لماذا يتداعى رجال السياسة إلى منطقة الساحل وأية دلالات لأن تنشأ التكتلات الحزبية وتُعقد الاجتماعات الكبرى وربما تُطبخ القرارات المهمة في هذه المنطقة؟ عوامل تاريخية واقتصادية واجتماعية التقت لتجعل من الساحل الوجهة المفضلة لرجال السياسة. لم تغفل حركة «النهضة» التي تقود الائتلاف الحاكم هذه النقطة على ما يبدو حيث اتسمت الأسابيع الأخيرة بزيارات متكررة لقيادات في الحركة وأعضاء في الحكومة إلى مدن ساحلية حيث عُقدت الاجتماعات العامة وبدا أنّ «النهضة» تزن شعبيتها في هذه المنطقة المهمة قبل أشهر من الانتخابات. غايات انتخابية؟
فمن زيارة وزير الخارجية رفيق عبد السلام إلى حمام سوسة إلى لقاء المستشار السياسي لرئيس الحكومة لطفي زيتون في المكنين ثمّ في القلعة الكبرى إلى اجتماع وزير العدل في سوسة إلى اللقاء الشعبي الذي أشرف عليه وزير حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية سمير ديلو قبل أيام في خنيس من ولاية المنستير بدا حضور حركة «النهضة» قويا من خلال الاجتماعات الشعبية أو اللقاءات بممثلي الحركة وكوادرها في الجهة.
وبدا خطاب قيادات «النهضة» خلال تلك الاجتماعات موجها إلى جمهور الساحل ومتمحورا حول أهمية المنطقة ودورها التاريخي في الحركة الوطنية وفي بناء الدولة الحديثة وفي النهوض الاقتصادي للبلاد على امتداد عقود وحتى في فترة ما بعد الثورة حيث تعتبر منطقة الساحل من أكثر المناطق التي شهدت استقرارا واستمرارية لنسق العمل خلافا لعدة جهات لا تكاد تخلو من الاحتجاجات والإضرابات اليومية.
واعتبر مراقبون أنّ الحركة بدأت حملتها الانتخابية من خلال هذه اللقاءات التي جاءت في وقت يشهد فيه الائتلاف الحاكم الذي تقوده «النهضة» بعض الصعوبات في التعاطي مع الملفات الكبرى وفي تنفيذ البرامج الحكومية.
لكن عضو المكتب التنفيذي لحركة النهضة العجمي الوريمي رأى أن الاعتبار الانتخابي ليس هو المحرك الأساسي والاعتبار الأساسي للاعتناء بجهة دون أخرى أو تكثيف الزيارات إلى جهة من الجهات.
وقال الوريمي إنّه كما توجد في تونس «مدن ثورة» ومناطق ساخنة توجد أيضا مدن وجهات يمكن اعتبارها حارسة للثورة وهي بمثابة القلاع التي تحميها وهي الضامنة لمنع الانتكاسة والانهيار وتدهور الوضع الاقتصادي وهي بالأساس منطقة الساحل.
وأوضح الوريمي أنّ هذه المنطقة التي تتميز بنسق أعلى من التنمية يشعر أصحابها اليوم بشيء من المظلمة أو كأن عقابا مسلطا عليهم بدعوى أنّ ما حصل من انعدام توازن في التنمية بين الجهات وما حصل من استبداد على امتداد عقود تتحمل مسؤوليته هذه المنطقة، في حين أنّ هذه المنطقة بما فيها من تقاليد سياسية ونخبة متعلمة ومجتمع مدني نشيط وتواصل عمراني ونهضة عمرانية واجتماعية واقتصادية فضلا عمّا حباها الله من محيط طبيعي جميل كل ذلك يؤهلها لأن تكون حصنا منيعا للثورة».
