كاتب الدولة لدى وزير الفلاحة: اعداد خطة عمل بكافة الولايات لتفادي توسع انتشار الحشرة القرمزية ( فيديو )    انس جابر تغادر بطولة مدريد من الربع النهائي    اسقاط قائمتي التلمساني وتقية    عين دراهم: إصابات متفاوتة الخطورة في اصطدام سيارتين    الحكومة تبحث تقديم طلب عروض لانتاج 1700 ميغاواط من الطاقة النظيفة    تأخير النظر في قضية ما يعرف بملف رجل الأعمال فتحي دمّق ورفض الإفراج عنه    كمال دقّيش يُدشن مركز إقامة رياضيي النخبة في حلّته الجديدة    باقي رزنامة الموسم الرياضي للموسم الرياضي 2023-2024    القصرين: ايقافات وحجز بضاعة ومخدرات في عمل أمني موجه    تراجع عدد الحوادث المسجلة ولايات الجمهورية خلال الثلاثي الأول لسنة 2024 بنسبة 32 %    طلبة معهد الصحافة في اعتصام مفتوح    بمناسبة عيد الشغل: الدخول إلى المتاحف والمواقع الأثرية مجانا    هذه تأثيرات السجائر الإلكترونية على صحة المراهقين    على متنها 411 سائحا : باخرة سياحية أمريكية بميناء سوسة    نجلاء العبروقي: 'مجلس الهيئة سيعلن عن رزنامة الانتخابات الرئاسية إثر اجتماع يعقده قريبا'    القبض على شخص يتحوّز بمنزله على بندقية صيد بدون رخصة وظروف لسلاح ناري وأسلحة بيضاء    الليلة: أمطار غزيرة ورعدية بهذه المناطق    صفاقس: اضطراب وانقطاع في توزيع الماء بهذه المناطق    قفصة: تواصل فعاليات الاحتفال بشهر التراث بالسند    تحذير رسمي من الترجي التونسي لجمهوره...مالقصة ؟    الترجي الرياضي: نسق ماراطوني للمباريات في شهر ماي    تحذير من برمجية ''خبيثة'' في الحسابات البنكية ...مالقصة ؟    بنزرت: حجز أكثر من طنين من اللحوم    وزيرة النقل في زيارة لميناء حلق الوادي وتسدي هذه التعليمات..    سوسة: حجز كمية من مخدر القنب الهندي والإحتفاظ بنفرين..    أسعار لحم ''العلوش'' نار: وزارة التجارة تتدخّل    عاجل/ "أسترازينيكا" تعترف..وفيات وأمراض خطيرة بعد لقاح كورونا..وتعويضات قد تصل للملايين..!    مختص في الأمراض الجلدية: تونس تقدّمت جدّا في علاج مرض ''أطفال القمر''    يوم 18 ماي: مدينة العلوم تنظّم سهرة فلكية حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشّمس    مدينة العلوم بتونس تنظم سهرة فلكية يوم 18 ماي القادم حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشمس    خبراء من الصحة العالمية يزورون تونس لتقييم الفرص المتاحة لضمان إنتاج محلي مستدام للقاحات فيها    اتصالات تونس تفوز بجائزة "Brands" للإشهار الرمضاني الأكثر التزاما..    عاجل/ تلميذ يعتدي على أستاذته بكرسي واصابتها بليغة..    إحداث مخبر المترولوجيا لوزارة الدفاع الوطني    الحماية المدنية: 18 حالة وفاة خلال ال24 ساعة الأخيرة    فرنسا تشدد الإجراءات الأمنية قرب الكنائس بسبب "خطر إرهابي"..#خبر_عاجل    زيادة ب 14,9 بالمائة في قيمة الاستثمارات المصرح بها الثلاثي الأول من سنة 2024    تونس: تفاصيل الزيادة في أسعار 300 دواء    هام/ هذا موعد اعادة فتح معبر رأس جدير..    تفاقم عدد الأفارقة في تونس ليصل أكثر من 100 ألف ..التفاصيل    بطولة إيطاليا: جنوى يفوز على كلياري ويضمن بقاءه في الدرجة الأولى    عاجل : الأساتذة النواب سيتوجّهون إلى رئاسة الجمهورية    هدنة غزة.. "عدة عوامل" تجعل إدارة بايدن متفائلة    مفاوضات الهدنة بين اسرائيل وحماس..هذه آخر المستجدات..#خبر_عاجل    توزر...الملتقى الجهوي للمسرح بالمدارس الاعدادية والمعاهد    صدر حديثا للأستاذ فخري الصميطي ...ليبيا التيارات السياسية والفكرية    في «الباك سبور» بمعهد أوتيك: أجواء احتفالية بحضور وجوه تربوية وإعلامية    الخليدية .. أيام ثقافية بالمدارس الريفية    محاكمة ممثل فرنسي مشهور بتهمة الاعتداء الجنسي خلال تصوير فيلم    الاحتفاظ بالمهاجرة غير النظامية كلارا فووي    درة زروق تهيمن بأناقتها على فندق ''ديزني لاند باريس''    قيس الشيخ نجيب ينعي والدته بكلمات مؤثرة    جائزة مهرجان ''مالمو'' للسينما العربية للفيلم المغربي كذب أبيض    ثمن نهائي بطولة مدريد : أنس جابر تلعب اليوم ...مع من و متى ؟    انطلاق فعاليات الدورة السادسة لمهرجان قابس سينما فن    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور أبو لبابة حسين في منتدى الاثنين - مصطلح الإسلام السياسي خاطئ ... ولا وجود لرجال دين في الإسلام
نشر في الشروق يوم 24 - 12 - 2012

«المنتدى» فضاء للتواصل مع قراء الشروق بصيغة جديدة ترتكز على معرفة وجهات نظر الجامعيين والأكادميين والمثقفين حيال مختلف القضايا والملفات ووفق معالجات نظريّة فكريّة وفلسفيّة وعلميّة تبتعد عن الالتصاق بجزئيات الحياة اليوميّة وتفاصيل الراهن كثيرة التبدّل والتغيّر ، تبتعد عن ذلك إلى ما هو أبعد وأعمق حيث التصورات والبدائل العميقة إثراء للمسار الجديد الّذي دخلته بلادنا منذ 14 جانفي 2011.

