أقر وزير الداخلية علي العريض في محاضرة ألقاها صباح أمس في العاصمة بصعوبة اصلاح المنظومة الامنية خلال هذه المرحلة الانتقالية التي تعيشها البلاد بسبب تحديات ثلاثة ذات طبيعة سياسية واقتصادية وأمنية بحتة. وبرر العريض هذه الصعوبة بتحديات ثلاثة قال إنها ليست خصوصية تونسية بل هي واقع عاشته دول الربيع العربي جعلت من تنفيذ الاصلاح امرا صعبا. تتمثل هذه التحديات في الصعوبات ذات الطبيعة السياسية وأخرى ذات طبيعة تنموية اقتصادية واجتماعية وثالثة تتعلق بالجانب الامني. وأوضح علي العريض أن أبرز تحديات الجانب السياسي هو تحدي الحرية بما تعنيه الكلمة من التزام بالقانون وضمان لحقوق الافراد قائلا: «التشبع بنوع من الممارسات يصبح ذاكرة وسلوكا نسبيا يمارس بشكل آلي فمجتمعاتنا تدربت تحت الاستبداد وهو وضع يختلف عن الوضع الديمقراطي إذ في الوضع الديمقراطي يكثر الالتزام بالقانون وتقل التعليمات والتقليل من التدخل بالقوة والتحدي الذي نواجهه هو كيف يقتنع الجميع بأن الحرية واجب وحقوق».
منافسة سياسية وصراع
واضاف العريض في بلادنا تحققت الحرية لكن يبدو ان المنافسة الديمقراطية غلب عليها الصراع وادوات الصراع وليس امامنا سوى المضي قدما في الاستثمار في الحرية والديمقراطية. أما فيما يتعلق بالجانب التنموي اوضح العريض ان جوهر هذا التحدي هو النماء الاقتصادي لكن تأزيم الوضع الاجتماعي يسهم في انكماش الاستثمار.
وفيما يتعلق بالجانب الامني موضوع محاضرته التي نظمها مركز دراسة الاسلام والديمقراطية قال العريض إن دول شرق اوروبا صبت جهدها طيلة سنوات ثلاث بعد ثوراتها في البناء التنموي عكس دول الربيع العربي التي برز فيها التحدي الامني بشكل اكثر من متوقع ربما في بروز مفاجئ لما كان يخبئوه الاستبداد واشار الى ان المؤسسات الامنية في دول الربيع العربي خرجت منهكة وان الجهاز الامني في تونس حملت عليه مجمل الانتهاكات التي مورست على الشعب في السابق وهي ايضا عانت من الاستبداد السابق اصلاحها اليوم يواجه كيفية التوفيق بين بسط الامن بما تعنيه الكلمة من استنفار لكامل الرصيد البشري في ادارة الشان اليومي والاسبوعي لضبط الامن العام في وضع منفلت وبناء مشروع اصلاحي فيه تكوين وتدريب وهذا أمر صعب لأن رجال الامن يواجهون ضغطا نفسيا في العمل وهم يعملون لساعات طويلة. حول كيفية الجمع بين المهمتين مهمة الاصلاح والتطوير «وضبط الامن في وضع منفلت قال العريض إن الامر يحتاج مراعاة جملة من المسائل اولها الجمع بين المهمتين وثانيها الاخذ بعين الاعتبار بجدية التهديدات الارهابية في المنطقة مع تنامي خطر الشبكات الارهابية في المحيط واستدراج الشباب للارهاب وثالثها التدرج في الاصلاح والتطوير حتى لا يحصل الارتباك وكي تظل المؤسسة الامنية قادرة دوما على ضبط الامن العام وآخرها التخطيط الاستراتيجي.
