عاجل : مسيرة للمطالبة بإيجاد حلول نهائية للمهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء    سبيطلة : القبض على مجرمين خطيرين    شبهة فساد بال'ستاغ': الاحتفاظ بمعتمد واطار بنكي بهذه الولاية    قراءة في أعمال ومحامل تشكيلية على هامش معرض «عوالم فنون» بصالون الرواق .. لوحات من ارهاصات الروح وفنطازيا الأنامل الساخنة    الدورة 6 لمهرجان «تريتونيس» بدقاش ..خيمة للإبداع وورشات ومعارض وندوة علمية وكرنفال    «أيام نور الدين شوشان للفنون المسرحية» دورة فنية وأدبية بإمكانيات فردية    فقدان 23 تونسيا شاركو في عملية ''حرقة ''    صفاقس اليوم بيع تذاكر لقاء كأس تونس بين ساقية الداير والبنزرتي    تحذير: عواصف شمسية قوية قد تضرب الأرض قريبا    كرة اليد: الاصابة تحرم النادي الإفريقي من خدمات ركائز الفريق في مواجهة مكارم المهدية    الليلة الترجي الأهلي في رادس...الانتصار أو الانتصار    مدير عام الغابات: إستراتيجيتنا متكاملة للتّوقي من الحرائق    بنزرت .. إجراءات لمزيد تعزيز الحركة التجارية للميناء    قانون الفنان والمهن الفنية ...مشروع على ورق... هل يغيّر وضعية الفنان؟    بلاغ مروري بمناسبة مقابلة الترجي والأهلي    خبير في التربية : ''تدريس الأولياء لأبنائهم خطأ ''    وزارة الصناعة : ضرورة النهوض بالتكنولوجيات المبتكرة لتنويع المزيج الطاقي    المنستير: إحداث أوّل شركة أهليّة محليّة لتنمية الصناعات التقليدية بالجهة في الساحلين    بنزرت: جلسة عمل حول الاستعدادات للامتحانات الوطنية بأوتيك    صفاقس: المناظرة التجريبية لفائدة تلاميذ السنوات السادسة    بنزرت .. مع اقتراب موسم الحصاد ...الفلاّحون يطالبون بفك عزلة المسالك الفلاحية!    سليانة .. انطلاق موسم جني حب الملوك    بسبب الربط العشوائي واستنزاف المائدة المائية .. قفصة تتصدّر خارطة العطش    كأس تونس: النجم الساحلي يفقد خدمات 4 لاعبين في مواجهة الأهلي الصفاقسي    تضم منظمات وجمعيات: نحو تأسيس 'جبهة للدفاع عن الديمقراطية' في تونس    الحماية المدنية: 8 وفيّات و 411 مصاب خلال ال 24 ساعة الفارطة    هذه القنوات التي ستبث مباراة الترجي الرياضي التونسي و الأهلي المصري    ليبيا: إختفاء نائب بالبرلمان.. والسلطات تحقّق    عاجل/ القسّام: أجهزنا على 15 جنديا تحصّنوا في منزل برفح    ''غرفة المخابز: '' المخابز مهددة بالإفلاس و صارت عاجزة عن الإيفاء بإلتزاماتها    نهائي دوري ابطال إفريقيا: التشكيلة المتوقعة للترجي والنادي الاهلي    طقس اليوم: أمطار و الحرارة تصل إلى 41 درجة    والدان يرميان أبنائهما في الشارع!!    ضمّت 7 تونسيين: قائمة ال101 الأكثر تأثيرا في السينما العربية في 2023    جرجيس: العثور على سلاح "كلاشنيكوف" وذخيرة بغابة زياتين    ألمانيا: إجلاء المئات في الجنوب الغربي بسبب الفيضانات (فيديو)    قانون الشيك دون رصيد: رئيس الدولة يتّخذ قرارا هاما    إنقاذ طفل من والدته بعد ان كانت تعتزم تخديره لاستخراج أعضاءه وبيعها!!    5 أعشاب تعمل على تنشيط الدورة الدموية وتجنّب تجلّط الدم    قابس: تراجع عدد الأضاحي خلال هذه السنة مقارنة بالسنة الفارطة (المندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية)    كاس تونس لكرة القدم - نتائج الدفعة الاولى لمباريات الدور ثمن النهائي    مدرب الاهلي المصري: الترجي تطور كثيرا وننتظر مباراة مثيرة في ظل تقارب مستوى الفريقين    الكاف: انطلاق فعاليات الدورة 34 لمهرجان ميو السنوي    منوبة: إصدار بطاقتي إيداع في حق صاحب مجزرة ومساعده من أجل مخالفة التراتيب الصحية    وزير الصحة يؤكد على ضرورة تشجيع اللجوء الى الادوية الجنيسة لتمكين المرضى من النفاذ الى الادوية المبتكرة    نحو 20 بالمائة من المصابين بمرض ارتفاع ضغط الدم يمكنهم العلاج دون الحاجة الى أدوية    تضمّنت 7 تونسيين: قائمة ال101 الأكثر تأثيرًا في صناعة السينما العربية    القدرة الشرائية للمواكن محور لقاء وزير الداخلية برئيس منظمة الدفاع عن المستهلك    معلم تاريخي يتحول إلى وكر للمنحرفين ما القصة ؟    غدا..دخول المتاحف سيكون مجانا..    خطبة الجمعة...الميراث في الإسلام    البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية يدعم انتاج الطاقة الشمسية في تونس    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    التحدي القاتل.. رقاقة بطاطا حارة تقتل مراهقاً أميركياً    منها الشيا والبطيخ.. 5 بذور للتغلب على حرارة الطقس والوزن الزائد    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وزير العدل في حديث خاص ل «الشروق» : المساعي قائمة لجلب صخر الماطري وبلحسن الطرابلسي
نشر في الشروق يوم 20 - 05 - 2012