اليوم يستضيف «المنتدى» فضيلة الأستاذ الدكتور أبولبابة حسين رئيس جامعة الزيتونة سابقا صاحب الاطلاع الواسع على نشاطات المؤسسات الدينية في العالم الإسلامي وخاصة في تونس ومصر والخبير المختص في مختلف ضروب الفكر الإسلامي وتفريعاته الاجتهادية والفقهية ، وما تعيشه المنطقة العربية اليوم من تحولات تستدعي معرفة أراء الدكتور ابو لبابة حسين خاصة في ظل توسع قاعدة المشاركة السياسية للتيارات الإسلامية وغلبة المنحى الديني على ربيع الثورات العربية.

وقد سبق للمنتدى أن استضاف كلا من السادة حمادي بن جاب الله وحمادي صمّود والمنصف بن عبد الجليل ورضوان المصمودي والعجمي الوريمي ولطفي بن عيسى ومحمّد العزيز ابن عاشور ومحمد صالح بن عيسى وتوفيق المديني وعبد الجليل سالم ومحسن التليلي ومحمود الذوادي ونبيل خلدون قريسة وأحمد الطويلي ومحمد ضيف الله والمفكر العربي الافريقي رشاد أحمد فارح وإعلية العلاني وجمال بن طاهر وجمال الدين دراويل وكمال عمران وجمعة شيخة الّذين قدموا قراءات فكريّة وفلسفيّة وسياسيّة معمّقة للأوضاع في بلادنا والمنطقة وما شهدته العلاقات الدولية والمجتمعات من تغيّرات وتحوّلات.

وبإمكان السادة القراء العودة إلى هذه الحوارات عبر الموقع الإلكتروني لصحيفتنا www.alchourouk.com والتفاعل مع مختلف المضامين والأفكار الواردة بها.
إنّ «المنتدى» هو فضاء للجدل وطرح القضايا والأفكار في شموليتها واستنادا إلى رؤى متطوّرة وأكثر عمقا ممّا دأبت على تقديمه مختلف الوسائط الإعلاميّة اليوم، إنّها «مبادرة» تستهدف الاستفادة من «تدافع الأفكار» و«صراع النخب» و«جدل المفكرين» و«تباين قراءات الجامعيين والأكادميين من مختلف الاختصاصات ومقارباتهم للتحوّلات والمستجدّات التي تعيشها تونس وشعبها والإنسانيّة عموما اليوم واستشرافهم لآفاق المستقبل.

وسيتداول على هذا الفضاء عدد من كبار المثقفين والجامعيين من تونس وخارجها ، كما أنّ المجال سيكون مفتوحا أيضا لتفاعلات القراء حول ما سيتمّ طرحه من مسائل فكريّة في مختلف الأحاديث (على أن تكون المساهمات دقيقة وموجزة في حدود 400 كلمة) وبإمكان السادة القراء موافاتنا بنصوصهم التفاعليّة مع ما يُنشر في المنتدى من حوارات على البريد الالكتروني التالي:
[email protected].

• كيف تنظرون الى ما تشهده المنطقة العربية من أحداث تحت مسمى ثورات الربيع العربي ؟

تُعدّ ثورات الربيع العربي نقلة نوعيّة في حياة الأمّة العربيّة وتحولاً مشهوداً في حياة المنطقة كلّها. ولقد اندلعت هذه الثورات نتيجة تدهور واضح للأوضاع الاقتصادية ونتيجةً لما وصل إليه المواطن العربي من الخصاصة والإحساس بالغَبنِ في الوقت الذي يرى فيه حكامه يُبَدِّدون أموال الأمّة ويُفسدون في الأرض. وإلى جانب هذه الخصاصة والبطالة عانى المواطن العربي الكثير من الظلم والقهر والقمع الذي كانت تمارسه السلطات الجاثمة على صدره وبدون إرادته ولا تفويضهِ. وقد رأى المواطن العربيّ أنّ بلاده تُحكم بقبضة حديديّة يمارسها الحاكم المستبّد الذي لا يرى في شعبه إلاّ قطيعاً يسوقه حيث شاء، وممَّا دفع هذا المواطنَ المبتلي بهذه النُظُم الظالمة إلى الثورة استيلاءَ حكامَه على كلّ مؤسسات الدّولة وحوّلوها إلى أداة للضغط على المواطن وإذلاله وإهانته.

