انشغلت العديد من الصفحات التونسية في الموقع الاجتماعي يوم أمس بندوة الباجي قايد السبسي التي هاجم فيها الحكومة وأعلن رفض حركة نداء تونس أي شكل من أشكال التوافق لتقاسم السلطة بحجة انتهاء حكومة الترويكا. في البداية، استمر الجدل صبيحة أمس حول مسؤولية وزارة الداخلية في انفلات السلفية وذلك على هامش مساءلة الوزير علي العريض أمام مجلس النواب، وهو جدل لا مفاجأة ولا جديد فيه حيث يصطف أنصار النهضة والحكومة وراء وزير الداخلية فيما تطالب المعارضة واليسار باستقالته. كما تابعت العديد من الصفحات التحركات الاحتجاجية المتوقعة تجاه المصالح الفرنسية في تونس ردا على تعمد صحيفة فرنسية نشر صور كاريكاتور للرسول صلى الله عليه وسلم.
وهنا، تميزت أغلب الصفحات المحسوبة على النهضة بالدعوة إلى الامتناع عن التظاهر ورفض أي شكل من أشكال العنف في الشارع أو حتى في صفحات الموقع الاجتماعي مثل التحريض. في الأثناء، ظهرت أخبار عن توتر أمني شديد في محيط محكمة تونس بعد جلب المتهمين الذين تم إيقافهم في حادثة اقتحام السفارة الأمريكية، وتم تداول أخبار لا أحد يعرف صدقها حول استعداد بعض التيارات السلفية إلى التصعيد في العنف لإجبار الدولة على إطلاق سراح الموقوفين.
ومنذ الساعة العاشرة من صباح أمس، انشغلت أغلب الصفحات التونسية بتفاصيل ندوة الباجي قايد السبسي التي كانت أول علاماتها الحماية الأمنية الشديدة التي أثارت سخرية خصومه وخصوصا أنصار النهضة حتى أن أحدهم كتب ساخرا: «إذا كان الباجي بحاجة لحماية الأمن في ندوة صحفية، فهل سيدعو القبعات الزرق في الحملة الانتخابية؟». وعموما، حظيت الندوة بالكثير من التغطية الإعلامية، وبعض الإذاعات الخاصة نظمت نقلا مباشرا حيا لتفاصيلها، ومن أهمها إعلان الباجي قايد السبسي أن حكومة الترويكا قد انتهت، في إشارة إلى موعد 23 أكتوبر الذي ترى المعارضة أنه ينهي شرعية الحكومة الحالية. وكتب ناشط حقوقي محايد تعليقا على ذلك: «الباجي يلعب نقلة شطرنج: الشاه مات، وكثيرون يحلمون بدور البيادق».
ومن الواضح من خلال الصفحات التونسية أن المعارضة وخصوصا اليسار ترى في شخص الباجي قايد السبسي محاربا بارعا يقاتل حركة النهضة، لذلك تبنت العديد من صفحاتهم أهم الشعارات التي أطلقها في الندوة الصحفية، فيما هاجمه نشطاء النهضة وأنصارهم بضراوة كالعادة خصوصا وقد أعلن رفضه الواضح لأي اشتراك مع النهضة في الحكم. وكتب زميل متخصص في التحاليل السياسية نصا طويلا في صفحته جاء فيه: «قد يكون أن السبسي بصدد التفاوض تحت الأرض مع النهضة، ويعلن رفضه لها لمجرد الضغط قصد الحصول على المزيد من التنازلات، وقد يكون أنه فعلا قطع التفاوض معها لأنه يرفض أن يستنزف نفسه في حكم لن يستمر أكثر من عام أو عامين شاقين قبل انتخابات قد تحمل له المزيد من الأنصار في ظل تردي حالة البلاد».
وفي الصفحات التونسية، نعثر على أعداء آخرين للباجي قايد السبسي غير أنصار النهضة، وكثيرون لا يرون فيه سوى استمرارا لنمط الحكم السابق وشخصا محاطا بالكثير من الفاسدين الذي يبحثون عن منفذ جديد للحكم، لكن كثيرين أيضا يرون فيه البديل الوحيد لحماية المجتمع التونسي من احتمالات السلفية والدولة الدينية.
وكما عادة التونسيين في صفحاتهم، كثير من التطرف في كل شيء يبيح نشر وتبادل الأخبار الزائفة والشتائم والتخوين والتكفير مثلما حدث بخصوص ندوة قايد السبسي، حتى أن أحد الزملاء المقيمين في الخليج كتب: «يبدو أن التونسيين أدمنوا الأخبار السيئة، فإن لم تكن موجودة، يفتعلونها»، وقرأنا في صفحة ناشطة شابة هذا النص المنسوب إلى الشاعر نزار قباني: «يا وطني، جعلوك مسلسل رعب نتابع أحداثه في المساء».