منذ انهيار الاتحاد السوفياتي ودخول روسيا الاتحادية في النمط الليبرالي أصبحت السوق الروسية محور أهتمام وكالات الأسفار التونسية التي تبحث عن موطأ قدم هناك. العلاقات بين تونسوروسيا بدأت مطلع القرن العشرين عندما لجأ ألاف الروس الهاربين من تداعيات الثورة البلشفية الى تونس وقبل هذه الهجرة الجماعية تشهد مراسلات العائلة الحسينية مع القياصرة على مودة كبيرة.
العلاقات التونسية الروسية من الناحية السياسية علاقات ممتازة منذ الاستقلال وإن أردنا العودة قليلا الى الوراء سنجدها علاقات ضاربة في التاريخ في القرن التاسع عشر أكتشفنا أنه كان هناك تبادل للرسائل بين القياصرة الروس والبايات وقد عرضنا بعض النماذج لهذه المراسلات في المعرض الذي نظمناه في الأسبوع الثقافي كما كان فيه تبادل للهدايا والأوسمة وهذا دليل على عراقة هذه العلاقات تاريخيا .
لكن بالنسبة للفترة المعاصرة منذ الأستقلال كان هناك تعاون في مجالات عديدة مثل المياه والسدود كانت لنا مشاريع ممولة من روسيا مثل المدرسة القومية للمهندسين التي بناها الروس ووفروا لها كل الإمكانيات وحتى تسييرها في البداية كان من طرف الروس .
إذن العلاقات كانت ممتازة لكن ليست في مستوى ما يجب أن يكون ،هناك عدّة وجوه لم يتم أستغلاها في مستوى هذه العلاقات وهناك مجالات لم يقع الأهتمام بها كما يجب من ناحية الشراكة الأقتصادية وهذا ما نطمح الى تداركه الأن بإقامة شراكة أقتصادية لأن المناخ أصبح ملائما للأستثمار في مشاريع مشتركة مع الروس الذين يبحثون عن موطن قدم في المنطقة للنفاذ الى الأسواق الافريقية من خلال تونس والأسواق العربية أيضا وهم يبحثون عن شريك تكون له مصداقية تونس والأن نحن نعمل على جلب الأستثمارات الروسية في إطار الشراكة للأنتاج في تونس .
في الستة أشهر الأخيرة زار تونس عدد من المستثمرين الروس وهم بصدد دراسة إمكانية وضع مشاريع أستثمارية ليس للسوق التونسية ولكن خاصة للأسواق الأفريقية. هذه أفاق العلاقات الثنائية وهي أفاق واعدة نسعى أن تكون مركزة خاصة على الجانب الأقتصادي. ثم لا ننسى الجانب السياحي ،نحن اليوم لنا 200 ألف سائح يزورون تونس يعني المرتبة الرابعة تقريبا ونطمح الى جعلها من أهم الأسواق في مجال السياحة ونطمح الى تحقيق 250 ألف سائح خلال السنة الحالية وهذا ليس رقما صعب التحقيق لأن هناك أهتماما بتونس كوجهة سياحية والروس أصبحوا يعرفون أكثر فأكثر تونس والروس أصبحوا يختارونها من بين الوجهات السياحية الأولى وربما الحملات التي قامت بها تونس في السنوات الأخيرة كان لها دور فيها يضاف الى ذلك الأسبوع الثقافي الذي نظمناه حقق نجاحا كبيرا وساهم الى حد كبير في التعريف بالثقافة والحضارة في عديد المجالات الموسيقى والفنون المختلفة النحت والسينما ولابد من التكثيف من التظاهرات الثقافية لأنه من شأنها أن تشجّع الروس على التوجّه الى تونس.الروس شعب مثقّف جدّا وأكبر عدد من المسارح والأوبيرات في العالم موجودة في روسيا وخاصة في مدينتي موسكو وسانت بطرسبورغ التي تضم لوحدها على 250 متحف بما فيهم متحف الأرميتاج وهو أكبر متحف في العالم .
المدخل الثقافي الى روسيا مدخل هام جدا حتى نعرف الروس بتراثنا وحضارتنا وهذا من شأنه أن يشجّع السّائح الروسي على أختيار تونس كوجهة سياحية لأن السائح الروسي يحب الثقافة والفنون وفي تونس لنا أثار ونحن ورثة قرطاج وهذا بارز في المتاحف مثل متحف باردو الذي يضم مجموعة هامة جدا من الفسيفساء ولابد من العمل على تسويقه لأنه من شأنه أن يجلب أهتمام السياح لأكتشاف قرطاج وتاريخ تونس من خلال الفسيفساء وكنت حضرت المحادثات بين السيد مهدي مبروك وزير الثقافة مع السيد وزير الثقافة الروسي ومع محافظ متحف سانت بطرسبورغ ولنا إتفاقيات في مجالات تهيئة المتاحف وصيانتها وصيانة الأثار بالتعاون مع الخبرات الروسية وهي تتقدم على البلدان الأوروبية في هذا المجال.
إذن كما ترى أفاق التعاون مع روسيا واعدة جدا لابد أن نستغل القواسم المشتركة بيننا ونستغل أيضا معطى أخر وهو إقامة الروس في مدينة بنزرت عندما لجأ الروس الى تونس وعددهم أكثر من 6 ألاف روسي ينتمون الى البحرية الأمبراطورية الروسية هربوا من الحرب بين الجيش الأحمر والجيش الأبيض وأندمجوا مع السكّان المحليين بثقافتهم وتراثهم وهذا ساهم في التلاقح الثقافي والحضاري الذي يميز مدينة بنزرت ومن ثمة تونس لأن الكثير من هؤلاء الروس توزّعوا على عديد المدن التونسية مساهمين في إثراء المشهد الثقافي والحضاري التونسي.
هناك السيد نستالجيا رمنسكي وهي عميدة الروس في تونس ظلّت مقيمة في بنزرت الى أن توفيت وهي رمز من رموز هذه العلاقة التاريخية الكبيرة ونحن أعددنا برامج عديدة بمناسبة هذه المائوية مع الروس برامج ثقافية ورياضية وأجتماعية من بينها سباق للزوارق الشراعية من موانئ إيطاليا حتى مدينة بنزرت وهناك بعثات من مدينة سانت بطرسبورغ لأن جل من وصلوا الى بنزرت من البحّارة ينتمون الى هذه المدينة ولنا مشروع توأمة بين سانت بطرسبورغ ومدينة بنزرت .نريد أن نوظّف هذه العلاقات التاريخية والأنسانية لتمتين العلاقات بين البلدين في جميع المجالات.
الجالية التونسية في معظمها من الطلبة الذين يدرسون في الجامعات الروسية وعددهم حوالي 700 طالب في كل روسيا وحوالي 500 طالب في أوكرانيا وجلّهم يدرسون الطب والصيدلة وأوضاعهم طيّبة جدا لا توجد مشاكل وهم ناجحون في دراستهم ولا توجد مشاكل مع السّلطات الروسية وشخصيا أزورهم من حين الى أخر وأحاول ان أتابع دائما مشاغلهم ومساعدتهم على إتمام دراستهم في أحسن الظروف .