وممّا حزّ في نفس المواطن العربي وأثّر فيه أثراً بعيداً محاربة السُّلط دينَهُ وعقيدته وسعيها الدائم لتشويه هُويّته، وحوّلوا مؤسّسات الدولة إلى فضاءات تُمارسُ فيها كلُّ النشاطات التي تعادي دين الشعب، وكخطوة خطيرة في مخطّط تجفيف منابع التديّن أغلقت السلطة الحاكمة المتعلمنة جامع الزيتونة الذي كان منارة تُشِعُّ بالعِلم والإيمان و تحفَظْ لتونس ولبلاد المغرب العربي وحتَّى غرب إفريقيا وشائج قربها من إسلامها ولغة قرآنها وسنّة نبيّها. كما أنّ تَصْفية مُمتلكات الأوقاف والتفريط في أموالها ترك أثراً سلبياً على أوضاع البلاد عامّة ومؤسّسات العبادة والدِّراسة الدينيّة الأثر البعيد وما تعرّض له الشعب التونسي بالخصوص من دعوة ظالمة إلى الاستهتار برُكنٍ مقدّس من أركان الدِّين وهو صوم رمضان المعظّم جعلَه يؤمن إيماناً جازماً بأنَّ حاكمه يُعَادي الإسلام جهاراً في النهار غير عابئ بعواطف شعبه ولا بعقيدته وإلاّ لما اجترأ على إغلاق جامع الزيتونة وتصفية الأوقاف وإبطال المحاكم الشرعيّة والدّعوة إلى إفطار رمضان والاستهتار بالكثير من المعجزات التّي تحدّث عنها القرآن العظيم ومعاداة الأحكام الكثيرة التّي سطّرها ربّ العباد للعباد.

فكلّ هذه الأوضاع حرّكت في الشعب التونسي روح الانتفاضة على حاكمهِ حتَّى يتخلَّص من رِبقَةِ هذا الظلم والعدوان والاستهتار، فكانت ثورة الحريّة والعدالة والكرامة، التي أطلقت شرارة ثورات الشعوب العربيّة، نسجًا على منوال ما بذله الشعب التونسيّ من تضحيات.

• كتبتم عن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وأثرها على الثورة التونسية، ما هي الحلول لتلك المشكلات؟

إنّ الأوضاع الاقتصاديّة والاجتماعيّة كان لها الأثر البعيد في اندلاع الثورة إلاّ أنّ إحساس الشعب بالضَيْم والتضييقِ لدرجة قطع الأنفاس على أداء شعائرهِ الدينيّة، وشعوره بأنَّ حكّامه علمانيّون إن لم نقل لائكيُّون جعل الشعب ينتفض انتقاما لهّويته العربيّة الإسلاميّة ولدينهِ الذي هو كينُونَتُهُ ووُجودهُ وعنوان شرفه وعزّته التّي لا يجوز التهوين منها ولا التفريط فيها لأنّ الله ورسوله عند المسلم المؤمن أحبّ إليه ممّا سواهما من الآباء والأمهّات والأبناء والأموال والمناصب وغير ذلك.
بالإضافة إلى ذلك إحساس هذه الشعوب الثائرة بالمرارة جرّاء عمالة حكّامها للصهاينة وللغرب المُتَصَهين، فقد فرّطوا في كرامتهم وباعوا مُقَدّرات شعوبهم وأضحوا خَدماً للقوى الغربيّة ورعاةً لمصالحهم، فكانت الثورة الدواء الذي لا مناص منه لهذا الداء الوبيل خيانة الأوطان والاستهانة بالدِّين والتفريط في عزّة الشعوب وكرامتها وثرواتها معا.

أمّا الحلول لهذه المشكلات فهي تنصيب حُكام بإرادة شُعُوبهم يسعون لمرضاة الله أولاً ثمّ مرضاة شعوبهم فلا ينهبون ثروات أوطانهم ولا يدوسون على مقدّسات شعوبهم ولا يستهينون بمقوّمات الهُويّة التي تشكّل كينونة الشعوب العربيّة وطابعها المميّز. وينبغي أن يسعى هؤلاء الحكام ليلاً نهاراً للذود عن مصالح أوطانهم والأخذ بيد شعوبهم حتَّى يُوفّروا العمل الشريف المناسب للعاطلين ويشبعوا حاجات المحتاجين ويحققوا للمواطنين الحريّة والكرامة والإحساس بالعزّة جراء تعامل قادتهم مع دول الأرض الأخرى بالنِّدِّية وتحقيق النفع المتبادل وعلى قدم المساواة.

أمّا آليات نجاح هذه الحلول فكثيرة من أهمِّها توظيف أصحاب الخبرات الاقتصاديّة والاجتماعيّة والسياسيّة.. من أبناء الوطن الذين تتوفّر فيهم إلى جانب الخبرة تقوى الله والإخلاص والإيثار وحبِّ الوطن حبّاً يحول بينه وبين خيانتِه والتفريط في كرامتِه وعزَّتِهِ وثرواته ومصالح أبنائه.

• انتم على اطلاع على الواقعين التونسي والمصري، ما هي أوجه الشبه في ما يجري في البلدين؟

إنّ العراقيل التي تواجهها الثورة في تونس تشبه كثيراً تلك التي تواجهها الثورة في مصر، فاليسار المستكبر المستقوي بالغرب المتصهين وبعض قوى الإعلام المتعلمن في كلا البلدين يقف موقف العداء من هاتين الثورتين ويحاول بكلّ البُهتانِ والكذب تشويههُما وتشويه الثُّوار لا سيما الإسلاميين وقد أطلق بعضُ الدّارسين على هذه التيارات المناوئة «الآتاتوركيّة» يديرها يساريون وفلول النظام المُطَاح به في كلا البلدين تونس ومصر، فهم يسعون إلى إشعال التوتر وتأجيج الحرائق مستغلين حاجة الشعب وفقره في كلا البلدين ورغم التنازلات العديدة التي قدّمها الإسلاميون في كلّ من تونس ومصر إلاّ أنّ الأتاتوركيين أبَوا إلاَّ الفتنة والخراب وتثبيط الهمم والنيل من رؤوس الدّولة حيث بلغ الإجرام ببعض المندسّين في تونس أن رموا رئيس الجمهوريّة رمز الدّولة ومُمَثّلَ الشعب بالحجارة، كما اتّخذ هؤلاء العلمانيّون خصومُ الدين وأعداء الوطن من النيل من رئيسي الدَّولتين في كلٍّ من تونس ومصر لعبتهم المفضّلة، مع سعيهم الدؤوب لتجرئة السفهاء على رموز السلطة الثوريّة في كلا البلدين.

