ظهور الرئيس المؤقت الليلة قبل البارحة خلف الكثير من أسئلة الحيرة بشأن عديد المسائل التي تناولها والمواقف التي عبر عنها... غير أن موقفه من محافظ البنك المركزي السيد مصطفى كمال النابلي حين أعلن «اعتزامهم» (أي الترويكا) ازاحته وخاصة الطريقة التي عبر بها عن موقفه والتي فيها الكثير من القسوة هو الذي استفز جل المشاهدين وفجر العديد من الأسئلة الحارقة: لماذا تكلم الرئيس المؤقت بذلك الشكل الذي يلامس الاحتقار والازدراء عن مسؤول توج مؤخرا أفضل محافظ بنك على المستوى الافريقي ويشهد له كل العالم بالكفاءة والخبرة؟ حتى وان استوجبت المرحلة واستحقاقاتها تغييره بمحافظ آخر ألم يكن من الاجدر معالجة المسألة بهدوء ورصانة بعيدا عن تلك الانفعالات التي صدم بها رئيس الدولة المؤقت شعبه؟
تحدث الرئيس المؤقت عن مراجعة السياسات النقدية ونحن نهمس له: هل ان تغيير هذه السياسات يتم هكذا بصفة عشوائية أو مزاجية؟ هل سبقه حوار وطني واستشارة للكفاءات الوطنية؟ وهل نملك سياسات واضحة في باقي المجالات لنحرص على أن تكون لنا سياسة نقدية ونحن في منتصف مرحلة انتقالية دخلت عدها التنازلي؟
وختاما ألم يكن من الاجدر كتم تلك الانفعالات الى حين عرض المسألة على المجلس التأسيسي صاحب القول الفصل في المسألة وذلك حفاظا على «المظاهر» على الأقل؟ هذه التساؤلات القت بظلالها على اجندة محافظ البنك المركزي السيد مصطفى كمال النابلي الذي تفاعل معها بقوله:
ان تعيين محافظ البنك المركزى أو اقالته يتم باقتراح من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وتتم المصادقة عليه من قبل المجلس الوطني التأسيسي وذلك في اطار ما أكده القانون المتعلق بالتنظيم المؤقت للسلط العمومية وأضاف في رده على تصريحات رئيس الجمهورية الموقت المنصف المرزوقي التى أعرب فيها عن نيته اقالة محافظ البنك المركزي وتعويضه بمحافظ جديد أن الرئيس الموقت تجاوز صلوحيات المجلس الوطني التأسيسي الذي له وحده سلطة الموافقة على الاقالة او رفضها وبين في ندوة صحفية عقدها أمس الجمعة بالحمامات على هامش المؤتمر السنوي لجمعية الاقتصاديين التونسيين أن ما قدمه رئيس الجمهورية الموقت من تفسير لهذه الاقالة هو سابقة خطيرة قد تعود بنا الى مرحلة ما قبل الثورة وتمركز القرارات والعودة الى الممارسات الرئاسوية وكان المرزوقي قد صرح في لقاء بث امس الخميس على قناة تلفزية تونسية خاصة أنه ينوي اقالة محافظ البنك المركزي التونسي مصطفى كمال النابلي رغم حصوله على جائزة أحسن محافظ بنك مركزي في افريقيا معللا ذلك بالحاجة الى ارساء سياسة اقتصادية ومصرفية تحت تحكم الشعب وليس تحت تحكم أي طرف آخر وأوضح النابلي ان ما جاء في القانون المنظم للسلط العمومية يرمي الى النأي بالبنك المركزي عن التجاذبات السياسية مبينا أن عمل البنك في قيادة السياسة النقدية وما يقوم به موظفوه لا يأخذ في عين الاعتبار الا المصلحة الوطنية وأي تشويه لهذه المؤسسة هو في الحقيقة مس من كرامة العاملين فيها ونفى محافظ البنك المركزي وجود خلافات جوهرية أو سطحية بين الحكومة والبنك المركزي بل على العكس فإن التعاون متواصل بين الجانبين مضيفا: «إني لم أحظ بلقاء رئيس الجمهورية منذ توليه الرئاسة رغم الطلبات المتكررة التي عبرت عنها» وقال أنا شخصيا لست في وضع طلب للسلطة وقد قبلت القدوم على رأس هذه المؤسسة العتيدة خدمة لمصلحة تونس واقتصادها ولاحظ أن تصريحات رئيس الجمهورية الموقت لا تمسه شخصيا بقدر ما تمس مؤسسة عتيدة ك«البنك المركزي» التي يجب ان تواصل الاضطلاع بدورها بعيدا عن مختلف الضغوطات وبين أن للمجلس التأسيسي أن يقوم بمساءلة محافظ البنك المركزي معربا عن ارتياحه لجلسة الاستماع التي ستعقدها لجنة التخطيط والمالية والتنمية يوم 19 جوان الجاري والتي ستخصص لتقييم السياسة النقدية والمصرفية للبنك والترقيم السيادي لتونس.