في حديث خصّ به «الشروق» تحدث السيد نور الدين البحيري وزير العدل عن زيارته الأخيرة لقطر وما رافقها من انتظارات لدى التونسيين حول استلام تونس صهر الرئيس المخلوع الهارب صخر الماطري.

كما تحدّث عن تقدم معالجة الحكومة التونسية لملف الصهر الثاني للرئيس المخلوع بلحسن الطرابلسي الهارب الى كندا..
إضافة الى ذلك وضّح الوزير بعض الغموض العالق بمسألة العدالة الانتقالية وخاصة في ما يتعلق بالمسؤولين والوزراء السابقين الموقوفين اليوم بسجن العوينة.
وتحدّث السيد نورالدين البحيري لأول مرة عن الاجراءات الجديدة للعفو عن المساجين المتقدمين في السن أو المصابين بأمراض عضال.
وفي ما يلي نص الحوار:
لننطلق سيدي الوزير من زيارتكم الأخيرة الى قطر ألم تتعرضوا خلالها الى ملف تسليم صخر الماطري الهارب هناك؟

صهر الرئيس السابق صخر الماطري الموجود الآن في قطر، شأنه شأن غيره من الفارّين من العدالة والمطالبين بإرجاع الأموال المنهوبة وهو خاضع لنفس اجراءات التتبع... وقد صدرت في شأنه البطاقات اللازمة من القضاء التونسي. وبإمضاء اتفاقيات التعاون الجديدة بين تونس وقطر يمكن ان تتيسّر مهمة جلبه الى تونس واسترجاع أمواله التي قد يكون أودعها في أي مكان في العالم.

لكن ذكرتم قبل الزيارة ان قطر غير متعاونة مع تونس في ملفات التعاون القضائي المتعلق ببعض القضايا؟

في البداية لابدّ من التوضيح اني لم أصرّح بعدم تعاون قطر في هذا المجال وكل ما ذكرته هو ان بعض البلدان الشقيقة والصديقة لم تبد الحدّ الأدنى المطلوب من التعاون في هذه القضايا..
وفي زيارتي الى قطر كان محور اللقاءات هو تطوير التعاون القضائي والقانوني بين البلدين في مفهومه الشامل بما فيه تطوير الاتفاقيات الثنائية المتعلقة بتسليم المجرمين وتيسير اجراءاته وتطوير منظومات مقاومة الفساد التي سنعقد في شأنها ندوة بتونس بالتعاون مع قطر.