• وماذا عن نقاط الاختلاف بين واقع البلدين؟

هناك نقاط اختلاف تتمثل في كون مصر بلداً كبيرا مُجاوراً لِدُويلة العدو الصهيوني فيركّز الغربُ كثيراً على ثورتها حتَّى يضمن سلامة ربيبتهم العدوانيّة المغتصبة «إسرائيل»، حيث يُرهبون الشعب المصري باستمرار بتذكيره بأنَّ أمن الصهاينة خطٌ أحمر وأنَّ الغرب بقوّته وعدّته وعتاده وأمواله في خدمة هذا العدو الظالم الذي استولى على أرض شعب بكامله وأَطْرَدَهُ شرَّ طِردَة وقتَّل أبناءه ونساءه ورجاله بل فحتَّى الأجّنة لم تسلم من شرِّه، فكِبَرُ مصر ومكانتها المُتميزة في العالم العربي جعل الصهاينة والغرب المعتدي يتآمر آناء الليل وأطراف النهار لإجهاض ثورة الشعب المصري وتحويلها عن مسارها بدفع عملائهم لسرقة تلك الثورة وإجهاض تطلعاتها وتحويلها إلى كائن مدجَّن يُسيّرونه حيث يشاؤون أمّا تونس فإنّ الغرب يُراهن على متغرّبيها وعلمانيّيها ويساريّيها لكي يشوهُوا صورة الشعب التونسي العربية المسلمة وتحويلها إلى ذنَبٍ تابعٍ للغرب يرى بعينيه ويتنفّس برئتيه ولابدّ هنا من التذكير بأنَّ الغرب وفي مقدّمتهم فرنسا يراهنون بل ويأملون بأن تكون تونس رأس حربة تغريب العالم العربي وجعله نسخة مشوهة من الغرب في تقاليده وعاداته ولغته وأفكاره.وإبعاده عن إسلامه العظيم وعروبته وأصالته.

• البعض لا يُخفي تخوفه من عودة الأنظمة الدكتاتورية تحت جبة الدين؟

لا يصَّحُ اتهام الدِّين بالدكتاتورية لأنَّ الدِّين الإسلامي هو دين الحياة بكلّ ما تحتاجه هذه الحياة من يسرٍ ومُرُونة وتطلُّع نحو الأفضل ومراعاة لمصالح الناس. فالإسلام الدِّين الرباني جاء ليُصلِحَ الفرد والأسرة والمجتمع والأمم على اختلاف أجناسها وألوانها وألسنتها فهو دين الرّحمة ودين التضامن والتوادُد والتحابب دين يعتبر الإنسان الذي يبيت شبعانا وجاره جائع يعتبره غير مؤمن، إذ يوجب عليه أن يرفده ويمدَّه بالعون والمساعدة. وإنّ الدّين الذي يؤمن بالشورى والتعاون والتناصُح، ويرى أنَّ من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض كأنّما قتل النّاس جميعاً، ويرى في الأمر بالمعروف والنهي واجباً ينبغي على الأمّة أفراداً وجماعات أداءه بكلّ مودّة وقوّة وإحسان، ويرى في الظلم أمراً محرّماً وفي أكل أموال النّاس بالباطل أمراً يغضب الله والرسول (ص) وغير ذلك من القيم العليا التي نادى بها الإسلام ودعا إلى تنشئة أبنائه عليها، فكلّ هذه القيم وهذه المثل لا تسمح في الأصل بقيام أنظمة ديكتاتورية، ولقد دعا الخليفة الراشد عمر رضي الله عنه منذ فجر الإسلام الشعب المسلم لمراقبته وتنبيهه إلى أخطائه إن وُجدت وتقويمه ومقاومة كلّ نُكوص أو بُعد عن منهج الإسلام في أخلاقه وأحكامه ونُظُمه، بل فحلّلهم من كلّ التزام بطاعته إن هو عصا الله وخالف كتاب الله وسنّة رسوله، فلو عاد الإسلام لحكم الشعوب الإسلاميّة المُتعطِّشة لحكمهِ لعرفت الأمّة سلماً وأمناً وقوّةً ورخاءً لا نظير له. فهذا التوجّس من ديكتاتورية الدّين المزعومة، وإثارة الخوف من الإسلام يندرج ضمن هذا الأسلوب الشرّير في مقاومة الإسلام الذي تمارسه القوى المتغرّبة المتعلمنة بدعم وتأييد ظاهر وخفيّ من قوى غربيّة وفي مقدّمتهم فرنسا التي ما تزال تعيش على أحلام استعمارها المقيت.

إنّ كلّ ما يثار من مخاوف وتخويف من الإسلام يُعدُّ عدواناً على حقيقة الدِّين واتهاما بالباطل لروح الإسلام السمحة. والذي لا ينبغي أن يخفى على النّاس جميعاً أنَّ الإسلام لا يؤمن بالدّولة الدينية فدولة الإسلام مدنيّة تخضع لإرادة الشعب فهو الذي يختار خليفته أو حاكمه وهو الذي يراقب هذا الخليفة ويحاسبه إن انحرف عن العدل، كما يراقب كلّ تصرفاته الماليّة حتّى لا يقع التفريط في أموال المسلمين وتبذيرها في مُتَع الحُكّام المتسلِّطين وإفسادِ ذمم النّاس ولعلّ ذلك ما جعل خزينة الدّولة المسلمة تسمّى « بيت مال المسلمين» فمن حقّ أيّ مسلم يرى نهباً لأمواله أو تضييعاً لثرواته أو إفساداً لمُدخراته أن يحاسب المفسدين كائناً من كان بداية من الخليفة حتَّى أصغر موظَفٍ في الدّولة.

