تشهد جزيرة جربة سنويا صيفا ساخنا في مجال حوادث الطرقات جعلت ولاية مدنين تتصدر المرتبة الثانية وطنيا في عدد القتلى حسب تصنيف المرصد الوطني للمرور فقد تم تسجيل هذه السنة معدل 49 قتيلا شهريا. شهرا جانفي وأوت مثلا ذروة الحوادث في جربة حيث بلغ عدد القتلى 58 رغم أن هذه الفترة تندرج في إطار ما يسمى بالعطلة الآمنة التي انطلقت في بداية شهر جويلية الماضي وتواصلت هذه السنة بصفة استثنائية إلى غاية 30 سبتمبر وخلفت خسائر مادية بالجملة وضحايا بشرية عديدة بين موتى وجرحى تعد بالعشرات .
للوقوف على أسباب هذه الكوارث اليومية وتداعياتها والبحث عن الحلول رصدت «الشروق» جملة من الآراء والمقترحات من خلال لقاءات مع عدد من المختصين ومستعملي الطريق الذين أجمعوا على أن السبب الأول يعود إلى الضغط الشديد الذي شهدته الطرقات خاصة في الأشهر الصيفية حيث تمثل جربة كغيرها من المدن الساحلية مقصدا لآلاف الزوار من مصطافين وسياح تونسيين وأجانب مع أعداد كبيرة من الجالية التونسية من أبناء المنطقة في الخارج الذين توافدوا على الجزيرة في فترة وجيزة على غير العادة . كما تم الإجماع على أن رداءة حالة الطرقات كانت من الأسباب الرئيسية التي ساهمت في انتشار الحوادث إذ تمثل شبكة الطرقات بالجزيرة الأسوأ وطنيا حيث تتميز بضيقها وكثرة منعطفاتها وغياب علامات المرور بالإضافة إلى قلة المفترقات وتشتت الإضاءة وهو ما يفسر كثرة الحوادث ليلا ، في هذا الخصوص أكد عدد من مستعملي الطريق أن تشتت الإضاءة أخطر من انعدامها حيث تقلق السائق وتربكه عند تغيير الإضاءة مثلما هو الحال على الطريق الرئيسية بجربة المعروفة بالجهوية 117 التي تربط مدينة حومة السوق بالقنطرة التي تمثل أكثر الطرقات خطورة بجربة حيث تقتصر الإضاءة فيها على بعض الأحياء وأحوازها وأمام بعض المنازل المتناثرة هنا وهناك مما يجعل المواطن يتساءل حول المقاييس والمعايير المعتمدة في توزيع التنوير العمومي . كما تتميز الطرقات بجربة بحافتها الرديئة مما يشكل خطورة قصوى على الدراجين ، السيد مجدي بن ثاير من مستعملي الدراجة النارية يتنقل يوميا بين قرية بني معقل وميدون تذمر كثيرا من حالة حافات الطرقات التي تجبر الدراج على احتلال وسط الطريق وهو ما يفسر ارتفاع نسبة الإصطدامات والحوادث التي تنتج عنها وفايات من أصحاب الدراجات النارية كما أن عدم ارتداء الخوذة ساهم في ارتفاع هذه النسبة . من أسباب الرئيسية كذلك التي جعلت الجزيرة تحتل مراتب متقدمة عالميا في عدد حوادث المرور هي الأخطاء البشرية كعدم احترام القواعد المرورية والسرعة المفرطة والتهور الشديد خاصة في صفوف الشباب التونسيين بالخارج الحاملين لرخص سياقة أجنبية الذين يجدون في جربة متنفسا للقيام بتجاوزات ومخالفات مرورية خطيرة بعيدا عن القوانين الغربية الصارمة الحال نفسه ينطبق على إخواننا من الجماهيرية الليبية الذين تسببوا في عدة حوادث مميتة في ظل فراغ تشريعي همش القطاع وساهم في انتشار الحوادث وجعل هؤلاء فوق القانون . مسؤول بالوكالة الوطنية للنقل البري المكلفة بإسناد رخص السياقة تساءل عن عدم تطبيق القانون الصادر منذ سنة 2000 الذي ينص على اعتماد نظام النقاط لرخص السياقة كأحسن طريقة للردع حيث يتم سحب عدد معين من النقاط حسب كل مخالفة كما يجبر هذا القانون أصحاب الدرجات النارية على حمل رخصة سياقة صنف أ واقترح 18 سنة كسن دنيا لتمكين الدراج من هذه الرخصة وطالب بتعجيل تركيز الرادار الآلي للحد من السرعة التي تمثل السبب الرئيسي للحوادث الخطيرة كما أكد على تدني مستوى رخص السياقة بعد الثورة حيث ارتفعت نسبة نجاح المرشحين لنيل رخصة سياقة في جميع الأصناف إلى أكثر من 70 % بعدما كانت لا تتجاور 35 % على المستوى الوطني بسبب الضغوطات المسلطة على مهندسي السياقة وضعف الحماية الأمنية التي تهدد حياتهم في ضل ما تمر به البلاد من فوضى في عدة مناطق .
وفي حوار له مع «الشروق» أكد أحد رجال الأمن بمصلحة شرطة المرور بجربة على تراجع ملحوظ في نسبة الحوادث بين قتلى وجرحى إلى نسب تتراوح بين 35 و40 % بالمقارنة مع الفترة نفسها من السنة الماضية وارجع كثرة عدد الحوادث القاتلة في جربة إلى ما تتميز به طرقاتها من ضيق وكثرة التوائها ومنعرجاتها الخطيرة مما يمثل عائقا خاصة على الزوار من خارج الجزيرة بالإضافة إلى قلة الإنارة ليلا وقد أوصى أصحاب شركات سيارات الكراء بالالتزام بالقوانين المنظمة للقطاع خاصة فيما يتعلق بشرط الأقدمية التي لا يجب أن تقل على سنتين بالنسبة للسائق الأول أو السائق الثاني على حد سواء كما أكد على دور البلديات ومصالح التجهيز في الحد من حوادث الطرقات بتكثيف الصيانة وإحداث مخفضات للسرعة في الأماكن الضرورية ودهن الخطوط وتركيز العلامات الدالة وأيضا مراقبة مقاولي أشغال الطرقات لالتزامهم بتطبيق كراس الشروط المتعلقة بالسلامة المرورية مع تكثيف الحملات التحسيسية لترسيخ ثقافة مرورية سليمة مبنية على الشعور بالمسؤولية واحترام الآخر من خلال تطبيق القوانين ومراعاة الغير .