وماذا عن ملف بلحسن الطرابلسي في كندا؟

بالنسبة لقضية بلحسن الطرابلسي في كندا، وزارة العدل التونسية طرف فاعل فيها بالتنسيق مع البنك المركزي ومع اللجنة الخاصة بمتابعة مثل هذه القضايا. وكل الإنابات العدلية والملفات المتعلقة بهذه القضية أُرسلت إلى وزارة الشؤون الخارجية لتحيلها بدورها على القضاء الكندي وعلى الجهات المسؤولة هناك.
وإن الحكم القضائي الكندي الذي قضى مؤخرا برفض طلب بلحسن الطرابلسي تمكينه من الاقامة الدائمة في كندا انبنى على قراءة القضاء الكندي للأحكام التي صدرت في تونس وللوثائق والحجج التي وجّهت من الدولة التونسية لكندا وتأسّس أيضا على قناعة من القضاء الكندي بأن القضاء التونسسي مستقل وبأنه لا خشية على بلحسن من تسلط القضاء التونسي أو السلطة السياسية عليه ومن حرمانه من حقه في الدفاع المشروع.. وبالتالي فإن هذا الملف في طريقه إلى الحلّ.

هناك اتهامات للقضاء التونسي ولوزارة العدل بتجاوز القانون في مواصلة ايقاف وزراء ومسؤولين سابقين بسجن العوينة رغم انتهاء المدة القانونية لإيقافهم، ما ردّكم؟
بالنسبة للمسؤولين السابقين الموقوفين في سجن العوينة، سمعنا كلاما كثيرا حول نهاية المدّة القانونية لإيقافهم، لكن أؤكد أن الأمر هو من مشمولات القضاء ووزارة العدل اختارت عدم التدخل في شؤون القضاء سواء في هذه القضية أو في غيرها من القضايا، لا في اتجاه تشديد العقاب ولا في اتجاه تخفيفه، وتركت للقضاء القيام بواجبه طبق القوانين الجاري بها العمل.. فإدخال الناس للسجن أو إخراجهم منه هو من مشمولات القاضي لا غير.

وبالنسبة لاستيفاء «موقوفي العوينة» المدة القانونية لإيقافهم، أعلمني القضاء أنه ليس هناك أي موقوف استوفى مدة الايقاف وتواصل مع ذلك بقاؤهم في السجن. فهذا عمل غير قانوني لا نسمح به ولا يرتضيه القضاة أيضا وهو جريمة، وما حصل هو سوء فهم من بعض الموقوفين ومن عائلاتهم لأحكام القانون التونسي والذي يجعل آجال الايقاف مفتوحة إذا ما أحيل ملف القضية إلى دائرة الاتهام واستوفى اجراءات محددة أمام السادة قضاة التحقيق.
وقد يكون هذا القانون مجحفا في حق المظنون فيهم والمشتبه بهم لكن عددا من هؤلاء الموقوفين الآن أو الذين هم محل مساءلة وتتبع (وزراء ومسؤولين سابقين) هم من ساهموا في عهد الظلم والاستبداد في صياغة هذا القانون صلب مجلة الاجراءات الجزائية. وفي إطار سعينا لتطوير المنظومة القانونية في الفترة القادمة قد ننظر في تنقيح مثل هذه القوانين التي تنظم الإيقاف والايقاف التحفظي ونحاول تقييده أكثر بمبدإ احترام الدولة لحقوق الإنسان.. وبالتالي لا وجود الآن لأي موقوف خارج إطار القانون وهذا من مبادئ حكومتنا عكس ما كان عليه الوضع في العهد السابق.

إذن أنتم تنفون هذه «التهمة»؟

طبعا، فالإيقاف التحفظي يقع العمل به مادام الملف في عهدة قاضي التحقيق. فإذا أحيل الملف بقرار من قاضي التحقيق في الأصل لدائرة الاتهام يصبح محكوما بإجراءات وآجال أخرى واللبس الحاصل هو في عدم التفرقة بين ماهو مخول لقضاة التحقيق من حق في تمديد آجال الايقاف التحفظي وما يخرج عن هذا الإطار بعد احالة الملف والبت في الأصل لدائرة الاتهام... وأؤكد أنه لا وجود اليوم لأي موقوف تجاوز مدة الإيقاف القانوني.