فالدّين شرّعه الله ليحقق مصالح الناس ويوفر لهم الأمن ويُقيم النظام والعدل والمساواة وليقاوم الدّكتاتوريّة والظلم طالما أنّ الإيمان يحتّل محلا في قلوب المؤمنين سواءً كانوا حكاماً أو محكومين.

• ما هو موقع المؤسسات الدينية ورجال الدين في التحولات الجارية اليوم في المنطقة؟

إنّ عالمنا الإسلامي يعيش أزمة مصطلحات كثيرًا ما يقف وراءها العلمانيون الذين تشرّبوا روح الفلسفات الأجنبية الوافدة، خاصةً الغرب العلماني ومن هذه المصطلحات التي لا تنطبق على الإسلام ورجالاته عبارة «رجال الدّين» فليس للإسلام رجال دين ولكن لهم علماء دين أفنوا أعمارهم في إتقان تخصّصاتهم المختلفة، وهنا لابدّ من الإشارة إلى أنّ عبارة « الدين « لا تعني ذلك المفهوم الضيّق الذي يحاول خصوم الإسلام حصره في الميضات والمحراب وإنّما مفهوم الدّين في الإسلام أوسع من ذلك بكثير فهو يشمل الدنيا والآخرة. فكلّ العلوم والصنائع والحرف والخبرات التي تُصلح الدنيا، هي من الدين وكل العلوم التي تتناول الآخرة وتعلم الناس العقيدة الصحيحة والإيمان الرشيد والعبادة التي لا دروشة فيها ولا فساد كلّ ذلك من الدين فالدّين عند الله الإسلام والإسلام هو الدنيا والآخرة أي هو العلم والصناعة والتجارة والزراعة والسياسة والاجتماع والسلم والحرب وكذلك الإيمان بالله تعالى وباليوم الآخر والرسل والكتب والجنة والنار والقضاء والقدر إلى غير ذلك، فإذا ما وجدت في التاريخ الإسلامي انحرافات وبعدعن روح الإسلام فليس العيب في الدّين وإنمّا العيب في بعض الشذّاذ المنحرفين الذين استولوا على مقدرات الأمّة بالدسائس والاحتيال، فأفسدوا الحرث والنسل فالعدالة التي نادى بها الإسلام وروح المراقبة التي غرسها الإسلام في ضمير المسلم تمنع هذه الخصومات التي أشرْتَ إليها في سؤالك بين السلاطين والملوك والأمراء والعلماء.

نعم إنّ علماء الإسلام يمثلون ضمير الأمة وإنّ إيمانهم بوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإيمانهم بأنّ أفضل الجهاد كلمة حق تقال لسلطان جائر تحملهم على مواجهة الحكّام لردعهم وحملهم حملاً على التزام الحق والعدل، وليس في هذا جريًا وراء حظوظ النفس ولا وراء مصالح خاصة وإنّما يقومون بما يقومون به سعيًا منهم لوضع الدّين في موضعه الصحيح تحقيقا لإرادة الله في الأرض المنصوص عليها في كتاب الله وسنّة نبيه الصحيحة الخليّة عن الهوى.

• لكن التاريخ الإسلامي عرف مثيلا لهيمنة رجال الدين؟

أجدني مضطرًا لتصحيح ما أطلقت عليه في سؤالك «رجال الدّين»!، فهم «علماء دين» إذ ليس لنا في الإسلام كما ألمعتُ في الجواب عن السؤال السابق ليس لنا رجال دين. أمّا دور المؤسسات الإسلامية وعلماء الإسلام في التحوّلات الجارية اليوم في المنطقة العربيّة فينبغي أن يكون دورها طلائعيًا يوجّه الأمّة نحو ما فيه خيرها ويبصّرها بواجباتها وحقوقها ويحذّرها من المخاطر الكثيرة المحدقة بها حتى تنتهي هذه التحولات والثورات إلى النتائج المأمولة وتحقّق ما يُرتجى منها وحتى لا تقع سرقتُها من المغامرين وشياطين الإنس الذين دأبوا على سرقة جهود الشعوب وعرقها وتضحياتها، والذين يسعون إلى إجهاض تطلعاتها وآمالها بما يحيكونه من مؤامرات وينصبونه من فخاخ لصيد ثمار تلك التحولات وحرمان الشعوب من قطف ثمار جهودها في إشعال الثورة ورعايتها والوصول بها إلى الأمل المنشود.

علما بأنّ أغلب المؤسسات الإسلامية وعلماء الدين في البلاد التي قامت فيها الثورات كانوا مبعدين مهمّشين وكانت تلك المؤسسات مضطهدة منهكة نُهبت أموالها وأوقافها وكادت السلط المهيمنة المستبدة أن تحول رجالات تلك المؤسسات إلى متسوّلين إذ حرمتهم من المرتّب المناسب وحقّرت في الوقت نفسه مكانتهم في نفوس الناس ولعلّ من أهداف هذه الثورات إعادة الاعتبار لتلك المؤسسات وتمكينها من أوقافها وإعادة علمائها إلى ما كانوا عليه أيام عزّ الإسلام من مكانة مميّزة وسؤدد وسداد.

