بعد نحو ربع قرن من ارتكاب جريمتها النكراء باغتيال الفلسطيني البارز خليل الوزير «أبو جهاد» وبعد محاولات من الأنكار و«التنكر» والتهرّب من تورّطها بدم الشهيد أبو جهاد أبت اسرائيل الا أن تعترف بمسؤوليتها عن جريمة الاغتيال هذه. والحقيقة أن هذا الاعتراف الاسرائيلي وإن كان قد جاء متأخّرا جدا فإنه يشكل مع ذلك إثباتا ودليل إدانة حقيقيا على مسؤولية الكيان الصهيوني ليس عن اغتيال أبو جهاد فحسب بل أيضا عن تصفيات وعمليات ارهابية واجرامية أخرى مماثلة سواء في فلسطين أو في مناطق أخرى من العالم... لكن السؤال المطروح اليوم كيف يمكن التحرّك حتى لا يفلت هذا الكيان مجددا من العقاب... ثم الى أي مدى يمكن محاكمة المجرمين على هذه الجريمة التي وقعت فوق الأراضي التونسية... وما مدى اختصاص القضاء التونسي في النظر في هذه القضية... «الشروق» تفتح الملف وتستضيف لهذا الغرض السيدين: الدكتور عبد المجيد العبدلي أستاذ القانون الدولي الأستاذ عبد الرؤوف العيادي رئيس حركة وفاء.
الدكتور عبد المجيد العبدلي : نعم، من اختصاص القضاء التونسي بحث قضية «أبو جهاد»
أوضح أستاذ القانون الدولي الدكتور عبد المجيد العبدلي في حوار مع «الشروق» أن القضاء التونسي يملك صلاحية النظر في قضية اغتيال أبو جهاد بحكم أن هذه الجريمة قد حصلت على الأراضي التونسية.
الدكتور عبد المجيد العبدلي رأى أن الدولة التونسية بامكانها أن تحرك هذه القضية وتضعها بين يدي «الأنتربول» للقبض على قاتل أبو جهاد ومن ثمة محاكمته.
وفي مايلي هذا الحوار : بداية، ما مدى اختصاص القضاء التونسي في النظر في قضية بحجم قضية اغتيال القيادي الفلسطيني أبو جهاد...وإلى أي مدى يمكن تحريك هذا الملف دوليا برأيك دكتور عبدالمجيد؟
في ما يتعلق باختصاص القضاء التونسي أقول نعم فالقضاء التونسي من صلاحياته النظر في هذه القضية بما أن هذه الجريمة أرتكبت فوق التراب التونسي وبالتالي فإن هذا ممكن لكن بخصوص إمكانية تحريك المسألة دوليا فإن القضاء الدولي لا يمنع التوجه إليه لمقاضاة إسرائيل لكن المشكلة أين؟المشكلة هنا في أن الطريق نحو القضاء الدولي تبدو بلا جدوى بما أن محكمة العدل الدولية تطلب موافقة إسرائيل...وإسرائيل لن توافق...ومن عادة المجرم والجلاد دائما ألا يوافق على محاكمته.
الخيار الآخر أن المحكمة الجنائية الدولية غير مختصة في النظر في هذه الجريمة لأن الجريمة أرتكبت قبل 1 جويلية 2002والمحكمة الجنائية الدولية اختصاصها النظر في الجريمة ضد الانسانية وجريمة الحرب وجر-يمة العدوان والابادة الجماعية. وهذا الاختصاص حصلت عليه المحكمة الجنائية منذ 1 جويلية 2002... وكل جريمة ترتكب قبل هذا التاريخ لا يمكن النظر فيها...
في هذه الحالة، ماهو توصيفك و«تكييفك» القانوني دكتور لهذه الجريمة؟
الاغتيال استهدف قياديا فلسطينيا وحراسا يحملون الجنسية الفلسطينية...وهذا يعني أن ما حصل هو جريمة حرب لأن إسرائيل كانت في ذلك الوقت في حالة حرب مع منظمة التحرير الفلسطينية.
