غيّب الموت صباح أمس الممثل القدير جميل الجودي أو محمد جميل الجودي عن سنّ تناهز 78 عاما، قضّى أكثر من 50 سنة منها في العمل المسرحي والتمثيل التلفزي والسينمائي. الفقيد وافاه الأجل المحتوم بعد وعكة صحية ألزمته الفراش في الأسابيع القليلة الماضية بإحدى المصحات بالعاصمة. الفقيد جميل الجودي الذي استحقّ عن جدارة لقب عميد المسرح التونسي، أهدى منذ فترة قصيرة أرشيفه الخاص الى الأرشيف الوطني، لأنه الأقدر على المحافظة على تراث هذا الفنان المبدع.
وتجدر الإشارة الى أن الفنان جميل الجودي الذي قضّى أكثر من نصف قرن من الابداع مسرحا وتمثيلا. ولد في شهر أفريل من عام 1934 وكانت فرقة التمثيل العربي آنذاك تستعدّ لتقديم مسرحية «جميل وبثينة»، وكان عمّ الفقيد جميل الجودي موضّبا لهذه المسرحية.
هذه المعلومة، في الواقع مقتطفة من كتاب «أبحث عن شهرزاد» الصادر عن دار البستان للنشر، وهذا الكتاب عبارة عن السيرة المسرحية للفنان جميل الجودي، وجاء في شكل حوار مطوّل أنجزه الأستاذ أحمد الرمادي.
انتهت إذن «رحلة البحث عن شهرزاد» برحيل فنان مسرحي مبدع، صرح في آخر حواراته ل«الشروق» بأن «المسرح التونسي في انحطاط فظيع». كان الفقيد في السنوات الأخيرة في جلساته مع الزملاء والأصدقاء ينتقد الوضع الذي أصبح عليه المسرح التونسي، آملا، في عودة البريق الي الفن الرابع بهذا الوطن. وكان يستحضر بداياته في المسرح التونسي وتحديدا في فرقة مدينة تونس للمسرح وكان ذلك مع موفّى سنة 1952 وبداية 1953 حين شارك في مسرحية «تاجر البندقية» للمخرج الكبير «زكي طليمات»، في تلك الفترة كان جميل الجودي يتلقّى دروسه النظرية والتطبيقية لدى أساتذة أسّسوا المسرح التونسي، على غرار محمد الحبيب وعثمان الكعاك وحمادي الجزيري ومحمد عبد العزيز العقربي والطاهر قيقة وحسن الزمرلي.
درس «الجودي» بالتوازي في مدرسة التمثيل العربي (حيث تخرّج في دفعة شهر مارس من عام 1956 وهي الدفعة الثانية) وفي المعهد العلوي. فرصيده المسرحي تمثيلا وإخراجا، ثريّ وبه استحقّ لقب عميد المسرح التونسي، فمن «تاجر البندقية» الى «أهل الكهف»، و«كاليغولا».. وصولا الى «كينغ خميس»..
كما عرف الجمهور التونسي، الممثل الكبير جميل الجودي من خلال أدواره الناجحة والمميزة في الأعمال الدرامية ومنها مسلس «المتحدي» ومسلسل «باب الخوخة»...بالاضافة إلى الأعمال السينمائية على غرار مشاركته في دور بطولة في فيلم «سجنان» للمخرج عبد اللطيف بن عمار فضلا عن مشاركاته بأعمال سينمائية أجنبية أشهرها «سر الطوارق».
ويذكر أن الفنان جميل الجودي هو أول مدير لأول فرقة جهوية للمسرح بصفاقس. وهو إلى جانب ذلك إنسان حسن الخلق والأخلاق طيب تميز بخفة روحه، وابتسامته في جلساته مع الأحبة والأصدقاء. وبخصوص حياته الخاصة كان الفقيد، كثير التردد على البرازيل بحكم أن زوجته من هذا البلد وقد تعرف عليها في السعودية حيث درس المسرح رحم الله المسرحي جميل الجودي، فبرحيله فقدت الساحة المسرحية أحد رموزها وكبار مبدعيها وقد تداولت مواقع التواصل الاجتماعي صباح أمس خبر وفاته بكثير من الحسرة على فقدان أحد اعلام المسرح التونسي.
انتهت رحلة البحث في شهرزاد بنهاية رحلة المبدع الفنان في هذا الوجود لكن سيبقى أرشيف الجودي شاهدا على عصره وعلى إبداعاته، أجل رحل «الجودي» جسدا لكنه سيظل في ذاكرة جمهوره، وزملائه، صورة لمبدع أبى إلا أن يكتب اسمه بأحرف من ذهب على صفحات تاريخ الإبداع والمسرح في هذا الوطن. رحم الله الفقيد {وإنا لله وإنا إليه راجعون}
جميل الجودي في سطور ولد محمد جميل بن صالح الجودي بتونس في 4 أفريل 1934 التحق بمدرسة التمثيل العربي سنة 1951، عمل بفرقة مدينة تونس منذ نشأتها، شارك في عديد الاعمال المسرحية والسينمائية والتلفزية كمؤلف سيناريو وممثل ومخرج.
أدار الفرقة القارة للمسرح بصفاقس منذ تكوينها سنة 1966 ودرس المسرح بالعربية السعودية. من أهم الأعمال التي شارك فيها «طوق الحمام المفقود» وفيلم «سجنان» وتحصل به على التانيب الفضي لأيام قرطاج السينمائية.
الكينغ خميّس!
عندما قدّم جميل الجودي مسرحية «الكينغ خميس» قبل أربع سنوات، وكانت من آخر أعماله المسرحية، سأله أحد الأصدقاء في جلسة حميمية عقب تقديم عرض للمسرحية بالمسرح البلدي، عن سرّ اختيار اسم «خميّس» للملك في المسرحية، فأجاب مازحا: أليس من حق «خميس» أن يكون ملكا ولو في الحلم على خشبة المسرح. وأضاف «سنغير الاسم في العروض القادمة ليصبح «الملك الجميل»، وقامت بأداء دور «الكينغ خميس» في المسرحية التي هي من امضاء المؤلف سمير العيادي، الممثلة حليمة داود. أما الجودي فقد أدّى دور رئيس الفرقة المسرحية، الذي يناضل من أجل مسرح جاد.