• اليوم وكأن هناك تشكلا جديدا للمنطقة العربية والشرق الأوسط ، البعض يقول بأن ما يجري مخطط له من دوائر القرار في الغرب وخاصة أمريكا من اجل تثبيت أركان شرق أوسط جديد؟

بادئ ذي بدء، أريد أن أقول إنّ مصطلح «الشرق الأوسط» مصطلح غريب إذ هو من وضع البريطانيين يوم أن كانت إمبراطوريّتهم لا تغرب عنها الشمس، ويوم أن كانوا بمؤامراتهم ودسائسهم يفرضون إرادتهم ومصالحهم على الناس، ولعل هذه الثورات المباركة تخفف من غَلوَاء هؤلاء المستعمرين وتقلّم أظافرهم فتعود للمنطقة العربية في الشرق والغرب مكانتها وتتحقق مصالحها بإرادة شعوبها لا بتخطيط الغرب الذي يسعى لاستغلال خيرات العالم وتشكيل مناطقه بما يخدم مصالحه التي كثيرًا ما تكون متعارضة مع مصالح الشعوب والأمم الأخرى. ولعل هذه الثورات المباركة تمكّن الشعوب الثائرة من السيطرة على مقدّراتها فتجهض مؤامرات أعدائها الساعية لتقسيم بلادها إلى دويلات تتناطح فيها الطوائف المختلفة وتتصارع فيها الإيديولوجيات المتباينة. فالإسلام يضمن حقوق الجميع، وقد عاشت الطوائف الدينية والجنسية المختلفة في ظل الإسلام في وئام تام حيث حقّقت الحكومات الإسلاميّة للجميع الأمن والسلم والحماية والرخاء. فلو كتب لهذه الثورات الانتصار وكلنا أمل في انتصارها بإذن الله تعالى ولو كتب لأبناء الإسلام أن يحكموا أرضهم وبلادهم فإنّ آمالا كبيرة وواسعة في أن تستعيد المنطقة العربية مكانتها وأن تفرض على الجميع احترامها وأن تحافظ على ثرواتها دون نهب الشركات الغربية التي لا يشبع نهمُها ولا تقنع إلا بإذلال الشعوب وليّ رقاب حكامها وسلاطينها الذين تحوّلوا إلى بيادق في أيدي هؤلاء الغربيين ينفذون لهم كل طلباتهم ولا يردّون لهم أي رغبة مهما كانت مذلة لهم ولشعوبهم.

• في تونس تدخلت المؤسسة الدينية وفي مصر أيضا كان لجامع الازهر دور حتى في الإفتاء لتطورات ومستجدات سياسية، كيف تفسرون انخراط رجال الدين في الحراك والتجاذب السياسي؟ هل هو مشروع؟

أيّ مؤسسة دينية تتحدث عنها في تونس؟ هل أبقى النظام للدين في تونس رسمًا؟! أنت تعرف قيمة دار الإفتاء التي تكاد تنحصر مهمتها في إعلان رؤية هلال شهر رمضان و رؤية هلال شهر شوال! و أيّ قيمة أبقاها للزيتونة التي أغلق المجاهد الأكبر فروعها في كامل تراب البلاد التونسية!؟ والتي قلّص جامعها في كلية كسيحة وهي كلية الشريعة وأصول الدين ليس أمام خريجيها إلا تدريس التربية الدينية تلك المادة التي جعل النظام السابق وجودها من عدمه سواء إذ أصبحت مادةً ضعيفة الضارب فلا يوليها التلاميذ أيّ اعتبار. ومما زاد الطين بلّة أن المجاهد الأكبر فرّط في أموال أوقاف المسلمين التي كانت رديفًا وسندًا للمؤسسات الإسلامية في مختلف البلاد التونسية.

أما مصر فرغم كل ما تعرض له الأزهر الشريف من محاولات تشذيب وتقسيم إلا أنّ غيرة الشعب المصري وفطنة علماء الأزهر جعلت الأزهر الشريف يحافظ على وجوده وقيمته الفاعلة داخل مصر وخارجها بل وعلى نطاق العالم كلّه، بل فإنّ الأزهر في عهد الشيخ الإمام عبد الحليم محمود انتشرت فروعُه على نطاق واسع حتى أنه لم تبق قرية في مصر إلا وفتح فيها فرعٌ لجامعة الأزهر، وإنّ أعضاء هيئة التدريس لجامعة الأزهر اليوم تجاوز عددهم العشرة آلاف بكثير، كما أنّ مشيخة الأزهر لم تفقد حضورها حتى وإن كان حضورًا باهتًا أيام الحكم البائد.

فدور علماء الأزهر وأئمته ودعاته دورٌ مُهم وفعّال في تأطير الثورة وتوجيه مسيرتها نحو ما يحقق للأمّة آمالها ونحو ما يستجيب لطموحات أبناء الشعب المصري الذي يطوق أن يحكم بالإسلام، أما تونس فقد عانت من التصحّر والتجهيل في العلوم الشرعيّة طوال خمسين سنة، ويكفي للتدليل على صدق ما أقول أنّ تونس البلد العربي المسلم ليست فيه كليّة واحدة لتخريج الأئمة الخطباء والدعاة المتمرسين ولهذا نشهد اليوم هذه الفوضى المحزنة التي انتابت جوامعنا ومنابر خطابتنا إذ أصبح «تناول الإسلام» كالكلأ المباح ظنًّا من هؤلاء المتهافتين أن الحديث في شؤون الإسلام والإفتاء في قضايا المسلمين لا يتطلّب إلا الانتساب لهذا الدين وقراءة ما تيسّر من القرآن والفقه. وفي الحقيقة فإنّ الفتوى والتعليم والخطابة .. ينبغي أن ينوء بأعبائها العلماءُ المتخصّصون المتمرّسون حتى نحفظ للدين مكانته وللمنبر هيبته وللجامع أمنه وللعلم سطوته.