وأضاف القيادي في حركة «النهضة» أنّ منطقة الساحل «تتوفر فيها كل المواصفات ويُعرف أهلها بالعمل والاجتهاد كما أن لديها رجال أعمال مستعدين للاستثمار في المناطق الداخلية وبالتالي فإن هذه المنطقة هي التي ستحمي الثورة وهي التي ستفتح الآفاق لبقية الجهات ومن ثمة يأتي التركيز على هذه المنطقة في العملية السياسية والتنموية وإعادة الثقة إلى أبناء المنطقة والعاملين فيها».
وأكّد الوريمي ان «الساحل منطقة أساسية ومهمة جدا في تونس وأنه رغم النقائص والتهميش الذي تعيشه بعض المناطق الداخلية من ولايات الساحل فإن العمل لم يتوقف لأن أبناء هذه الجهة يحترمون قيمة العمل».
وختم الوريمي بالقول إن العامل السياسي والانتخابي حاضر في كل شيء وهو مأخوذ في الاعتبار لكنه ليس العامل الوحيد. إرث تاريخي
ولم تكن حركة «النهضة» الوحيدة التي تحركت ولا تزال في هذا الفضاء الحيوي المهم بل إنّ معظم اجتماعات الأحزاب الدستورية خصوصا تجري في الساحل وعادة ما تسفر عن اتخاذ قرارات مهمة مثلما كان الشأن مع اجتماع 7 احزاب دستورية قبل أيام في سوسة لإعلان ميلاد جبهة دستورية جديدة.
وقال أمين عام حزب الوطن محمد جغام، أحد أطراف هذه الجبهة إنّ الساحل معروف عبر التاريخ بنشاطه السياسي وأهميته «فعندما نتكلم عن الاستقلال والمناضلين والشهداء وحزب الدستور فإن المنطلق هو الساحل من قصر هلال إلى المنستيروسوسة بمعنى أن هناك امتدادا تاريخيا لمدة 55 سنة كان الساحل فيها مهدا للحركة الدستورية لا في معركة الاستقلال فحسب بل حتى في بناء الدولة».
وأوضح جغام أن هذه الأهمية تعود إلى عدة اعتبارات أهمها الدور الاقتصادي فمنطقة الساحل ثرية ومهمة لا من حيث السياحة فحسب بل أيضا في الصناعة الصغرى والمتوسطة حيث ان معظم رجال الأعمال في الساحل من الفئة المتوسطة كما أن الدولة لم تنجز مشاريع كبرى في هذه المنطقة، وأيضا في الفلاحة.
وأكد جغام أنه لهذه الاعتبارات فإن الساحل كان ولا يزال وسيظلّ في واجهة العمل السياسي، مشيرا إلى أنّ الأحزاب الدستورية مثلا لها قاعدتها في مختلف المناطق لكن قاعدتها الأقوى في الساحل الذي يبقى محل منافسة بين أطراف سياسية كثيرة» حسب الوزير السابق.
وكان حزب المبادرة الذي يرأسه كمال مرجان قد حصل على المركز الثاني من حيث عدد الأصوات والمقاعد في انتخابات المجلس التأسيسي بدائرة سوسة. وفضلا عن «النهضة» و«الدساترة» احتضنت سوسة على امتداد الأشهر الماضية لقاءات حزبية مهمة أبرزها المؤتمر الأخير للحزب الديمقراطي التقدّمي والذي كان مشفوعا بالمؤتمر التوحيدي مع «آفاق تونس» وعدد من الشخصيات المستقلة والقوى الوسطية ليتم إعلان ميلاد الحزب الجمهوري في 9 أفريل 2012 من القنطاوي، وكذلك اللقاء الجماهيري الكبير الذي نظمه الوزير الأول السابق الباجي قائد السبسي في المنستير في موفى مارس الماضي والذي كان بمثابة إعلان لإطلاق مبادرته التي تطورت وصولا إلى إعلان حزب حركة «نداء تونس».
وتبقى منطقة الساحل محدّدا أساسيا ومقياسا لمدى شعبية مختلف الأطراف السياسية والمنطقة التي يتداعى إليها السياسيون لخدمة برامجهم وتحديد توجهاتهم الكبرى.