إعلان «الترويكا» عن تحديد موعد 23 جوان 2013 لاجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية لاقى انتقادات واسعة بحكم تزامنه مع فترة حساسة يكون فيها كثير من التونسيين منشغلين ما يهدد باقصائهم من المشاركة في هذا الاستحقاق السياسي التاريخي.. لم تكد تمر سويعات قليلة على اعلان الائتلاف الثلاثي الحاكم في تونس «الترويكا» التوصل الى اتفاق حول 23 جوان 2013، موعدا لاجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية، و7 جويلية 2013 موعدا للجولة الثانية للانتخابات الرئاسية، حتى قوبل هذا المقترح بانتقادات شديدة بلغت حد الرفض .
ومردّ الانتقادات والرفض هو «الطبيعة الاستثنائية جدا» لشهر جوان لدى العائلات التونسية باعتباره شهر «الحصاد الفلاحي والتربوي بعد شقاء عام كامل» وفق ما ذكره أحد المتابعين للشأن السياسي .
شهر «ساخن»
تحديد يوم الاحد 23 جوان لاجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية يعني أن الحملات الانتخابية للمترشحين وما سيرافقها من تجاذبات و«فوضى» و«ضجيج انتخابي» ستبدأ يوم 1 جوان، وقد تبدأ قبل ذلك بأسابيع (أي منذ النصف الثاني لشهر ماي) لتتواصل الى 7 جويلية، موعد اجراء الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية.
ويُوصف شهر جوان في تونس بالشهر الساخن لدى الأغلبية الساحقة من العائلات التونسية باعتباره شهر الحصاد الفلاحي وشهر الامتحانات المدرسية والجامعية والمناظرات الوطنية وشهر استعداد التونسيين بالخارج للعودة الى أرض الوطن. وبالتالي يكون شق كبير من التونسيين خلال هذا الشهر مُنشغلين وسيصعب عليهم بكل تأكيد ايلاء أهمية للشأن السياسي حتى وان كان الامر يتعلق بموعد هام كهذا سيتحدد بعده مستقبل البلاد بأكملها.
أمن غذائي
يتزامن شهر جوان وجويلية سنويا مع ذروة الموسم الفلاحي وانشغال الفلاحين بجمع المحصول الفلاحي خاصة صابة الحبوب .وقال حزب صوت الفلاحين في بيان أصدره أمس أن اختيار هذا الموعد لاجراء الانتخابات هو اختيار غير مدروس. اذ لا يمكن ان تكون الحملة الانتخابية واجراء الانتخابات في وقت ذروة الموسم الفلاحي بسبب ما يمكن أن يرافق ذلك من تجاذبات سياسية قد تؤثر على حسن سير موسم جني الصابة في عدة مناطق من البلاد. فضلا عما يمكن أن يتسبب فيه هذا الحدث السياسي من الحاق أضرار مُتعمدة بالمحصول الفلاحي. وقد حمّل الحزب حكومة «الترويكا» مسؤولية ما قد ينجر عن اجراء الانتخابات والحملات الانتخابية في ذلك الموعد وعبر عن استعداده للتصدي لقيام الاحزاب بحملاتها الانتخابية في الولايات والمناطق ذات الصبغة الفلاحية . وذهب حزب صوت الفلاحين في بيانه حد وصف اتفاق «الترويكا» على 23 جوان 2013 موعدا للانتخابات بأنه «لعب بالأمن الغذائي للشعب التونسي».
ضجيج انتخابي
إضافة لكونه شهر الحصاد الفلاحي فان شهر جوان يوصف في تونس بانه شهر الحصاد التربوي. فمنذ نهاية ماي وكامل شهر جوان تكون الحركة داخل أغلب العائلات التونسية على أشدّها بحكم تزامن هذه الفترة مع اجراء امتحانات الابتدائي والثانوي وامتحانات الجامعة دون أن ننسى المناظرات الوطنية مثل «السيزيام» و«النوفيام» والباكالوريا وغيرها من المناظرات الاخرى. (انظر رزنامة الموسم الدراسي في المؤطر).
ويقول السيد الاسعد اليعقوبي الكاتب العام للنقابة العامة للتعليم الثانوي في تصريح ل«الشروق» أن آلاف العائلات التونسية تكون آنذاك خلال نهاية ماي وطوال جوان وبداية جويلية في حاجة الى الهدوء حتى توفر لأبنائها كل الظروف الملائمة للمراجعة ولاجراء الامتحانات.. «لكن حكومة «الترويكا» كان لها حسب اليعقوبي رأيا آخر ولم تفكر في ما قد يتسبب فيه ضجيج الحملات الانتخابية من تشويش على التلاميذ عند المراجعة أوعند اجراء الامتحانات»، وكأن مسؤوليها ليسوا من هذه البلاد.. وكأنهم لا يفكرون سوى في الكراسي.. فبهذا التصرف أظهروا أنهم أبعد ما يكون عن التفكير في المصلحة الشعبية ولم يفكروا إلا في مصالح سياسية ضيقة..» على حدّ قوله. وقال الاسعد اليعقوبي ان نقابات التعليم ستصدر قريبا موقفها الرسمي الرافض لاجراء الانتخابات في هذا التاريخ.
