إلى كلّ الذين اعتصموا بحبل أمريكا ولم يتفرّقوا: «عليكم الاستعداد لتعلّم اللغة الصينيّة». هذا زمن «الصّين» بلا منازع.. تهاوت كلّ الإمبراطوريات أوتكاد، والصينيون، بلا هوادة، ودون التفات إلى الوراء، يواصلون زحفهم غير عابئين بالمسافات تقاربت أوتباعدت، ولا بالأمم، من حولهم، تعاظمت أوتصاغرت.. بالأمس القريب، لمّا كانت الدول الاشتراكية تتفكّك، وتتهاوى الواحدة تلوالأخرى، وكان الرئيس الأمريكيّ يعلن نجاح خطّته في سحق المعسكر الاشتراكيّ، كانت الأقلام الصحفيّة الغربيّة، ووسائل الإعلام السمعيّة البصريّة مزهوّة بانتصاراتها تُردّد أن سقوط «الصين» مسألة وقت لا غير، وأنّ حمّى البحث عن الحرّيّة، والفرار من جحيم الشيوعيّة سيكتسحان الشعب الصيّنيّ الذّي سيتحرّك لا محالة لإزالة الظلم..لكن مرّت الأيّام، وتوالت لتزداد الصين مناعة وقوّة. وحتّى محاولات اللحظات الأخيرة لمنع عودة «هونغونغ»، وما رافقها من حملات إعلاميّة ممنهجة، ومنظّمة لعرقلة هذه العودة الطبيعيّة لم تدخل البلبلة المرجوّة في صفوف الصينيين بل على العكس عادت لهم أرضهم التاريخيّة.
الصين أمّة تعمل.. فكر يخطّط، ويستشرف.. وفم صامت... لا وقت لدى هذا الشعب يضيّعه في الإنفاق على مؤسّسات إعلاميّة مأجورة تُصوّر الجحيم نعيما، والاستغلال فرصة للكسب والثراء، وتحقيق أماني تكديس الثروات.. لا وقت عند هؤلاء يضيعونه في معارك سياسيّة جوفاء كالتي تشهدها دول عربية تحوّلت إلى ساحة معارك وصراعات أيديولوجية زادت في تجزئة المجزّأ... حاول أعداؤها الأمريكان، والأوربيون الضغط عليها، والحدّ من خطورتها عبر بوّابة «حقوق الإنسان»... جنّدوا عملاءهم في ساحة «تيان ان مان»..حوّلوا تاريخ ما جرى في هذه الساحة التي انطلق منها غضب الطلبة إلى عيد يتجمعون فيه ليتباكوا على الضحايا الأبرياء، وليرجموا شيطان الشيوعيّة قاهر حقوق الإنسان، وقاتل الأبرياء..لكنّهم فشلوا...مارسوا شتّى أنواع الضغوط لكنّهم لم يفلحوا..الصّينيون سائرون إلى أهداف رسموها بدقّة بعيدا عن الضجّة الإعلاميّة، وبمنأى عن منابر حقوق الإنسان الناعقة في صحراء الانتهازيّة والكذب والنفاق، ويردّدون : أهلا بالدكتاتوريّة إذا كانت ستؤدّي إلى غزوأمريكا، وإلى التهام شركاتها...نعم الصينيون أغرقوا العالم بالبضائع الرخيصة عن قصد... لقد كان هذا ردّهم على كلّ حملات التشويه، وعلى كلّ التجمّعات الاقتصادية التّي أُنشِأت خصّيصا لمقاومة زحفهم.. وها هم يستعدّون لشراء كلّ أدوات الإنتاج فيما يسمّى بالعالم الحرّ...تركوا للغرب مسرحيّة الانتخابات الشفافة !! التّي يتبادل فيها المواقعَ لصوصٌ عرفوا كيف يندسّون وراء قوى المال المتوحّش، ويتحوّلون إلى أبواق تردّد كلمات معسولة عن حقوق الإنسان، وعن نعيم الديمقراطية. لقد أفزعت تصريحات ثعلب السياسة الأمريكي «كيسنجر» كثيرا مِنَ المتابعين. وهيّجت خوفهم من اقتراب المواجهة المسلّحة بين «الصين» القوّة الجديدة الضاربة، و«أمريكا» القوّة المُتهاوية.. وكشفت عن حقيقة الخوف الأمريكي من «الصين» الدولة الصامتة المتوثّبة دوما للاستيلاء على كلّ مكان تنسحب منه الولايات الأمريكيّة طوعا أوكرها.. آخر ضحايا زحف الصينيين أكبر كبار شركات أمريكا التي موّلت أغلب المشاريع التوسّعيّة في العالم «جنرال موتورز».
