات باب الديوان والقصبة والمقاومة شمال المدينة العتيقة وعلينا توظيفها فنيا وثقافيا... اما في الناحية الشمالية للمدينة يمكن اقامة ساحة متاخمة للأسوار تقدر مساحتها بما يقارب 20.000 م2 وهي أكبر وأوسع وأجمل... انها ساحة باب الجبلي مكان الشركة الجهوية للنقل التي كان مبرمجا منذ مدة طويلة تغيير نظام مكوث الحافلات بها بحيث يتواتر وقوفها بالمحطة لتملأ أو لتفرغ ركابها لا غير وقد تجاوبت شركة تهيئة صفاقسالجديدة مع رغبة مكونات المجتمع المدني في توفير مزيد من مآوي السيارات لمجابهة العدد المتزيد للسيارات بالمدينة بالتزامن مع إحداث المشروع الجديد على المقسم 23 أ وذلك بعزمها على إنجاز مأوى للسيارات في هذه الساحة الكبرى لباب الجبلي بطاقة إيواء ب 500 مكان تقريبا وإذا تداولت على المكان الواحد سيارتان فإن الرقم يرتفع إلى ألف سيارة وهكذا دواليك وتقدر تكلفة المشروع بما لا يقل عن 7 مليارات من المليمات ووافقت البلدية على هذا المشروع بمناسبة الدورة العادية للمجلس البلدي في اواخر سنة 2010.
هي إذن مساحة واسعة بحوالي 2 هكتار ويمكن توسعتها بتنفيذ مخطط التهيئة لصفاقسالجديدة لعام 1983 الذي ينص على تفكيك «سوق الخضرة» بباب الجبلي والإبقاء على سوق قريعة لإبراز باب بوشويشة وهو الباب الأصلي للمدينة العتيقة من ناحية الشمال مقابل باب الديوان من ناحية الجنوب وغني عن الذكر أن للمدينة في الأصل هذين البابين فقط.
ويمكن أن يتحول سوق الخضرة إلى جزء من العقارات في الجهة المقابلة لمنتزه العائلة والطفل بحيث يمكن ان تمتد ساحة باب الجبلي من مدرج برج السمراء إلى مدرج باب الديماسي.
ويمكن ان تتحول فسقية الأغالبة الأثرية إلى نافورة لتعطي رونقا خاصا للمكان إلى جانب نافورات ساحة الحرية ( مفترق طريق قرمدة وتونس وتنيور) وهكذا يمكن التوصل إلى تهيئة ساحة واسعة لم تعرفها المدينة في تاريخها وتبرز المدخل الشمالي للمدينة العتيقة وتؤسس للمستقبل لان هذه الساحة الكبيرة ستكون نواة لفسحة تربط مركز باب بحر بممر سيدي اللخمي للمترجلين عبر المدينة العتيقة.
كما يمكن أن تنجز البلدية في مكان غير بعيد بالجزء المتبقي من عقارات السجن المدني القديم الذي عاد إلى الدولة بعد تجميد أملاك التجمع المنحل مأوى سيارات ذو طوابق بالرافعات الآلية monte- charge وهو واحد من عديد الأماكن التي تتوفر بالمحيط المتاخم لمركز المدينة والتي تعود ملكيتها للدولة بصفة مباشرة أو غير مباشرة والتي يتعين التفكير من الآن في تخصيصها كمآوى للسيارات ذات طوابق وبذاك تنتهي إلى الأبد مشكلة وقوف السيارات بالمدينة.