سمعنا كلاما كثيرا حول العفو عن المساجين وعن شروط جديدة سيقع على أساسها منح العفو أو السراح؟

المسألة تتطلب بعض التحويرات صلب مجلة الإجراءات الجزائية لكن عمليا وبإتفاق مع رئيس الجمهورية الذي له سلطة اصدار العفو شرعنا في تمكين البعض من العفو على أسس جديدة أهمها بلوع السجين سن 65 عاما لكن الإجراء لا يهم آليّا كل من يجاوز سن 65 بل يقع تطبيقه حالة بحالة حسب طبيعة الجريمة وحسب المدة التي قضاها السجين في السجن ...كما لا ينطبق أيضا إلا على من صدرت في شأنهم أحكام نهائية وباتة وغير قابلة للطعن بأي وجه من الوجوه أما الذين هم محل بحث ومتابعة قضائية (في أي طور قضائي) أو الذين صدرت ضدهم أحكام غيابية فلا يشملهم هذا العفو كما لا يشمل أيضا السجين الذي يتضح للخبراء أنه قادر على مزيد إرتكاب الجرائم رغم تجاوزه سن ال 65 وهذا ليس تنكيلا بهم بل حماية للأمن العام في البلاد.

وماذا عن المساجين المصابين بأمراض عضال هل صحيح أنهم سيتمعتون بالعفو آليا؟

فعلا لقد إتخذنا اجراء هاما ثانيا وهو تمكين كل مصاب بمرض عضال من العفو (وهذا بمقتضى قانون) ولن نجد بالتالي في سجوننا من هنا فصاعدا من هو مصاب بالسرطان مثلا أو بالقصور الكلوي (عفانا وعفاكم الله) وهذا ينسحب على الجميع بقطع النظر عن كل الاعتبارات الأخرى (المدة المقضاة في السجن أو تواصل التتبع) .

لكن من ناحية أخرى كثرت تذمرات المواطنين من مسألة العفو على مساجين قيل أنهم عادوا لإرتكاب الجرائم بعد خروجهم من السجن؟

أولا لا بد من التأكيد على أن العفو والسراح محكومان بالقانون وإبقاء شخص في السجن رغم أن القانون يجيز له التمتع بالعفو أو بالسراح هو جريمة (جريمة الحجز غير القانوني)..

وبالنسبة لظاهرة العود (عودة المجرم لإرتكاب جريمة بعد عقابه) أقول أن النظام السابق كان يبقي على المجرمين لفترات طويلة في السجون ولا يمتعهم بالعفو، لكن رغم ذلك لم تتراجع ظاهرة الجريمة الناتجة عن العود، حيث مهما كانت المدة التي يقضيها المجرمون في السجن، فإن بعضهم يعود إلى ارتكاب الجريمة حال خروجه... وبالتالي فإنّ هذه الظاهرة ليست جديدة عنا. لكن كل ما في الأمر هو أن النظام السابق كان يمارس التعتيم حول ارتفاع نسب الجرائم وظروف ارتكابها وطبيعة مرتكبيها (عائدون أم لأول مرة).

أما اليوم وبفضل الحرية المتاحة للاعلام فقد أصبحت أخبار الجرائم متواترة لدى الجميع الى درجة أن بدت مسألة العود بالنسبة للبعض وكأنها ظاهرة جديدة ونسبتها مرتفعة وتسبّبت فيها قرارات العفو عن المساجين... فهذا غير صحيح ذلك أ ن من تمّ الافراج عنهم في اطار العفو أو السراح في ظل حكومتي محمد الغنوشي والباجي قائد السبسي أو في ظل الحكومة الحالية بلغ عددهم حوالي 14 ألفا. في حين أن عدد الذين عاد منهم الى السجن اليوم لا يتجاوز 400 فقط (نسبة ضئيلة جدا)... وهذا يعتبر أمرا ايجابيا للغاية في ظل حالة الانفلات الأمني الذي نعيشه اليوم.

فنسبة من يعودون لارتكاب الجرائم بعد خروجهم من السجن كانت في عهد النظام السابق تتجاوز أحيانا 60٪ لكن لا يقع الافصاح عنها. وبالتالي فإنه لا يوجد أي داع لتهويل الأمور بالنسبة لارتكاب المتمتعين بالعفو حاليا جرائم بعد خروجهم من السجن.

لو نتحدث قليلا عن ملف العدالة الانتقالية، هل من توضيح لخصائصها مقارنة بالعدالة العادية؟

العدالة الانتقالية هي اجراء استثنائي يقع اتخاذه لمعالجة حالة طارئة تعيشها أية دولة وهي حالة عامة وليست خاصة، تفرضها تطورات الأوضاع في الدولة (مثلا بعد انتفاضة أو ثورة أو تغيير تترتب عنه أضرار ونزاعات وصدامات كبرى).

