إلى أين يسير الخلاف بين حركتي النهضة ونداء تونس؟ من فيهما يجرّ الآخر إلى العداء ويجرّ من ورائه شعبا برُمّته إلى التخاصم؟ هل يتوقّف هذا العداء المعلن بين ال حركتين عند حدود العنف اللفظي أم هو مرشّح للتشابك الفعلي مع اقتراب الحملة الانتخابيّة؟.
بات من الواضح أنّ حركتي النهضة ونداء تونس يكنّ كل منهما للآخر عداء مقيتا ظهرت ملامحه من خلال تصريحات القياديين في الحركتين ومن خلال تبادل الاتهامات وكذلك تطور الأحداث بشكل كبير بلغ مداه حدّ مقتل منسق حركة نداء تونس في ولاية تطاوين لطفي نقّض الذي شغل خطّة رئيس الاتحاد الجهوي للفلاحين عشيّة الخميس 18 أكتوبر عقب مسيرة نظمتها جمعية رابطة حماية الثورة بالجهة من أجل تطهير الإدارة.
عداء معلن
كتب القيادي البارز في نداء تونس محسن مرزوق، قبل أسبوع من مقتل نقّض، على صفحته الشخصية في الموقع الاجتماعي فايسبوك بتاريخ 10 أكتوبر 2012 تعليقا على ما جاء في الفيديو المسرّب لرئيس حركة النهضة راشد الغنوشي « النهضة حركة فاشستية متطرفة» والغنوشي «ظهر بوضوح رجل متطرف متشدد ولا علاقة له بالاعتدال الذي يعتمده لتكتيك التقية» وأنّ «خطة النهضة لا علاقة لها بتحقيق الانتقال الديمقراطي لا من قريب ولا من بعيد ولا من فوق ولا من تحت. هدفهم فقط الاستحواذ التام على السلطة، وإقامة ديكتاتورية مطلقة لوضع يدهم على خيرات البلاد ومقدراتها ونهبها. والدين ليس إلا حجة».
وكتب أيضا « من الواضح أن جماعة النهضة هم أول قوة ثورة مضادة في تونس. وأن قانون الإقصاء الذين يريدون تمريره ليس سوى محاولة للتصدي للقوة الوحيدة التي تستطيع إيقاف مخططهم الجهنمي».
قبل هذا كان راشد الغنّوشي قد صرّح قبل ذلك وتحديدا يوم 4 أكتوبر المنقضي في حوار مع إحدى الإذاعات الخاصة أنّ «حركة نداء تونس التي يترأسها الوزير الأول السابق الباجي قايد السبسي أخطر من السلفية» معتبرا حركة نداء تونس « رسكلة للتجمع من جديد وإعادة إنتاجه وهو ما يشكل تهديدا ومؤامرة على الثورة». وتجمع الحركتان أنّ إحداهما تتآمر على الثورة.
نتائج المعركة وخيمة
اعتبر المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي ما يحصل بين الحركتين «لا يبشّر بخير» مؤكدا أنّه «إذا لم تتم مراجعة أسلوب التعامل بين كوادر التنظيمين والارتقاء بالعلاقة بينهما الى مستوى التنافس النظيف فان النتائج ستكون وخيمة ليس فقط عليهما ولكن ايضا على البلاد التي لا تحتمل هذا الاحتقان المتزايد فالعنف يبدا أولا بالكلام ثمّ سرعان ما ينتقل الى الأيدي وربّما إلى أشياء أخرى».
ويخشى الجورشي «ان تتحول الحملة الانتخابيّة إلي كابوس إذا ما استمرت طبول الحرب تدق بهذا الإيقاع الموتر للأنفاس والأجواء العامة».كما كتب المحلل السياسي في مقال له نُشر في موقع الكتروني عشيّة 4 أكتوبر «كانت المياه تجري بشكل عادي بين النهضة والباجي القائد السبسي الذي تجاوز بطرافته رد فعل راشد الغنوشي على تعيينه وزيرا أول، عندما علق قائلا: «من اي أرشيف خرجوه» ؟وقد تحسنت العلاقة بين الرجلين ، حتي كادت ترتقي إلي مستوي الصداقة خاصة بعد تنظيم الانتخابات وتسليم السلطة بطريقة حضارية غير معهودة في تاريخ المنطقة العربية».
لكن النفوس بدأت تتغيّر منذ قرّر الوزير الاول السابق مواصلة المشوار السياسي وبدأ ذلك بإصدار بيان أول بتاريخ 26 جانفي 2012 لتنطلق معه حملة التشويه والتشكيك في مداركه العقلية وتعييره بسنّه واتهامه بتلغيم الملفات المعروضة على طاولة الحكومة التي خلفتها حكومته وبرغم ذلك اعتبر الجورشي أنّ «المناوشات السياسية بين الطرفين بقيت محدودة الي ان اكتملت ملامح حزب نداء تونس الذي بدا أشبه بكرة الثلج التي تجرف أثناء انحدارها المتسارع كل الغاضبين على حركة النهضة».