وانخراط علماء الإسلام في الحراك السياسي هو واجب وفرض كفاية، إذ لا يجوز بحال أن تُترك الساحة لدعاة العلمانية والحداثة والتغريب ورجالات الإعلام المتفلّت، المناوئين لدين الشعب وتاريخه وحضارته إذ أن مشاركة علماء الإسلام ستحقق التوازن في الساحة وستضمن لثورة الشعب ومسيرته الأمن والسداد على طريق الحق والخير.

• صعدت حركات الإسلام السياسي إلى الحكم في تونس ومصر، هل يمكن لها ان توجد حلا لمعضلة السلطة والحكم في المنطقة العربية والتي لم تعرف الا الهيمنة والتسلط والدكتاتوريات؟

بادئ ذي بدءٍ فإنّ مصطلح «الإسلام السياسي» مصطلحٌ خاطئ فليس هناك إسلام سياسي ولا إسلام يساري أو يميني ولا إسلام تونسي ولا إسلام أوروبي وإنَّما هناك إسلام وكفى ، وهو الدّين القيّم الخاتم لكلّ الأديان الذي أنزله الله تعالى على قلب محمّد بوساطة جبريل بوحي جليٍّ.

ولو أنَّ التيارات العلمانيّة الفاشيّة تَكُفُّ عن وضع العراقيل أمام الحركات الإسلاميّة التي تتبنى الإسلام وتصدُرُ في برامجها عن شريعته فإنّها سوف تحلُّ كلَّ مُعضِلات السلطة والحُكم في المنطقة العربيّة التي ابتُليت بالهيمنة الاستعماريّة وبسُلُطات وطنيّة ديكتاتوريّة مستبدّة تُمارسُ الظلم والإرهاب ضدَّ شُعُوبِها وإنَّه لمُحزنٌ جداً أنّ هذه التيارات المناوئة تتجمّع وتُكوِّنُ كُتلاً سياسيّة مستعدّةً للتعامُل مع الشيطان ومع أعداء الوطن مقابل منع الإسلام من الحكم وإجهاض مشروع الثورة وإبطال تطّلعات الشعوب فزعماء هذه الأحزاب اليساريّة في مصر يسعون لتكوين كتلة واحدة مُناوئة للتيّار الإسلامي تتعاونُ مع أعداء الأمّة العربيّة والإسلاميّة وتستقوي بهم ضدذ إرادة شعوبهم، فهذا عمرو موسى لا يَتَوَرَّعُ عن لقاء « تسيبي لفني» لدَى زيارته لرام الله قبل أسبوعين من عدوان الصهاينة الهمجي الدّموي الأخير على غزّة، بل يُقال إنَّهُ التقى أحد كبار رجال الأعمال الصهاينة..

وكلَّ اتفاق يُنجِزهُ هؤلاء الصهاينة مع القيادات العربيّة يكون لصالح عدوانهم واغتصابهم للأرض المقدّسة وتسخير القيادات العربيّة لتنفيذ تلك الغايات الشريرة.

وهذا قرينه البَرادِعي يعترفُ باتّحاده مع حزب حسني مبارك والفلول لمواجهة المشروع الإسلامي ويتقوّى بِحُشودِ الكنيسة عبّاد الصليب من النَصارى الأقباط لمُحاصرة الرئيس في مقرِّ رئاسته كما أنّ نجيب ساورس القبطي المُتعصّب لا يتورّعُ عن الاستنجاد بأمريكا لكي تمدَّهُ بالمال وحتَّى القوّة للوقوف في وجه الإسلام.

ولا يتورّع البرادعي في حواره مع مجلة «دير شبيغل» الألمانيّة أن يُصّرح بأنّه وزملاءه في تحالفه العلماني قرّروا الانسحاب من الجمعيّة التأسيسيّة لصياغة الدّستور في مصر لانّ من بين أعضائها من يُحرّم الموسيقى والبعض الآخر ينكر محارق اليهود على يد النازي ( الهليكوست) وأضاف إنَّ الشخصيّات الليبراليّة والمسيحيّة يخشى من أن ينجح الإخوان والتيار الإسلامي في أن يُمرّروا مشروع دستور له صبغة إسلاميّة ممَّا يؤدي إلى تهميش حقوق المرأة والأقليّات مؤكداً أنَّ الجمعيّة التأسيسيّة سَتُعيدُ مصر إلى أظلم فترات العصور الوسطى حسب رأيه بل لم يتردّد البرادعي في التحريض على قطع المعونات عن مصر قائلاً للصحيفة الألمانيّة «لا أستطيع أن أتخيّل أنَّ شخصاً يملك مبادئ الديمقراطيّة يمكنه أن يدعم مثل هذا النظام (الإسلامي) على المدى الطويل، ولقد استجاب على الفور وزير الخارجيّة الألماني» جيدو فستر فيله» الذي قال للصحافيين في برلين «إنَّ ألمانيا تعدُّ الوضع السياسي الراهن في مصر مثيرا لقلق بالغ وأضاف أنَّ بلاده تشارك كثيراً من المصريين وأعضاء المجتمع الدّولي مخاوفهم في ضوء الأحداث والقرارات الأخيرة في مصر».

وهذه التصريحات واضحة العداء للإسلام وللوطن المصري تَصدُرُ عن شخص يُريدُ أن يحكم البلاد بهذه الروح المُناوئة لدين الشعب المصري.