الملاحظة المهمة هنا أنه في عام 1968 صدرت اتفاقية للأمم المتحدة عنوانها عدم سقوط جريمة الحرب والجريمة ضد الانسانية بمرور الزمن ...وهذه الاتفاقية صادقت عليها تونس عام 1973 وإسرائيل عام 1970....وطالما الذي ارتكبته إسرائيل هو جريمة حرب...فإن الدولة التونسية يصبح بإمكانها إثارة وتتبع مرتكبي جريمة اغتيال أبو جهاد...
كيف؟
العملية تقتضي هنا أن يصدر القضاء التونسي الحكم...وحين يكون الحكم نهائيا فإن الدولة التونسية تستطيع أن تعلم به الشرطة الدولية (الأنتربول) لأنه ليس لدينا في تونس اتفاقية تسليم المجرمين مع إسرائيل..وهذا الحكم سينفذه الانتربول ويصبح الشخص المطلوب حينئذ محل ملاحقة دولية...
هناك حالات مماثلة لهذه القضية على غرار محاكمة المجرم النازي كلاوس باربي الذي تم القبض عليه وتسليمه الى فرنسا في عام 1983...إلى أي مدى يمكن لهذه الحالة أن تنطبق على قاتل أبو جهاد؟
كما قلت يبقى الملجأ الوحيد هو القضاء الوطني الذي عليه أن يصدر أحكامه لأن المجرم هنا معروف ويمكن حتى لمنظمة التحرير الفلسطينية أو عائلة أبو جهاد أن تقوم برفع دعوى في الغرض.
عبد الرؤوف العيادي ل «الشروق» : لهذه الأسباب قدّمت شكاية ضد اسرائيل أكّد الاستاذ عبد الرؤوف العيادي، رئيس حركة «وفاء» في تصريحات ل «الشروق» أن الاعترافات الاسرائيلية الاخيرة باغتيال القيادي والمناضل الفلسطيني خليل الوزير (أبو جهاد) تحتّم التحرّك في اتجاه مقاضاة المسؤولين عن هذه الجريمة وفتح بحث تحقيقي في المسألة حتى لا تبقى هذه الجريمة بلا عقاب.
وأضاف «اعتراف الكيان الاسرائيلي باغتيال أبو جهاد في أرض تونس يجب أن يفرض علينا كشف المورطين فيها ومعرفة الادوار التي مارستها بعض الجهات في هذه العملية التي لا نستبعد تواطؤ بعض الاطراف الداخلية فيها.
وفي ردّه عما إذا كانت هذه المعلومات بحوزته أم مجرّد تخمينات أشار العيادي الى التصريحات التي كان قد أطلقها أحمد بالنور في وقت سابق عندما دعا الى فتح الموضوع مشدّدا على أن التحقيق في هذه الجريمة هو واجب وطني ومظهر من مظاهر الدفاع عن سيادة تونس بعد ثورة 14 جانفي 2011.
وأكّد السياسي التونسي رفعه لشكوى الى وكيل الجمهورية لمعرفة من هي الأطراف المورّطة في هذه الجريمة مشيرا الى أن هذه الشكوى الهدف منها في النهاية معرفة طبيعة الدور الذي تقوم به اسرائيل في تونس.
وأوضح أن تحرّكه هذا لا يأتي على خلفية الاعترافات الاسرائيلية باغتيال أبو جهاد بل أيضا على خلفية اغتيال مواطنين تونسيين خلال هذه العملية وهم من حرّاس «أبو جهاد».
وأشار الى أنه سيسعى في هذا الصدد الى توسيع تحرّكه هذا من خلال انضمام أطراف وقوى أخرى الى هذه المبادرة حتى لا تكون مجرّد «صرخة في واد» بل تكون مبادرة فاعلة وقوية قادرة على الوصول الى أهدافها الأساسية التي أطلقت من أجلها.