ما مدى انعكاس غلاء المعيشة على التجار واصحاب المحلات التجارية المختصة في بيع الملابس الجاهزة والاحذية والنظارات؟ سؤال طرحته «الشروق» على عدد من العاملين في هذه المحلات فكان النقل التالي : تونس «الشروق» محلات خالية من الحرفاء وعدد الباعة العاملين بهذه المحلات في تراجع واخرى اغلقت تماما بعد ان اشهر اصحابها افلاسهم. هذه صورة مصغرة عن حالة بعض المحلات التجارية المختصة في بيع الملابس الجاهزة والاحذية والنظارات وغيرها من المجالات التجارية بتونس العاصمة. الجولة كانت بشارع باريس احد اهم شوارع العاصمة التونسية حيث من المفروض ان تكون الحركية التجارية على اشدها ولكن لم نلحظ ذلك بل فوجئنا بان اغلب المحلات التجارية الموجودة بهذا الشارع خالية تماما من الحرفاء او تكاد تكون كذلك.
هذه الملاحظة دفعتنا للبحث عن اسباب هذا الركود التجاري الواضح فكان اللقاء اولا مع الشاب امين وهو بائع بمحل للملابس الجاهزة حيث اكد لنا ان عدد الحرفاء في تقلص متزايد وان الحركية التجارية تكاد تكون منعدمة . ويرجع امين حالة الركود هذه الى الوضع الاقتصادي العام بالبلاد . مشيرا الى ان التونسي يعيش من القروض الاستهلاكية ومن الرصيد الاحمر ما يعبر عنه (بالروج) وبعد القرارات القاضية بمنع هذه القروض اصبح التونسي لا يفكر في شراء الملابس الجاهزة بل في كيفية تأمين ثمن المواد الاساسية التي تعرف اسعارها تزايدا مستمرا . واضاف هذا الركود وهذه القرارات الجديدة لن تضر فقط الحريف بل ستضر اكثر التاجر الذي اصبح مهددا بالافلاس . وتساءل امين لماذا اصبح الوضع في تونس على هذه الشاكلة من الركود والجمود ؟ ولماذا لا تتدخل الدولة لمساعدة التجار على مجابهة هذه الظروف الصعبة ؟ واين الهبات التي تتحدث عنها الحكومة ؟ واين مواطن العمل التي وعدت بتوفيرها للعاطلين خلال سنة 2012 ؟
غياب الأمن
تركنا امين حائرا يبحث عن عدد هام من الاسئلة التي يود معرفة جوابها هو وبقية التونسيين الذين ملوا وعود الحكومة وحديثها عن الهبات والمشاريع التي بقيت حبرا على ورق. وانتقلنا الى محل تجاري اخر فوجدنا به محمد مهدي وانتظار ولم نلحظ وجود اي حريف . فطرحنا السؤال التالي على مهدي: هل هناك حركية تجارية بهذا المحل وماهي اسباب غياب الحرفاء؟ فأجاب: يمكن تفسير هذا الركود اولا بغياب الأمن. فهذا المحل وغيره من المحلات الموجودة بشارع باريس تتعامل بنسبة كبيرة مع السواح والاجانب وارى ان كثرة الاحتجاجات والاضرابات تجعل السائح لا ينزل الى الشارع ولا يغادر غرفته بالفندق الا نحو المطار للعودة من حيث جاء.
فكثرة الاحتجاجات انعكست سلبا وبكيفية كبيرة على الحركية التجارية بالعاصمة والنتيجة ان هذا المحل كان يشغل قبل الثورة اربعة اشخاص والان نحن اثنين فقط وربما اخر الشهر يبقى واحد فقط واذا تواصل الركود سيضطر صاحب المحل للاستغناء عن الكل والعمل بنفسه في المحل. مهدي رجانا ان نبلغ نداءه للتونسيين وخاصة للسياسين قائلا انا ادعو كل التونسيين ان يحبوا تونس وان يدعوا التناحر على الكراسي جانبا حتى لا نخسر بلدنا الحبيب. الانسة انتظار توجه النداء ذاته الى التونسيين وتقول ان السياسيين لا يهمهم الا الكراسي وان المواطن البسيط هو الذي سيدفع الفاتورة وهي باهظة جدا ثمنها فقدانه موطن رزقه والوقوع في براثن البطالة والخصاصة. وتضيف انا اعمل بهذا المحل التجاري الان لكن الوضع المتردي والحركية التجارية الجامدة تجعلني اخشى من فقدان عملي اذا تواصل الحال على ماهو عليه.
غلاء المعيشة
يرجع كل من محمد (بائع بمحل للنظارات) وبسام (بائع بمحل للاحذية) الركود التجاري الى غلاء المعيشة وارتفاع اسعار المواد الاساسية التي اجبرت التونسي على التخلي عن الكماليات والاكتفاء بالضروريات المتمثلة في توفير الاكل والشرب . ويتساءل محمد كيف يمكن للتونسي مواجهة هذا الارتفاع المذهل للاسعار وراتبه الشهري لم يعد يكفيه حتى لتوفير الضروريات؟
ويرى بسام ان التاجر مثله مثل الحريف يواجه غولا اسمه غلاء المعيشة والمؤسف حقا هو غياب الارادة الحقيقة من قبل الدولة للتصدي لظاهرة الاحتكار والعمل على التحكم في الاسعار والنتيجة الحتمية لهذا التراخي من قبل الدولة هي معاناة التاجر من الركود ودخوله دائرة الخطرالمتمثلة في الخسارة التجارية التي ستؤدي به حتما الى الافلاس اذا تواصل الوضع على ما هو عليه الآن.
إفلاس
تجميد القروض الاستهلاكية وارتفاع الاسعار جعلت المواطن يصرف النظر عن شراء الملابس والاحذية والنظارات والنتيجة اشهار عدد من المحلات لافلاسها وبالتالي اضافة اعداد اخرى من العاطلين عن العمل للقائمة الموجودة.
والشاب معز واحد من هؤلاء المعطلين عن العمل الجدد ان صح التعبير . ويقول الركود التجاري الكبير الذي يعاني منه تجار العاصمة كان وقعه كبيرا علي شخصيا حيث أعلنت افلاس شركتي واغلقتها بعد ان عجزت عن تسديد ديوني . وها انذا اعاني من البطالة ولا ادري ما يخبئه لي القدر, فالوضع لا ينبئ بخير وما نتمناه من الحكومة الحالية هو الالتفات الى المشاكل الحقيقية للتونسي الذي اصبح مهددا بالجوع بسبب عدم التعامل الجدي مع ملف الاحتكار وارتفاع الاسعار.