«غواص في بحر النغم».. هذا هو البرنامج الشهير الذي كان يقدمه الراحل عمار الشريعي عبر موجات الإذاعة المصرية على مدى سنوات، «الشريعي» الذي رحل عن عالمنا صباح أمس الجمعة، بعد صراع طويل مع المرض ترك وراءه إرثا فنيا حافلا لن تنساه المكتبة الموسيقية المصرية والعربية، حيث لحن خلال مسيرته الفنية موسيقى 50 فيلماً من أشهر الأفلام العربية، و150 عملا تليفزيونيا وما يزيد على 20 عملاً إذاعياً، فضلا عن 10 مسرحيات غنائية. قبل يومين من رحيله تطورت الحالة الصحية لعمار بسبب تعرضه مؤخرا لبعض مضاعفات مرض الكلى، فضلا عن معاناته من الضغط والسكري، ما استدعى نقله لمركز الكلى، طبقا لتعليمات الأطباء المعالجين له، حيث قرروا إجراء غسيل كلوي له بصفة مستمرة.
رحلة طويلة
ولد عمار الشريعي في 16 أفريل عام 1948 م، في مدينة سمالوط إحدى مراكز محافظة المنيا بصعيد مصر، ودرس بمدرسة المركز النموذجى لرعاية وتوجيه المكفوفين، وحصل على ليسانس الآداب، قسم لغة إنجليزية، كلية الآداب، جامعة عين شمس، عام 1970، ودرس التأليف الموسيقي عن طريق مدرسة هادلي سكول الأمريكية لتعليم المكفوفين بالمراسلة، والتحق بالأكاديمية الملكية البريطانية للموسيقى. وتلقى الشريعي علوم الموسيقى الشرقية على يد مجموعة من الأساتذة الكبار بمدرسته الثانوية في إطار برنامج مكثف أعدته وزارة التربية والتعليم خصيصاً للطلبة المكفوفين الراغبين في دراسة الموسيقى، وخلال فترة دراسته، وبمجهود ذاتي، أتقن العزف على آلة البيانو والأكورديون والعود ثم أخيراً الأورغ. بدأ حياته العملية عام 1970 م عقب تخرجه من الجامعة مباشرةً كعازف لآلة الأكورديون في عدد من الفرق الموسيقية التي كانت منتشرة في مصر آنذاك، ثم تحول إلى الأورغ، حيث بزغ نجمه فيها كأحد أبرع عازفي جيله، واعتبر نموذجاً جديداً في تحدى الإعاقة نظراً لصعوبة وتعقيد هذه الآلة واعتمادها بدرجة كبيرة على الإبصار.
جوائز عربية ودولية
واتجه إلى التلحين والتأليف الموسيقي، حيث كانت أول ألحانه «إمسكوا الخشب» للفنانة مها صبري عام 1975، وزادت ألحانه عن 150 لحناً لمعظم مطربي ومطربات مصر والعالم العربي. تميز في وضع الموسيقى التصويرية للعديد من الأفلام والمسلسلات التليفزيونية والإذاعية والمسرحيات والتي نال معظمها شهرة ذائعة، وحصل العديد منها على جوائز على الصعيدين العربي والعالمي. وكون فرقة «الأصدقاء» في عام 1980، والتي كانت تضم منى عبد الغنى، وحنان، وعلاء عبد الخالق، وقد حاول من خلالها مزج الأصالة بالمعاصرة وخلق غناء جماعي، حيث يتصدى لمشاكل المجتمع في تلك الفترة.
واهتم اهتماماً كبيراً بأغاني الأطفال فقام بعمل أغاني احتفالات عيد الطفولة تحت رعاية السيدة سوزان مبارك لمدة 12 عاماً متتالية، وشارك في هذه الأعمال مجموعة من كبار الممثلين والمطربين مثل عبد المنعم مدبولي، نيللي، صفاء أبو السعود، لبلبة، عفاف راضي. وقد أولى اهتماماً كبيراً لاكتشاف ورعاية المواهب الجديدة مثل منى عبد الغنى، حنان، علاء عبد الخالق، هدى عمار، حسن فؤاد، ريهام عبد الحكيم، مي فاروق، أجفان الأمير، آمال ماهر، وحديثاً أحمد علي الحجار، سماح سيد الملاح.
فنان ملحمة أكتوبر
«الشريعي» تولى منذ عام 1991 وحتى عام 2003 وضع الموسيقى والألحان لاحتفاليات أكتوبر التي تقيمها القوات المسلحة المصرية بالتعاون مع وزارة الإعلام، والتي تعتبر ذروة احتفالات جمهورية مصر العربية بانتصارات أكتوبر، والتي قامت تحت رعاية وحضور الرئيس المصري السابق محمد حسنى مبارك، وعين أستاذاً غير متفرغ بأكاديمية الفنون المصرية في عام 1995 م. تناولت أعماله العديد من الرسائل العلمية لدرجتي الماجستير والدكتوراه في المعاهد والكليات الموسيقية حيث بلغت 7 رسائل ماجستير و3 رسائل دكتوراه من مصر في كلية التربية الموسيقية، وجامعة حلوان، وكلية التربية النوعية، وجامعة القاهرة، ومعهد الموسيقى العربية بأكاديمية الفنون، ورسالة دكتوراه من جامعة السوربون بفرنسا. وتجاوز عدد أعماله السينمائية 50 فيلماً، وأعماله التليفزيونية 150 مسلسلاً، وما يزيد على 20 عملاً إذاعياً، وعشر مسرحيات غنائية استعراضية.
ومن أشهر أعماله الموسيقية في الأفلام: الشك يا حبيبي. البريء. البداية. حب في الزنزانة. أرجوك أعطني هذا الدواء. أيام في الحلال. آه يا بلد. كتيبة الإعدام. يوم الكرامة. حليم. وأشهر المسلسلات: الأيام. بابا عبده. أديب. النديم. وقال البحر. دموع في عيون وقحة. رأفت الهجان. عصفور النار. أرابيسك. العائلة. الراية البيضا. الشهد والدموع. زيزينيا. الأمير المجهول. ذو النون المصري. بين السرايات. امرأة من زمن الحب. أم كلثوم. حديث الصباح والمساء. أوبرا عايدة. بنات أفكاري. البر الغربي. حدائق الشيطان. العندليب. محمود المصري. أحلام عادية. ريا وسكينة. بنت من شبرا.