بثّت محطة تليفزيون الحرة عراق وهي محطة أمريكية تمّ إنشاؤها بعيد غزو العراق واحتلاله لغرض تحسين صورة أمريكا في الوطن العربي. أقول بثّت هذه المحطة برنامجا عن أيتام وأرامل الشعب العربي العراقي وجرى التركيز على الأرامل حيث ذكر التقرير أن عددهن مليونا أرملة رغم أن تقارير المنظمات الإنسانية تقول إن عددهن فاق الثلاثة ملايين هذا عدا قرابة الأربعة ملايين يتيم. كانت الحسرة تملأ القلب وتدفع الى التساؤل: لماذا حصل كل هذا لشعب العراق؟ ما الذي اقترفه من إثم ليلحق به كل هذا الأذى؟ نساء في أعمار مختلفة، بعضهن ذكرن أنهن يقمن بإعالة أبنائهن وأبناء أشقائهن أو أحفادهن الذين أخذت عجلة الحرب والإرهاب الرجال. نساء يحسّهن المرء قويات، صابرات، لم يفقدن كبرياءهن ولا عنادهن رغم أن بعضهن اضطررن لأن يصبحن ضرائر لنساء أخريات في عهدة زوج واحد (بعد اعتلاق نيران الحرب العراقية الإيرانية سمحت الحكومة العراقية وقتها بالزواج من أرامل شهداء الحرب، وبعد الاحتلال لم تبق رقابة على شيء). وقد استضاف معدّو التقرير عددا من ممثلين بالمنظمات العراقية الانسانية مثل جمعية الرحمة ليتحدثوا عن معالجة هذا المشكل المؤلم، فنساء العراق هن أمانة في أعناق المسؤولين ويجب إيجاد الحلول التي تحفظ لهن كرامتهن، وكرامة انتسابهن للعراق هن ومن يقمن بإعالتهم.
لكن ما سمعته بدا لي وكأنه حل لا يحل هذه المأساة من جذورها، حيث جرى تقسيم الأرامل الى حضريات أي بنات المدن وريفيات أي بنات الفلاحين. ويجري تعليم الحضريات الصناعات اليدوية أو إقامة بعض المشاريع الصغيرة، لكن ما يؤلم أكثر أن الرقم الذي ورد حول عدد النساء اللواتي جرى تأهيلهن لا يتعدّى (300) امرأة من بين ثلاثة ملايين! وفي هذا دليل على أن الحل لن يكون جذريا بل مجرد محاولة ليس إلا، فماذا عن البقية الباقية من أفواج الأرامل؟ أما الريفيات فورد في التقرير أنهن يجري تأهيلهن ليعملن فلاحات في الأرض التي كان يزرعها ويعنى بها رجالهن الذين غيبتهم الحرب! بدا لي أن هناك كارثة عراقية اسمها أرامل وأيتام الاحتلال فإذا تمّت إضافة هذه الملايين الى من خلفتهم الحرب الإيرانية وحرب 1991 فما الذي نجده؟ هي الكارثة كما ذكرت ولم أكن مبالغا في هذا الوصف بل لعل الأمر أكبر من كارثة!
ولنضف أيضا الى هذا العدد أسر المعتقلين او المطلوبين فسنصاب بالهلع، وسيبدو لنا الأمل في الآتي أمرا مخيفا. هذه المشكلة بالتأكيد هي من مشمولات الحكومة العراقية ومؤسسات الرعاية الاجتماعية والجمعيات الخيرية وروابط حقوق الانسان بل وحتى مؤسسات الاوقاف الاسلامية. كما ان هذه المشكلة هي موضوع لابد من تقديمه للقضاء الدولي وعلى المحتلين ان لا يسلموا من الحساب، هم مسؤولون مسؤولية كاملة عن كل الخراب الذي طال بنية البلد وطال مؤسساته وطال أيضا مواطنيه ومن أجل ماذا؟
لقد انسحب المحتلون من العراق مرغمين لا برغبتهم ولكن الذي فعلوه يجب ان يكون موضوعا للمقاضاة، أقول هذا رغم معرفتي ان عددا من رجال القانون العراقي يشتغلون على هذا ولديهم ملفات كاملة وإحصاءات دقيقة عن الذي جرى، وبداية على الذين احتلوا البلد ويتموا أربعة ملايين طفل ورملوا ثلاثة ملايين امرأة ان يدفعوا لهم تعويضات تليق بمكانة وكرامة الانسان العراقي وهي تعويضات لا بالملاليم بل بالمليارات! ولنتذكر تعويضاتهم المليارية من ليبيا القذافي. ومن بدأ المأساة ينهيها رغم انها لا تنتهي بعد ان تحولت الى لعنة تطارد القتلة.