إصلاحات وخطوات قادمة
كما قال إن الداخلية مضت في جزء من الاصلاحات وهي تنتظر في خطوات أخرى تحتاج أكثر وضوحا مؤكدا ان رجل الامن اليوم يحتاج الى عقيدة او رسالة يتشبع بها ويكون عنوانها حماية الوطن والمواطن تنفيذ القانون في كنف من الحياد واحترام الانسان واحترام حرمته الجسدية وهذا هو، بحسب علي العريض، مطلب الحرية والكرامة الذي جاءت به الثورة. واعتبر العريض ان مطلب الاصلاح والتطوير يجب ان يشمل قطاعات أخرى من ذلك الاعلام على اعتبار ان الانظمة اعتمدت على ثالوث الامن والقضاء والاعلام لاستمرار الاستبداد. وابرز ان الداخلية تريد التنصيص على رسالة الامن في الدستور وفي هذا الاطار، حسب قوله، يندرج مشروع الوزراة لاعداد مدونة سلوك لرجل الامن واشباع الجهاز الامني بهذه الرسالة بالاضافة الى الاصلاح الهيكلي والقانوني من خلال مراجعة القوانين ثم مساعدة النقابات كي تكون شريكة للادارة في كل ما يمثل الامن.
قوانين وشفافية
وذكر العريض انه يجري اعداد قوانين جديدة للاصلاح لدعم الشفافية والرقابة الداخلية والخارجية من الامنيين وغير الامنيين كي تكون وزارة الداخلية خاضعة للشفافية تكون تصرفاتها مقننة. كما قال ان الاصلاحات ستشمل أيضا الانتدابات من خلال اختيار اشخاص يكونون قادرين على اعطاء المثال كرجال امن بالاضافة الى الاصلاح على مستوى العلاقة مع المجتمع المدني ومع الاعلام ومع المنظمات الدولية التي لها قدرة على التأثير واصلاح البنية الاساسية للثكنات والمراكز والمطاعم والمبيتات وغيرها من التفاصيل الخاصة بالطاقم الامني.
وتحدث أيضا عن الاصلاحات في رعاية الافراد والاحاطة الصحية والاجتماعية والسكنية والنفسية الخاصة بسلك الامن وعائلات رجال الامن. وختم محاضرته بالقول «نحن واعون تماما بأن الشعب يريد الحرية والتنمية والامن ونحن عازمون على المضي قدما في الاصلاح وعلى التعاون مع منظمات المجتمع المدني التونسي والمنظمات الدولية ونأمل أن لا تؤدي المنافسة بين الاحزاب الى تآكل داخلي وأن تبقى مصلحة البلاد فوق كل اعتبار».
بعد المحاضرة رد علي العريض على مجموعة من الاسئلة وجهت اليه من الحضور، ناشطون في المجتمع المدني وإعلاميون وغيرهم، باقتضاب ليقر بأنه ليس خبير أسلحة ليفهم طبيعة السلاح المستخدم ضد المحتجين في سليانة قائلا مضيفا ان الوضع الامني في سليانة حاليا عادي ويتدرج نحو الاستقرار ما بعد الاتفاق مع اتحاد الشغل ونريد ان يفهم الجميع بان الجهاز الامني لا مشكلة لديه مع المواطن بل لديه اشكال مع العنف وبالتالي الاشكال ليس مع اهالي سليانة الذين عاشوا الحرمان ومن حقهم المطالبة بالتنمية لكن المشكل مع من يمارس العنف هناك عناصر وجدت غطاء وتشجيعا تحت عنوان الصدام الصدام حتى يسقط النظام والامن يبدأ عادة بالحوار ثم يستخدم الغاز المسيل للدموع وحين علمت باستخدام الرش وانه تم نقل الكثيرين إلى المستشفى طلبت وقف ذلك ففسروا لي بانه تم استخدامه تجنبا لاستخدام الرصاص الحي والامر اليوم محل دراسة وتقييم. وأكد ان المؤسسة الامنية بعد الثورة اهتزت معنويا وماديا «ونحن نريد اليوم عودة الامور الى مؤسسات محترمة ومهابة وغير متغولة على المجتمع».
العريض والاستقالة
توجهت «الشروق» بسؤال الى وزير الداخلية عقب انتهاء محاضرته حول تفكيره في الاستقالة استجابة للمطالب المتكررة من قبل المعارضة حول ما اعتبروه تقصيرا امنيا في العديد من الاحداث التي عرفتها البلاد على غرار أحداث 9 أفريل وحادثة السفارة الامريكية في 14 سبتمبر واحتجاجات سليانة .. غير ان السيد وزير الداخلية فضل عدم الرد على هذا السؤال.