وقد فسّر ابن خلدون في «المقدّمة» انتشار المذهب المالكي بافريقية دون غيره بأسباب عديدة منها أن المدينة كانت منتهى سفر الافارقة والمغاربة في الحج، ولم يكن العراق في طريقهم فاقتصر العلماء على الأخذ من مالك وعلماء المدينة. ومن الأسباب التي يذكرها ابن خلدون سبب اجتماعي وهو أن البداوة كانت غالبة على أهل المغرب والاندلس فكانوا أميل الى أهل الحجاز بمناسبة البداوة ويقول ابن خلدون «لهذا لم يزل المذهب المالكي غضا عندهم ولم يأخذه تنقيح الحضارة وتهذيبها كما وقع في غيره من المذاهب».
وفي الحقيقة إن انتشار المذهب المالكي بافريقية والمغرب انتشارا واسعا يرجع الى شخصية سحنون وكتابه «المدوّنة» الذي رجع به الى القيروان، وانكب الناس على قراءته ودراسته، وأصبح الكتاب الرسمي في الفقه المالكي، وهو الكتاب الذي حفظ لنا الى اليوم فقه مالك موسّعا ومعمّقا وملما بالقضايا القديمة والجديدة، وكتاب المدوّنة ينشر اليوم في المشرق في اجزاء عديدة وطبعات كثيرة.
وكان علماء افريقية يمجّدون مالكا ويقومون له بالدعاية وحتى تقديسه، وذلك لصدقه وتواضعه وورعه، وألف القاضي عياض كتابا «ترتيب المدارك» خصصه لمالك ومذهبه ورجاله ومن أقوالهم في مالك قول عبد ا& بن خاتم:
«ما رأيت بعيني أورع من مالك»
وقول سعيد بن الحداد وهو من أكبر الفقهاء والمتكلمين بافريقية، «كان مالك من الراسخين في الإسلام (...) كان وا& أرسخ في العلم من الجبال الراسيات». ويفسّر حسين مؤنس في مقدّمة كتاب «رياض النفوس» للمالكي، الطبعة الأولى أن الطلبة اقبلوا على مالك يأخذون منه لأنهم «وجدوا فيه ضالّتهم التي كانوا يبحثون عنها، فهو يدرّس في مدينة الرسول، وهو في عرفهم أقرب الى روح الاسلام ممّن يدرس في الكوفة والبصرة ودمشق، وهو يلتزم الكتاب وصحيح الحديث، وهو ذكي، دقيق الفهم، يستخدم ذكاءه وفهمه في القياس الصحيح الواضح، وهو دقيق في تفكيره يجري القياس في دقة متناهية، حافظ للقرآن، عالم بدقائقه، مستوعب للحديث كلّه،عارف بالصحيح منه وغير الصحيح» يتبع