خديجة امرأة في العقد الخامس من العمر وأمّ لبنتين في الثالثة عشر والخامسة عشر من ربيع العمر وزوجة لشيخ ضرير لتروي لنا معاناتها مع الفقر والخصاصة والمرض الذي أبى الّا ان ينخر جسدها ويزيد في مأساتها. تحدّثت الينا خديجة بمرارة فقالت إنّ شيخوخة زوجها واعاقته البصرية كان لهما الأثر السلبي على حياة العائلة فهو لا يقدر على أي عمل فلاحي أو يدويّ مما استوجب اسناده منحة شهرية لا تتعدّى السبعين دينارا شهريّا، «والكلّ يعلم أن هذه المنحة لا تغني ولا تسمن من جوع في زمن غلاء المعيشة وانتفاخ فاتورتي الماء والكهرباء وغيرها من متطلّبات الحياة»، لذلك اضطرّت منذ أن تزوجت الى العمل في المجال الفلاحي لتساعد زوجها وتعيل بنتيها اللّتين أضناهما الفقر والاحتياج.وتواصل الأمّ حديثها قائلة إنها تعمل منذ سنوات طويلة بلا انقطاع رغم مرضها متنقلة بين الحقول دون عقد عمل أو تغطية اجتماعية الّا أنها لم تتمكّن من تلبية كل متطلّبات العيش الكريم ومصاريف بنتيها.واكدت أنها تشعر بالألم وهي تراهما تعانيان الحرمان وتفتقران الى أبسط الضروريات كاللباس والمأكل حتى أنهما تلتحقان يوميا بالمعهد دون افطار في صمت ودون نقود لشراء ما يسدّ الرمق كما يفعل جل التلاميذ. وقد تعودتا على مثل هذه الحال نظرا لعلمهما بالظروف المادية القاسية. وقد أفادتنا الأمّ أنها تعمل بأجر زهيد رغم ما تتطلّبه الأعمال الفلاحية من جهد جهيد وصبر طويل وعضلات مفتولة اذ أنها تقوم بالزرع والسقي وجمع المحاصيل على أنواعها من قوارص وغلال وغيرها وحملها في صناديق على كتفيها رغم ثقلها والسير بها بين الاشجار والمزارع لوضعها في الشاحنات قصد تسويقها، وهذا ما أصابها بعدّة أمراض لا تزال تعاني منها الى اليوم خاصّة تلك الناجمة عن حمل الاثقال. وقد تزامنت زيارتنا لها مع عودتها من المستشفى بعد ان خضعت إلى عملية جراحية كانت قد اجلتها عديد السنوات نظرا لضيق ذات اليد وحاجتها الى أجر كل يوم عمل، لكن تأزم حالتها الصحية التي أصبحت تنذر بالخطر أجبرها على دفعها الرضوخ. وبمجرّد ان تتعافى ستعود حتما الى العمل الفلاحي كي تتمكن من دفع ديونها المتراكمة، هكذا أكدت موضحة أنها اضطرت إلى التداين حتى محاولتها تحسين المنزل وقد أسرّت لنا بانها بصدد اقناع بنتيها بضرورة الانقطاع عن الدراسة رغم صغر عمريهما والتحاق بأحد المصانع قصد توفير مصاريف الدراسة والتنقل. هذه العائلة تلقت بعض المساعدات من الجمعية الخيرية «كرامة وأمل» ببني خلاد كان آخرها بمناسبة عيد الاضحى، وقد ناشدت الأمّ السلط الجهوية والجمعيات الخيرية أن تمدّ لها يد المساعدة حتى تتمكن من اعالة أسرتها وتحقيق الحدّ الادنى من العيش الكريم.