انطلقت أشغالها في 1 فيفري 2006 لكن مازالت مدينة الثقافة الى حد اليوم جاثمة على قارعة شارع محمد الخامس باسمنتها وغبارها تخفي وراء أسوارها أسرارها وملفات فساد قد يطول البتّ فيها. هذا الصرّح العظيم طالت أشغاله وكثر الحديث حوله وقد جاء في بلاغ صدر عن وزارة الثقافة في شهر فيفري الماضي «أنه نظرا لأهمية مشروع مدينة الثقافة بوصفه مكسبا وطنيا له دور فعّال في النهوض بالثقافة تقرر الإذن باستئناف الاتصالات مع شركة المقاولات والهياكل المعنية لاستكمال الأشغال وتكليف المصالح المختصة بوضع جدول زمني لإنجاز ذلك».
هذا البلاغ صدر بعد الزيارة الميدانية التي أداها وزير الثقافة للمشروع لكن بقيت هذه القرارات معلقة ولم تدخل حيز التنفيذ. وقد عقدت وزارة الثقافة اجتماعا آخر مع شركة المقاولات السكنية ووزارة التجهيز والاسكان لانطلاق المشروع من جديد وذلك في شهر مارس الماضي لكن الاقتراحات والأفكار بقيت رهينة المكاتب.
تعطيلات في العهدين
ويعاني مشروع مدينة الثقافة من التعطيلات منذ العهد السابق وقد انطلقت فكرة المشروع منذ التسعينات وانطلقت عملية انجاز القسط الأقل منذ سنة 2002 وتم الانتهاء منه سنة 2004 وقدّرت كلفته حوالي 6.5 مليون دينار تونسي وفي فيفري 2006 بدأت أشغال الهياكل والبناية وكان من المفروض وحسب وزارة الثقافة انتهاء الأشغال خلال النصف الاول من سنة 2009، لكن مرت 3 سنوات على الآجال المحددة ومازالت مدينة الثقافة مدفونة تحت الآجر والاسمنت والحديد.
وبالرغم أنه قد تم انجاز 75٪ تقريبا من المشروع الا ان الجانب المتبقي والمتمثل في المعدات التقنية ذات الصلة بالسينوغرافيا مازالت تمثل عائقا أمام وزارتي التجهيز والإسكان والثقافة. فلم يجدا من حل جذري يتمان به المدينة التي انتظرها المبدعون طويلا. لكن من الواضح أن ملفات الفساد تحاصر هذا المشروع من كل جانب ولعل المتورطين مازالوا الى حد اليوم يمارسون سلطتهم سواء في وزارة الثقافة أو وزارة التجهيز والاسكان.
وحسب مصدر من وزارة الثقافة فإن هذا المشروع معطل والسبب في ذلك الفساد المالي الذي تورط فيه المسؤولون على المشروع سابقا، مضيفا ان أصهار الرئيس السابق كانت لهم علاقة بذلك مؤكدا ان المشاورات الآن قائمة بين وزارة التجهيز وشركة المقاولات القديمة (التشيكية) لاستكمال المشروع.
تفاوض مع الشركة التشيكية
وكان ملف قضية مدينة الثقافة قد أحيل على السلطات القضائية من لجنة تقصي الحقائق في السنة الفارطة وقد تبيّن ان عديد السرقات والتجاوزات منها المتعلقة بمخزون الفنون التشكيلية وتجاوزات أخرى ممثلة في البناء على غير المواصفات.
كما وجهت النيابة العمومية الاتهام الى كل من الرئيس السابق وأحد مستشاريه على اثر الملف الذي تقدّمت به اللجنة والذي يتضمن إمضاء ومصادقة بن علي على منح الصفقة الدولية الخاصة بالمشروع الى الشركة التشيكية رغم توصية اللجنة العليا للصفقات بأفضلية العرض المقدّم من الشركة الصينية ووضعه في المرتبة الأولى. ورغم الشبهات التي تحوم حول هذه الشركة التشيكية تواصل شركة التجهيز والاسكان التفاوض معها لإتمام المشروع لأسباب مالية.
معلومات مفقودة
ولمعرفة موعد انطلاق المشروع من جديد اتصلنا عديد المرات بوزارة التجهيز والاسكان وبمدير المشروع السيد زهير بن جازية فلم نجد من مجيب عن أسئلتنا وتنقلنا على عين المكان حيث تقبع مدينة الثقافة فلم نجد سوى بعض العمال لا يعرفون حتى ماذا يفعلون. لم يتغيّر في المكان شيء، زرناه سنة 2010 وكانت ملامح المدينة بدأت تبرز لزائريه لكن اليوم وبعد سنتين مازالت على حالها بل ان الغبار والاسمنت غطى ملامحها وشرع في طمس هويتها.
وكنّا قد فتحنا ملف مدينة الثقافة وهذا التباطؤ في نسق انجازها في العهد السابق وفي العهد الحالي وكنا في كل مرة نواجه نفس الصعوبات في الوصول الى المعلومات فقد كانت وزارة الثقافة في كل مرة تحمل المسؤولية لوزارة التجهيز والاسكان في حين تظل هذه الأخيرة صامتة فالمسؤولون عن على هذا المشروع إما في اجازة أو غادروا مكاتبهم.
وتمسح مدينة الثقافة 8.6 هكتارات وسط العاصمة ولا تقل المساحة المغطاة عن 7.8 كتارات ورصدت لها مبالغ مالية قدّرت ب120 مليون دينار تونسي حسب التقديرات الأولية.
وتحتوي المدينة على أوبرا بها 1800 مقعد وأوديتوريوم به 700 مقعد ومسرح تجريبي به 400 مقعد و7 أستوديوهات لإنتاج الموسيقى والمسرح والرقص ومحلات تجارية ذات علاقة بالثقافة وبرج ارتفاعه 60 مترا.