بِدَاخِلِ كلّ إنسان ،على الأرجح، حنين فطري إلى الخيال المجنّح والأسطورة يتغذّى من زيف الواقع، وسواده .لذلك ملأ شعب «المايا»الدنيا وشغل الناس في الأيام الأخيرة بنبوءة كان علماء الطبيعة على قناعة ببطلانها ،وابتعادها عن المنطق والحقيقة.لكن ، بسرعة مدهشة، التقط كثير من هواة الخيال والأساطير هذه النبوءة العجيبة ليسافروا في الزمن ،وليوسعوا أفق التحليق في العالم الآخر المكفّن بالأسرار والمخاوف. لقد تراءى لهذا الشعب المتسربل بِعَبَقِ الأسطورة في عذريتها وسحرها، أنّ نهاية العالم ستكون يوم الجمعة21 ديسمبر. وعلى هذا النحو فأنا على حدّ زعم شعب «المايا» العظيم أكتب هذه البطاقة الآن من العالم الآخر.إذن ، هي فرصة ثمينة أتاحها شعب «المايا» لهواة ما وراء الحياة كي يكتشفوا أسرار هذا العالم وخباياه ،وهم أحياء!!.
في أمريكا اللاتينية مهبط الحكايا والأساطير، استغلّت عديد الدول هذه الأسطورة اقتصاديّا. وحوّلتها إلى حملة دعائية سياحية أنعشت الفنادق ،ومكنّت الحالمين باكتشاف أسرار العالم الآخر من الرّحيل مجازا دون أن يكون الموت بوابة الكشف الوحيدة. وبات شِبْهَ أكيد، أنّ الرغبةَ في اكتشاف علامات نهاية العالم،والحُلْمَ بإطلالة على يوم القيامة عن قرب، مبثوثان في كلّ شبر من الكرة الأرضية ،وموزّعان بين البشر على قَدْرِ ذكاء الأمم، وإسهاماتها في تطوير العقل البشري علمًا وتقنيةً. لقد فات شعب «المايا» أنّنا في تونس شهدنا بعض علامات نهاية العالم، بعد أن أشبعنا سياسيو البلاد من «زقّوم» النفاق والخداع، وبعد أن اغتصبوا ثورة الفقراء والجياع، وصادروها، ليحوّلوها إلى أصل تجاريّ نجحوا في تثبيته في السجلّ العقاري في غفلة من الشعب الحزين على ضياع ثروته. وقد أرادت نائبة في المجلس التأسيسيّ،بحثا عن تشجيع السياحة الافتراضيّة، أن نعيش بعضا من فصول نهاية العالم بطريقة طريفة وميزة. فاقترحت على التونسيين من الشمال إلى الجنوب ،ومن الشرق إلى الغرب أن يبنوا دُورًا للشهداء في كلّ مدينة حتّى يجتمعوا، ويناقشوا أوضاعهم، وظروفهم المعيشيّة تحت الأرض ويحتفلوا سنويّا بذكرى استشهادهم!!
وفي انتظار صدور الأوامر الترتيبية التي تبيّن كيفية بعث الشهداء من قبورهم، وإعداد مواكب نقلهم، وحمايتهم عند الاجتماع خشية تناسخ الأرواح، يظلّ الحلم برؤية هؤلاء الشهداء وهم يعودون ملوّحين بعلامات النصر على التراب ،والنسيان علامة من علامة الساعة القريبة !!.
وإذا كان شعب «المايا» قد حدّد تاريخا لنهاية العالم اتضح أنّه وهم، فإنّ التونسي يريد أن يبدّد الأوهام،وأن يعرف تاريخا محدّدا للانتهاء من كتابة أغلى دستور في العالم. ويريد أيضا أن يطمئنّ على تحديد تاريخ واضح لانتخابات بدت وكأنّها بحاجة إلى مُفْتٍ يقرّ شرعيتها،ويؤكّد أنّها حلال !! وإذا صدق أنّ من علامات الساعة ظهور «المسيح الدجّال» فليس أدلَّ على اقتراب الساعة من هذه الأيام التي ظهر فيها أكثر من دجّال سياسيّ أعور الرأي والبصيرة يخادع الناس بمعسول الكلام، ويروغ عنهم واهما أنه فاز بلذّة مخادعتهم في مخادعهم الآمنة.
لقد كُتِبَ على هذه الأرض الطيبة أن يظهر فيها كلّ ربع قرن دجّال يحترف الكذب،و يبيع الوهم في سوق الكساد ليختفي انتظارا لآخر يغيّر الأسلحة لكنّه يحدّد بدقة مكمن الطعن.وحَكَمَ القَدَرُ على أهلها بأن ينتظروا ،في صبر مفروض، نهايةَ العالم كي يتخلّصوا من براثن جلاديهم. يبدو أنّ للأسطورة سحرَها وعبقها مهما انتصر العلم وتبجّح ...ويبدو أن عالم السياسة يتغذّى من هذه الأوهام والأساطير التي يصدّقها البسطاء بطيبة ،وغباء،ويوظّفها السياسيون، سارقو الأمل، بصلف وازدراء.
نقول لشعب «المايا» لا تحزن لعدم تحقق النبوءة ...الموت قادم على مهل... وعندها تستوي كلّ النهايات...لَكِنْ كَمْ مواعيد مع الفرح ستخلفها الشعوب التواقة إلى الحريّة ،وتبكيها بدموع تائهة على قارعة التاريخ الذي لا يرحم..