وهذا ما حصل في عدّة بلدان وحصل كذلك في تونس بمناسبة الثورة ومن الطبيعي معالجة مثل هذه المسائل ذات الطابع العام بأحكام خاصة. فأحكام القضاء العادي (العدالة العادية)، وحدها لا يمكن أن تصلح تلك الحالة العامة لأنها تُعنى فقط باعادة الحقوق إلى أشخاص (أفراد) وبمعاقبة الأشخاص المجرمين أو بتعويض الأضرار الحاصلة للأشخاص. لكن ما حصل واستقر في قلوب الناس من شعور بالظلم وبالقهر وبالحقد تجاه أطراف أخرى.

وهذا يتجاوز مهام القضاء العدلي المختص في معالجة أحداث فردية محدّدة في الزمان والمكان وفي الأطراف المعنيين بها... وليس من دوره معالجة الظواهر الطارئة التي تحدث في الدول.

ماذا عن أحكام العدالة الانتقالية، هل هي أكثر تشدّدا من أحكام العدالة العادية؟

المسألة ليست مسألة تشدّد، بل هي مسألة اختلاف في الاجراءات. فالعدالة العادية تحتوي أولا المساءلة بناء على ارتكاب جرم، وطبق أحكام القانون الجاري به العمل، طبقا لقاعدة «لا جريمة دون نص قانوني سابق الوضع».

أما بالنسبة للعدالة الانتقالية فهي خيار يختاره الشعب بمؤسساته السياسية والسيادية وبمكونات المجتمع المدني وبمؤسساته الاعلامية وبكل أطراف النزاع (ظالم أومظلوم). وهذه عملية جماعية تهدف إلى مصارحة الجميع بعضهم البعض ولمساءلتهم ولاقرار مسؤولية الدولة عن التعويض للضحايا. وهنا عين الاختلاف. ففي العدالة العادية يتحمل المسؤولية في التعويض أشخاص (طبيعيون أو معنويون) بينما في العدالة الانتقالية تتحمل الدولة مسؤولية التعويض وهي صورة حلول الدولة محلّ منظوريها الذين ارتكبوا التجاوزات (أمن قضاء اعلام إداريون مسؤولون سياسيون وغيرهم)، وهنا يكون هناك إقرار من الدولة بتحمل هذه المسؤولية وسعي منها لإيجاد صيغة ترد الاعتبار للضحايا وتعوّض لهم وفق ما وقع الاتفاق عليه (تعويض معنوي ومادي). كذلك هناك فارق آخر: في العدالة العادية القاضي يطبق القانون ويعاقب كل من خالفه، وفي العدالة الانتقالية، بعد المساءلة وردّ الاعتبار والتعويض يقع الانتهاء الى مصالحة شاملة يغلق من خلالها ذلك الملف نهائيا وبصفة باتّة، عكس أحكام القضاء العدلي التي تكون قابلة للطعن بالاستئناف والتعقيب.

نعرف أنه في العدالة العادية يجلس القضاء العادي، إذن بالنسبة الى العدالة الانتقالية من سيجلس ويحكم؟

بالنسبة الى العدالة الانتقالية، الذي سيحلّ محلّ القضاة هم رجال الثقافة والعلم ومكونات المجتمع المدني والاعلاميون والقضاة (ليس بصفتهم التي يكونون عليها في المحكمة) ومحامون وغيرهم من الشخصيات التي تحظى بالثقة والاستقلالية.. وهذا ما تمّ العمل به في التجارب التي سبقتنا في مجال العدالة الانتقالية.

هل تحكم العدالة الانتقالية بالسجن مثلا؟

لا، السجن ليس من ودور العدالة الانتقالية بل كما سبق أن قلت دورها هو البحث والتقصي والانتهاء الى تقييم شامل وموضوعي ودقيق لما حصل ثم تحديد مسؤوليات المشتبه بهم بارتكاب تجاوزات ثم التثبت من المتضرّرين وتقدير درجة الضرر المادي والمعنوي ثم تقديم اقتراحات للسلط السياسية لمعالجة هذه المشاكل وللانتهاء الى المصالحة التي تجعل الجميع يطمئن (المتضرّر ومرتكب التجاوزات) وتزول عنهم الهواجس والمخاوف والأحاسيس، وهذا هو العنصر الأهم في العدالة الانتقالية، الذي سيخلق مزيدا من الاطمئنان في المجتمع وهو ما يمكن الدولة والشعب من الانطلاق نحو المستقبل وطيّ صفحة الماضي وأخذ العبرة منه حتى لا يتكرّر مجددا، والعدالة الانتقالية ضرورية على هذا النحو لأن عدم إقامتها يعطل أحيانا دواليب الدولة بدعوى عدم وجود محاسبة لمن ارتكب في السابق التجاوزات.