اعتبر المحلل السياسي أيضا أنّ «المواجهة الحالية بين حركة النهضة ونداء تونس ليست في صالح الانتقال الديمقراطي ويمكن، اذا لم تتغلب الحكمة، ان تزيد ارباك الوضع العام الذي يتسم بالهشاشة وعدم الوضوح» .
عديد المؤشرات، بحسب الجورشي، تدل على ان الذين اختاروا الاتفاق حول شخصية الباجي القائد السبسي في ازدياد متسارع مما قد يجعل من حزبه رقما لا يستهان به وقد يصبح الرقم الأصعب في المعارضة وبالتالي لا يمكن للنهضة تجاهله او ان تعمل على نفيه وشطبه بحجة انه مجرد حصان طروادة «للتجمعيين».
ويرى الجورشي ان القرار الذي اتخذته حركة النهضة بمقاطعة كل فضاء يوجد فيه ممثل عن نداء تونس ليس سليما ومن شانه ان يؤدي الي نتائج عكسية. وقد سبق ان حاول بن علي استعمال هذا الأسلوب لعزل حركة النهضة ففشل في ذلك فشلا ذريعا. في حين ان القاعدة في الديمقراطية هي مواجهة الحجة بالحجة والخاسر هو من يترك مقعده شاغرا.
ويرى في المقابل أنه لا يصح الاستمرار في شيطنة حركة النهضة التي مهما تعددت أخطاؤها وتراجعت شعبيتها بعد ان اقر بذلك رئيسها راشد الغنوشي، فإنها ستبقى لمدة طويلة حركة شعبية مناضلة لها امتدادها العميق في اوساط الشعب التونسي. وبالتالي سيكون من غير الجدية افتراض مشهد سياسي من دون الإسلاميين ولا تحتل فيه حركة النهضة مكانة أساسية».
خطاب حركة النهضة
يعتبر عدد من قياديي النهضة كعامر لعريض والعجمي الوريمي الذي لم ينف احتفاظه بصداقات شخصية مع عدد من قيادات نداء تونس ان هذا الحزب بلا مرجعيات ولا برامج بل هو تجمع لليساريين والنقابيين وخاصة التجمعيين في محاولة للتصدي للنهضة وهو بذلك يخترق مبادئ الثورة التي قطعت مع المساهمين في الديكتاتورية والمتواطئين مع بن علي والطرابلسية وقد وصلت حدة التصريحات الى اعتبار نداء تونس من طرف الشيخ راشد الغنوشي أخطر على أمن البلاد من السلفيين وفي تهكم واضح اعتبر الغنوشي تصريحات السبسي تصريحات شبابية حماسية لا تصدر عن الشيوخ في سن الباجي كما اعتذرت حركة النهضة عن حضور مؤتمر الحوار الوطني الذي دعا اليه الاتحاد العام التونسي للشغل بسبب حضور ممثلين عن نداء تونس رغم مواكبة الباجي قايد السبسي لفعاليات المؤتمر من مكتبه بالبحيرة واشتدت الازمة بعد مقتل قيادي جهوي بحركة نداء تونس بمدينة تطاوين واتهام لجنة حماية الثورة القريبة من النهضة على حد تعبير قيادات نداء تونس بالاغتيال السياسي وهي حادثة استثمرها الطرفان سياسيا على أكمل وجه.
أما السيد الباجي قايد السبسي فقد اعتبر راشد الغنوشي غير متبصر سياسيا مقارنة بتجربته هو الطويلة في العمل السياسي وذلك على خلفية رفض الغنوشي للتحالف مع حزبه وقال ان عدم التحالف لا يعني عدم التعايش ورفض السبسي التعامل مع النهضة التي يرفضها ولا يتوسل التحالف معها. ووصل السبسي الى حد التوقف عند اسلام الغنوشي رغم استشهاده كما يقول السبسي في كل مرة بآيات قرآنية قائلا «أنا مسلم اكثر منه» وذلك على خلفية تشجيعه للعنف ومحاربة نداء تونس كما قال فريق نداء تونس الذي يواجه النهضة عبر مختلف وسائل الاعلام ويضم كذلك محسن مرزوق ومنذر بلحاج علي الذي اتهم النهضة بالعنف وحماية المتطرفين واستعمال لجان حماية الثورة التي تضم قيادات تجمعية لتصفية حسابات سياسية في حين لخص محسن مرزوق حزب نداء تونس بأنه حزب المستقبل وسيمثل مفاجأة حقيقية تقطع مع الهيمنة المزعومة لحركة النهضة وبشّر المنتمين للحزب بالفوز في الانتخابات القادمة.