في شهر جوان وبداية جويلية يكون عدد هام من التونسيين بالخارج منشغلين هم أيضا بامتحانات أبنائهم كما يكون أغلبهم منشغلا بالتحضير للعودة الى ارض الوطن. واذا وقع اجراء الانتخابات يوم 23 جوان فان أغلبهم لن يقدر على التصويت أوعلى متابعة الحملات الانتخابية باعتبار اللخبطة التي ستحدث لديهم من حيث مكان التصويت ومكان متابعة الحملات الانتخابية ( في تونس أوفي الخارج ) وبسبب عدم القدرة على متابعة الحملات الانتخابية كاملة وبسبب عدم القدرة على المشاركة في الجولتين الانتخابيتين للانتخابات الرئاسية.
إقصاء
يرى خبراء الشأن السياسي ان اقرار موعد 23 جوان لاجراء الانتخابات التشريعية والدورة الاولى من الانتخابات الرئاسية، وموعد 7 جويلية لاجراء الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية سيؤدي الى اقصاء مئات الآلاف من التونسيين من ممارسة حقوقهم في هذا الاستحقاق السياسي الهام الذي ينتظره الجميع .
مئات الآلاف بين تلاميذ (تحديدا الذين بلغوا سن 18 ) وطلبة ومعلمين وأساتذة ( في الثانوي والجامعي ) وعاملين بالحقل التربوي وحتى من بين موظفي وزارتي التربية والتعليم العالي وعاملين بالحقل الفلاحي وأرباب عائلات (نساء ورجال) سيجدون صعوبات كبرى في ممارسة حقوقهم لهذا الاستحقاق السياسي الهام بسبب انشغالهم خلال تلك الفترة. وقد لا يسمح لهم ضيق الوقت بتقديم ترشحاتهم للانتخابات مثلا أو بمتابعة الحملات الانتخابية بكل راحة بال وهو ما سيؤثر على خياراتهم اذا ما امكن لهم التصويت. كما لن يتسنى لكثيرين التوجه يوم 23 جوان أو يوم 7 جويلية لمكاتب التصويت قصد ممارسة حقهم وواجبهم الانتخابي. كما ان أكثر من 400 ألف ناخب تونسي بالخارج مهددون بالاقصاء من هذا الموعد الانتخابي الهام اذا ما أجريت الانتخابات في 23 جوان .
جهل أم تجاهل ؟
منذ الاعلان عن موعد 23 جوان 2013، تساءل كثيرون هل ان هذا الخيار مُتعمدا من «الترويكا» لغايات ما، أم كان عن حسن نية وجهل بمدى حساسية وأهمية تلك الفترة في حياة التونسيين.
ويرى البعض أن اختيار ذلك الموعد مُتعمد والغاية منه اقصاء مئات الآلاف من التونسيين، يمثلون شريحة نخبوية هامة (تلاميذ طلبة أساتذة) وشريحة اجتماعية أخرى هامة (الفلاحون) اضافة الى عدد كبير من آباء وامهات التلاميذ والطلبة من مواكبة هذا الموعد السياسي التاريخي الهام سواء عبر الترشح للانتخابات أوعبر التصويت أوعبر المراقبة والمتابعة لحسن سير الانتخابات. في حين يرى آخرون أن اختيار هذا الموعد كان عن حسن نية من الائتلاف الحاكم ولكنه ينم عن عدم دراية بواقع المجتمع والعائلات التونسية مثلما ذهب الى ذلك السيد حبيب الكرّاي عضو المكتب السياسي لحركة البعث في تصريح ل«الشروق» مضيفا أنه «لا يوجد عاقل واحد يتفهم هذا الاختيار من «الترويكا» الا اذا كانت الغاية هي تنظيم انتخابات صورية يقع فيها اقصاء شريحة هامة من التونسيين. وقد كان بالامكان تكليف هيئة الانتتخابات بهذه المهمة لأنها الأكثر دراية بالمواعيد المناسبة لاجراء الانتخابات .
وفاق
ما يعيبه الناشطون في الحقل السياسي على أحزاب «الترويكا» هو تفردها بالرأي عند الاعلان عن موعد 23 جوان. ويرى كثيرون ان الائتلاف الحاكم تسرع عند الاعلان عن هذا الموعد وكان عليه الاخذ بآراء المختصين والخبراء وكذلك بآراء بقية القوى السياسية الفاعلة في البلاد حتى يحصل التوافق على موعد مناسب للجميع ولا يقصى أي كان من حدث سياسي هام ينتظره أغلب التونسيين بفارغ الصبر لتحديد مستقبل بلادهم .