قررّت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم أن يكون التراث اللامادي موضوعا للدورة الثانية للجائزة العربية الكبرى للتراث 2013 وذلك بعد أن تمّ توزيع جائزة 2012. الدكتورة حياة قطاط القرمازي من أبرز الباحثين التونسيين في مجال التراث اللامادي أستاذة باحثة في المعهد الوطني للتراث ومديرة إدارة التراث في المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم التي أحدثت قبل سنة. «الشروق» التقتها وحاورتها حول هذه الإدارة الجديدة والجائزة الكبرى للتراث.
ماهي مهمّة إدارة التراث وماهي طبيعة تدخّلاتها ؟
إدارة التراث إحداث جديد يؤكّد توجّه المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم لإعطاء التراث المكانة التي يستحقّها في مجموع البرامج والمشاريع المكلّفة بإنجازها المنظمة .في الحقيقة هذه الإدارة عمرها لا يتجاوز 14 شهرا وهي مكلّفة بتأطير البرامج وتنفيذها في مجال حماية التراث بشقيّه المادي وغير المادي في مختلف الاختصاصات من الحماية الوقائية الى ترميم المجموعات الى توثيق التراث واستعمال الوسائل التقنية الحديثة في توثيقه كالرقمنة حتى يكون تراثنا العربي محفوظا في قواعد خاصة يأويها موقع المنظمة العربية وهو مشروع تمّ الشروع فيه في إطار دائرة الثقافة التي كانت مكلّفة بالتراث الى جانب كل المشروعات الثقافية الأخرى ممّا جعل مجال التراث مهضوم الحق.
نشر التراث بالوسائل التقنية الجديدة المتاحة وأوّل شيء قامت به الإدارة الجديدة هو تقديم مشروع حول زيارات افتراضية للمدن العربية وكانت البداية مع مدينة تونس كمشروع نموذجي وبطبيعة الحال الدول العربية استحسنت هذا المشروع لأنه تم استعمال التقنيات الحديثة «الزيارة الافتراضية» التي يتوقف فيها الزائر عند بعض الجزئيات والمعالم والنقوش الموجودة في هذه المعالم وكأنه يجوبها ويجوب الأزقة والأنهج الموجودة في المدينة.
نحن اخترنا مدينة تونس لأسباب عملية لأنها الاقرب وكان من السّهل أن نبدأ بتونس ونجحت التجربة وإن شاء الله سنتفق مع الدول العربية على إنجاز مدينتين كل عام وسيكتمل البرنامج وسيكون هناك مرصد هام لمدننا العربية الجميلة وهذا يدخل في مجال توثيق التراث.
ثمّ والى جانب التعريف بالتراث لا ننسى أن هناك عرب لا يعرفون تراثهم، التراث العربي يمتاز بتراكم الحضارات فكل الحضارات الكبرى تقريبا مرّت بالمنطقة العربية منذ عصور ما قبل التاريخ الى الحضارة الرومانية والفينيقية والعثمانية ومن الأكيد أن الناشئة غير ملمين بهذا التراث الذي نعمل على توثيقه وتقديمه لهم عبر الوسائل التقنية الحديثة.
معالم كثيرة عرضّت الى التخريب والسرقة، ماذا فعلتم من أجل حماية هذه المعالم وأسترجاع ما نهب؟
نحن نعمل مع الدول التي حدثت فيها هذه الأضرار ونحن رصدنا هذه المخاطر التي تستهدف المعالم والمنظمة لا تستطيع أن تتدخّل مباشرة على الميدان لأنها منظمة أقليمية وتحترم خصوصيات الدول ولكن عندما يطلب منّا التدخّل نتدخّل خاصة أنّه تجمعنا بمنظمة اليونسكو إتفاقيات وأهمّ مجال نتدخّل فيه هو مجال الخبرة فالمنظمة هي «بيت خبرة» إن صحّ التعبير ولم نترددّ أبدا في تعيين خبراء أو إرسال خبراء الى أي مكان .
نحن لا نريد أن نجعل من التراث شيئا جامدا أو محنّطا نحن نريد تطويع التراث وإدماجه في مسيرة التنمية الاقتصادية وهمّنا الوحيد هو المساهمة في دعم مشاريع من شأنها أن توفّر العمل لخريجي معاهد الفنون المتخصصّة في مجالات التراث ونحاول أن نمنح حيوية لمدننا التاريخية ونحاول بعث برامج للتدريب مع منظمة «إيكروم» في إمارة الشارقة وهي متخصّصة في التدريب على حفظ التراث وترميمه وإدارة المواقع التراثية ونحن ننظّم معهم في كل عام دورات تدريبية خاصة في مجال السياحة الثقافية والفنانين المتخصصين في الإبداع الفني المستلهم من التراث.
الكثير من الصناعات التقليدية مهددّة بالتلاشي والموسيقى الشعبية في مناطق كثيرة مهدّدة بالأندثار ...ماهو مشروعكم في هذا الإتّجاه؟
خصصّنا جلسة كاملة حول التراث اللامادي في الدّوحة مؤخرا لتشجيع البحث والأبتكار وسيكون عنوان الدورة الثانية للجائزة العربية الكبرى هو التراث اللامادي لتشجيع الباحثين على البحث في هذا المجال الذي يعتبر مهمّشا.
العمل أمامنا مكثّف في هذا المجال ،فهو تراث حي مهددّ بالموت فهناك صنائع وحرف تتوارث جيلا عن جيل وهذه الحرف مهدّدة بالتلاشي رغم أنّها مليئة بالرموز فلو نظرنا الى الزركشة لظهرت لنا كأشكال مبهمة لكنّها تحمل معتقدات قديمة في الذاكرة الجماعية وهي تبرز دائما في المناسبات كالزواج والموت ونلاحظ أن نفس العادات والتقاليد يجري توارثها دون فهم معناها ونحن نعيش خطر العولمة والنمطية على الأقل نحافظ على تراثنا بتوثيقه وحمايته.