... أما لبنانيا فتتعرض الكاتبة إلى أحداث الجنوب اللبناني ومنها مجزرة قانا الشهيرة التي ارتكبها الصهاينة. «عناقيد الغضب» اسم رواية أمريكية شهيرة كتبها (جون شتاينبك) واسم عملية عسكرية إسرائيلية ضد لبنان عام 1996. كانت أهدافها تتلخص في ضرب المقاومة اللبنانية ومحاولة القضاء عليها. أسلوبها الحرب عن بعد، حملة جوية شاملة وقصف من البر والبحر دون توغل بري. قصفت مدن لبنان وقراه خلالها بما لا يقل عن عشرين ألف قذيفة وانتهكت سماءه بأكثر من خمسمائة غارة جوية حصيلتها خمس مجازر، آخرها و أعنفها مجزرة قانا. القوات الإسرائيلية قصفت سيارة إسعاف و مركز وحدة الطوارئ الدولية لتسقط ما يزيد عن المائة من نساء وأطفال قانا. لا تزال ندى تذكر تلك الحادثة التي تركت في نفسها الفتية أعمق الأثر... هي الفتاة اليهودية ذات الستة عشر عاما. أيقنت منذ ذاك الحين أن المقاومة لا تلام على تحرير الجنوب اللبناني.»
ثم تتوقف الكاتبة عند تحرير الجنوب اللبناني: «في صبيحة الواحد و العشرين من مايو سنة 2000، بدأت مسيرة شعبية فريدة من نوعها في مدن و قرى الجنوب. تداعى الأهالي، خصوصاً أبناء القرى المحتلة، من شتى المناطق استعداداً للاجتياح البشري المدعوم من قبل مجموعات المقاومة الإسلامية. بعد التهجير القسري لعشرات الآلاف من المواطنين عن قراهم وبلداتهم الذي دام سنوات طويلة، شقت الجموع طريقها تنشد التحرير.
لم تفلح قوات الاحتلال التي شنت سلسلة من الاعتداءات البرية والجوية والبحرية ولا قوات الطوارئ الدولية، في منع مسيرة العودة للمواطنين. بدا أن السيل البشري أقوى من كل العراقيل... وعند الظهر، كانت مليشيا العملاء قد أخلت عددا لا بأس به من القرى لتلوذ أعداد كبيرة من عناصرها بالفرار، و سلم قسم منها نفسه إلى الأهالي. مسيرة التحرير تواصلت لأيام، تتفرق أحيانا حين تهاجمها نيران العدو و قذائفه، وتوحد صفوفها أحيانا أخرى رافعة رايات التحرير، متحدية المروحيات الصهيونية التي تتابعها عن قرب. سقط عدد من الشهداء من المدنيين، و ظل البقية يتقدمون دون هوادة. يبيتون في العراء أحيانا على تخوم البلدات المحتلة، تأهبا لتحريرها. كان المواطنون ينضمون إلى المقاومة المسلحة عن طيب خاطر. كل الطاقات البشرية المقموعة حشدت لهدف واحد : التحرير.
ولم يكن النصر ليتأخر أكثر من ذلك. ففي مساء اليوم الثاني من المسيرة، بدأ جيش الاحتلال بجمع آلياته و أسلحته الثقيلة من عدد من المواقع. تفرقت صفوفهم و رفض معظمهم التوجه إلى المواقع الأمامية التي شهدت نقصا فادحا في عناصر الحماية. وفي اليوم الثالث، كانت علامات الاحتفال قد ظهرت في ساحات مختلف البلدات إعلانا عن النصر الشعبي المحقق، ليتم إخلاء كل مواقع العدو مع انتصاف اليوم الرابع للتحرير.
وتنقل الكاتبة فرحة التحرير التي سادت آنذاك: «تابعت النسوة البث المباشر الذي نقلته القنوات الفضائية والمحلية بشغف شديد، بل شاهدنه مرات ومرات. فقد كان يحمل في كل مرات موجة من المشاعر التي لا تنضب. ما إن وصل الأهالي إلى بلدة الخيام حتى توجهوا إلى المعتقل بعد فرار حراسه في ساعات الصباح الأولى. اجتاح حوالي خمسمائة شخص المكان في وقت لم يكن فيه الأسرى واعين بما يجري حولهم. حطم الأهالي بوابات الزنازين بما وصلت إليه أيديهم من عصي و قضبان حديدية. و كان اللقاء الكبير... اختلطت الأيدي عبر فتحات الزنازين المغلقة معلنة وصول الفرج، قبل أن تنهار البوابات تماما وتترك شعاع النور يملأ الغرف الضيقة، وهواء الحرية يملأ صدور الأسرى و ينظف رئاتهم من هواء الأسر العفن. وأمام أنظار العالم بأسره، تعالت الأصوات بالتكبير والتهليل، وسالت العبرات أنهارا لتزيد الموقف حرارة. التحمت الأجساد المجهولة في عناق حميم بعد أن تآلفت أرواحها دون تعارف سابق... كان المشهد في غاية التأثير.
احتفلت المدن اللبنانية بدون استثناء بالنصر و تواصلت علامات الفرح لأيام عديدة، خاصة مع بدء عودة الأسرى المحررين إلى قراهم و عائلاتهم. لكن عناصر المقاومة لم تبرح المواقع بعد، فقد كان أمامهم عمل آخر بالتعاون مع الأهالي و السلطات لإعادة الأوضاع إلى نصابها في الأماكن المحررة». ويمكن للباحث في هذه الرواية أن يلمح الكثير من النصوص الأخرى التي تشكلها ومنها النص الديني الإسلامي حيث تمر الراوية بعديد المواقف الإسلامية وتأخذ مرارا بعدا تربويا يكشف عن سماحة الإسلام.
كما نلمس النص المقاوم المنتصر للإسلام والمتفائل بنصره في نهاية المطاف ويبدو أن الكاتبة كانت حريصة بشكل أو بآخر على تقديم صورة ناصعة للإسلام...وهذه مدارات لكلام آخر عن هذه الرواية الهادفة التي تتميز بانتصارها للإسلام وتحاول تقديمه من زاوية تبطل ما يقال عنه وعن المقاومين...