في الكتاب الجديد لدبي الثقافية الصادر صيفايجد القارئ نفسه أمام نصوص بسيطة وحكايات صغيرة لكنها ذات دلالة...هي كتابات ولا خطابات لكنها كفيلة بالتسلل إلى كواليس دقيقة من السياسة العربية ومن دنيا صاحبة الجلالة لا يمكن أن يقدمها إلا صحفي اشتغل من قرب المواكب الرسمية. تلك هي مقالات الصحفي العراقي محسن حسين وهو من صحفيي وكالة الأنباء العراقية الشهيدة حسب قوله وساهم في إصدار صحف عديدة لعقود في العراق قبل الغزو وبعده وقد اختار منذ سنوات المنفى القريب اي الإمارات العربية المتحدة وهو يعاود الكتابة عن مذكراته في العمل الصحفي بعد احتراق مذكراته الأولى في حريق مكتبة عراقية بعد الغزو... تناولت أوراق محسن حسين في هذا الكتاب رحلته في عالم الصحافة بداية من الكتابة باسم أنثى وهو أحلام البدري وصولا إلى تأسيس وكالة أنباء عراقية جديدة بعد الغزو واضطراره لخدمة هذه الوكالة من الخارج ثم تنازله عنها مرورا بتجارب العمل في وكالة الأنباء العراقية وبعض رحلاته السياسية مع القيادات العراقية من عارف حتى صدام ومقابلاته مع شخصيات عربية مثل عبد الناصر واحمد بن بلة وبعض الوقائع السياسية التي كان شاهدا عليها. ولكنه أهمل بالطبع وقائع كثيرة ولم يشف غليل القارئ بهذه الكتابة اللذيذة...
هذه الأوراق تقدم مناخات العمل الصحفي في مواقع رسمية متقدمة بما فيها تجارب مرافقة المسؤولين العرب واصدار البرقيات الإخبارية حيث نجد على سبيل المثال قصصه مع بعض حكايات السبق الصحفي التي حرم منها لأسباب تافهة وكذلك غضب المملكة المغربية بعد إصداره برقية إخبارية عن محاولة انقلابية تزعمها بن فقير وهو الأمر الذي كلفه غضب حسن البكر كما تقدم هذه الأوراق حكايات طريفة مع بعض الزعماء العرب مثل عبدالناصر وبن بلة وصدام حسين كاشفة عن جوانب أخرى من شخصياتهم.
يذكر لقاءه الأول مع عبد الناصر بمناسبة المؤتمر الأول للقمة العربية في 1964وكان ذلك بعد أن اقترح على عبد السلام عارف تقديم هدية للزعيم عبد الناصر بهذه المناسبة وهو ما اسعد ناصر وجعله يسأل عن صاحب الفكرة ثم تولى عبد السلام عارف تقديمه له في اليوم الموالي وتمكن من مصافحته وهو ما كان فرصة للقاءات اخرى معه لم يفصح عنها.
وبتأثر شديد يكتب عن اللقاء الأول بالزعيم احمد بن بلة بعد خروجه من السجن الفرنسي مع عدد من رفاقه مثل حسين ايت احمد ورابح بيطاط ومحمد بوضياف ومحمد خيض اما المناسبة فكانت زيارة وفد الثورة الجزائرية إلى بغداد بدعوة من رئيس الوزراء آنذاك عبد الكريم قاسم لبحث مساعدة العراق للجزائر التي كانت في بداية استقلالها وكان محسن حسين حسب قوله الصحفي الوحيد الذي حضر هذه المقابلة .
ويكتب الصحفي نصين من مذكراته مع صدام حسين حيث يذكر انه وجد حظوة منه رغم انه لم يكن منتميا لحزب البعث ويتعلق النص بمرافقة صدام إلى موسكو حيث فوجئ محسن بعناية خاصة في الغرفة وتبين أن مردها اعتقاد الروس أنه اخ الرئيس نظرا لتشابه اللقب والحال ان الأخ المرافق هو برزان التكريتي.
أما النص الثاني فيتعلق بمسابقة في الصيد فوجئ خلالها بحضور صدام ومهارته في الصيد وقراره بدعم هذا النشاط وإرساله جوائز للفائزين.... ويقدم الكتاب بايجاز ملامح من تاريخ الاعلام العراقي وخصوصا الصحافة المكتوبة ووكالة الأنباء العراقية. والأكيد أن ما ذكر يعتبر جزءا من مسيرة اعلامي ورط نفسه في هذا الكتاب مع القارئ العربي ويجعله ينتظر المزيد من الشهادات والذكريات في أجزاء قادمة.