بأكثر وضوح، سيدي الوزير، من سيخضع بالضبط للعدالة الانتقالية؟

كل من هو خاضع اليوم لمساءلة جزائية في إطار العدالة العادية سيبقى خاضعا الى ذلك الى حين البتّ في قضيته أمام القضاء العادي وفق القانون، لكن للجان العدالة الانتقالية في ما بعد أن تقرّر من سيخضع لأحكام العدالة الانتقالية وذلك بعد حوار عميق وفي اطار احترام القوانين النافذة في البلاد، إذ ليس للجان العدالة أن تحل محل القضاء في فصل الخصومات طبق القانون وليس وفقا للاعتبارات السياسية وهو ما يقوم به قضاؤنا اليوم.

اذن اذا كان الأمر كذلك، اي اذا كان المسؤولون الموقوفون اليوم (مثل الموقوفين في سجن العوينة) سيخضعون للقضاء العادي وسينالون العقاب اللازم، ما فائدة العدالة الانتقالية بالنسبة اليهم؟

اللجان التي سيقع تكوينها خصيصا لملف العدالة الانتقالية هي التي ستحدد قائمة التجاوزات التي ستشملها اجراءات العدالة الانتقالية. وقد ينتفع هؤلاء الموقوفون من العدالة الانتقالية في جانب هام من التجاوزات التي ارتكبوها في حين قد يتسلط عليهم العقاب اللازم عن تجاوزات أخرى في اطار العدالة العادية مثلا هناك حديث نسمعه اليوم لدى مكونات المجتمع المدني وهو ان كل من ارتكب جرائم تتعلق بالذات البشرية (قتل تعذيب) لا يمكن ان تشمله العدالة الانتقالية... فهذا خطأ لأن ذلك سيحدده الحوار والنقاش الذي سيقع اطلاقه قريبا حول العدالة الانتقالية وستحدده خيارات الهيئة العليا التي سيقع تكليفها بملف العدالة الانتقالية فمثلا في تجارب البلدان الاخرى شملت العدالة الانتقالية الجميع (المتهمين بالقتل والتعذيب وبالتصفية العرقية وبالتجاوزات المالية والادارية) على غرار ما حصل مثلا في جنوب افريقيا.

ولهذا السبب سيواصل القضاء العادي النظر في القضايا المعنية بشكل عادي الى حين الانطلاق الفعلي في تطبيق مقتضيات العدالة الانتقالية التي سيقع التوصل اليها وسيواصل عمله بالتوازي معها ايضا.

وسنستأنس حتما بكل التجارب السابقة في العدالة الانتقالية (أوروبا الشرقية جنوب افريقيا المغرب بعض دول أمريكا اللاتينية) وذلك دون المس من خصوصيات واقعنا وثورتنا وثقافتنا وعقليتنا.

ألا تخشون بوصفكم وزير العدل من صدور أحكام ظالمة عن طريق القضاء العادي في حق المتهمين الموقوفين اليوم لا لشيء الا لأنهم من مسؤولي النظام السابق او لانتمائهم لإحدى العائلات؟

الثابت هو ان كل المحاكمات بلا استثناء لن تكون مشخصة ولن تأخذ بعين الاعتبار سوى بالأمور الموضوعية... نحن لم نأت للحكم لمحاسبة الناس على انتمائهم لنظام أو لحزب او لعائلة ولم نأت لانتزاع أملاك الناس وأموالهم ظلما وعدوانا على غرار ما حصل مثلا سنة 1957 و1958 مع عائلة البايات او ما حصل سنة 1987 و1988 مع المنتمين لعائلة ولنظام بورقيبة. دورنا سيتمحور حول الحق ولا شيء غيره، وهذا بالنسبة للعدالة العادية والعدالة الانتقالية، ولنا كل الآليات القانونية والبشرية والمادية لتحقيق ذلك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.