هذه الشركة التي يتباهى الأمريكان بمرابيحها التي قد توازي أوتفوق الناتج الوطني الخام لعديد الدول الإفريقيّة متجمّعة، فقدت علامة عزّها وافتخارها، وباعت للصين وحدة صناعة سيارات «الهامر» الأمريكيّة الفاخرة هروبا من الإفلاس المحدق بها. ومثل هذه الصفقة تؤكّد أنّ الصين لا تخشى اللعب مع الكبار، ولا تهابهم بل لعلّها، بصمتها عن الحملات الإعلاميّة المغرضة ضدّها، تحتقرهم وتعمل، في صمت، على ابتلاع شركاتهم الواحدة تلوالأخرى. الصين إذن، وبعيدا عن صخب وسائل الإعلام وشاشات الفضائيات، أبرمت أكبر صفقة لا بمعايير أسواق المال بل بمعايير معنويّة لا تعرف إلّا الأمم العظيمة دلالاتها ومعانيها .
سيارة «الهامر» التي اكتسبت شهرة في حرب الخليج الأخيرة حتّى أمسى ركوبها حلم كلّ أمريكيّ فخور بما تنتجه بلاده، والتّي تغطرس على متنها الأمريكان في شوارع بغداد و«إفغانستان» ظلما، واستعراضا للقوّة ها هي تتهاوى، أخيرا، من برجها العاجيّ وتغيّر لغتها، كُرها وصَغاَرًا، إلى الصينيّة.
الصين، بوصولها إلى قلب عملاق صنع السيّارات في العالم، لم تبرم صفقة بل كانت توجّه صفعة إلى دولة تتفاخر بأنّها شرطيّ العالم وبأنّها القوّة التي لا تُقهر...لم تنجح هوليود بأفلامها الموجّهة، ولا الترسانة العسكريّة بأساطيلها، وقنابلها، ونظامها الصاروخيّ، ولا منابر البكاء على حقوق الإنسان المزيّفة، في أن تمنع الصين من اكتساح العالم، ومن استثمار الأزمة الاقتصاديّة، واستغلالها للانقضاض على الشركات العملاقة التي شارفت على هاوية الإفلاس.
وحتّى عندما حاولت ذات المؤسسات الإعلاميّة المدعومة من قوى المال في الغرب أن تجعل من الألعاب الأولمبيّة مناسبة لمحاكمة الصين على ملف حقوق الإنسان، كان ردّ الصين عمليّا «لِيمض القطار ولينبح الكلب».. مواقع الإنترنيت المحجوبة هي تلك التي تصوّر الصين على أنّها سجن كبير تداس فيه كرامة الإنسان، ويأكل فيه الصينيون التراب في الوقت الذي ينعم فيه الغربيّ بالحرّيّة والرخاء. لكنّ الصين، في المقابل، لا تحجب عن شركاتها فرص الاستثمار ولوفي بلاد «الإسكيمو» .
وهوما مكّنها من توفير الغذاء للصّينيين الذين يبلغ تعدادهم ربع سكّان العالم أوأكثر تاركة للمرتزقة الذين يتباكون على قداسة حقوق الإنسان في النهار، ويلتهمون أموال الناس ليلا زورا وبهتانا كلّ أبواق النفاق والصياح.. أمريكا، إذن، تُباع شركةً تلوأخرى... والصّين حريف متوثّب يملك مدخرات من العملة، يتحيّن الفرص للشّراء، بعد أن كان سببا في انهيار هذه الشركات عبر إغراق السوق العالميّة بالسّلع الرخيصة. [email protected]