وهذا التجمّع بين الأحزاب العلمانيّة المناوئة للمشروع الإسلامي نجد له مثيلا في تونس وهي أحزاب يجمعها العداء للإسلام وقد قال فيها الشعب قولته، إلا أنّها تحاول القفز على عوارها وهزائمها، فتتّحد مع فلول الحزب المنحل ومناضليه، وأطياف اليسار المتنطّع، والحداثيين الذين يناوئون الكتاب والسنّة والسيرة والحضارة الإسلاميّة، ويوحّدهم التبرّم من المشروع الإسلاميّ والعداء لكلّ ما هو إسلام.

ومثلما استصرخ البرادعي الغرب المتصهين دفاعًا عن «الهيلوكوست» نجد في تونس من رموز اليسار المتفلّت من يستعدي فرنسا العلمانيّة على تونس المسلمة، وبكل رقاعة يدعوها للتدخّل دفاعاً عن اللائكيّة في تونس. مستفزًّا حقدها على الإسلام وصليبيتها القابعة في أعماقها.

فالتشابه كبير بين ما يعانيه التيار الإسلامي في كلّ من تونس ومصر من هذا اليسار المتحلّل من كلّ القيم الدينيّة، ومن العلمانيّة المتشبّعة بالإلحاد والعِداءِ للدِّين.

فكلّهم يجتمعون على عداوة الإسلام والتكبّر على شعوبهم، ومُجمعون على وجوب إجهاض المشروع الإسلامي، فَيَفتَعِلون المشكلات ويحرّضون السفهاء على الإسلاميين ويحذّرون الغرب من مخاطر الإسلام الوهميّة، ويُعطِّلون حركة النهوض ويتقوّون على المواطنين والوطن بالقوى العدّوة من صهاينة ومستعمرين وطامعين في ثروات البلاد، إلاّ أنّ إرادة الشعوب المستمدّة من إرادة الله ستنتصر وستنتقمُ لكرامتها ولدينها ولما لحق أوطانها من مستعمريها من تشويه واستنزاف وستقيم مشروعها ذا المرجعيّة الإسلاميّة.

• لكن يبقى السؤال المطروح حول الإسلام ومدنية الدولة؟

إنّ الدّولة الإسلاميّة هي دولة مدنيّة بامتياز فالكلمة الأولى والأخيرة للشعب فهو الذي يختار وينتخب حاكمه ويُبايعه على الالتزام بكتاب الله وسنّة النبيّ (ص) وهو الذي يعزله إذا ما عصى الله وانحرف عن مَهْيَعِ الإسلام الرشيد، والدّولة الإسلامية تقوم سياستها على الشورى والديمقراطيّة وعلى حرية الرأي وحق الاختلاف في حدود الحفاظ على مصلحة البلاد والعباد وفي نطاق ما تضمنه الكتاب العزيز والسنّة النبوية من توجيهات وآراء. فما الخطر على الدّولة إذا حُكمت بالإسلام ونشأت على مبدإ الإسلام فدعوى الخطر إنّما تنشرُه التيارات المُلحدة المتغربة لأنّها تقيس الإسلام على الكنيسة التي أقامت الدّولة الدينيّة وحكمت الشعوب بالإرهاب والابتزاز الذي بلغ برهابينها وقساوستها أن يبيعوا صُكوك الغفران لأتباعهم الذين كانت تسوسهم الكنيسة سياسة الراعي لقطعان الغنم هذه الكنيسة التي حاربت العلم وكبَّلَت الحريات وابتدعت من الآراء والعقائد ما تَنفُرُ منه الفطرة السليمة والعقول الراجحة، فإذا كانت الكنيسة تمثل خطراً على مدنيّة الدّولة فإنّ الإسلام يمثل حامياً لمدنيّة الدّولة وللحريات وللديمقراطيّة ولكلّ ألوان التعدّد والتنّوع الذي يرى فيه الإسلام إثراءً لحضارته وتمدّنه وأؤكدّ أنّ دعوى الخطر المزعوم لا يؤمن به ولا يروّجُ له إلاّ علمانيٌّ أو مُلحد دُهريٌّ لا يؤمن بالإسلام وينكر عالم الغيب كليّة ويرى أنّ حياته تنتهي بموته لهذا تراه يسعى لإرضاء هواه وشهواته واجتناءِ ما يعتبره لذائذ سواءً كانت حلالاً أو حراماً.
وهو أمر يرفضه الإسلام لأنّ الإسلام جعل المسلم شخصيّة متميّزة لها طعمها ولونها ورائحتها الخاصّة وسيماتها المتميّزة.

• كتبتم كثيرا في الرد على الهجمات التي يتعرض لها الإسلام خاصة في نظرته للأسرة والمرأة، كيف تقرؤون تدافع البعض إلى نشر صراع الأديان والحضارات؟

لم يتعرّض مَعْلم من معالم الإسلام ولا حصن من حصونه إلى هجوم ظالم شرس كما تعرّضت له الأسرة المسلمة عامّة والمرأة المسلمة خاصّة، وأوّل من اجترأ على الأمّة بالهجوم على مؤسّسة أسرتها المستشرقون، بعد أن اجترأ إخوانُهم الصليبيون قبل ذلك على أرض الإسلام ومقدّساته في الأرض المباركة، في حروب صليبية دمويّة متوحّشة امتدّت قرابة قرنين من الزمن [1099 1270] ، فكانت جلّ الدراسات والكتابات الاستشراقيّة تقدّم الإسلامَ على أنّه عدوٌّ للمرأة مُجْحفٌ بحقوقها. وظهرت نابتةٌ مُتغرّبة ممّن تخرّجت في محاضن الرهبان وتنتسب للإسلام شكلا فتشرّبتْ حُبّ الغرب وتبنّت مقولاته وتحوّلت إلى مُرَوّج لشبهات أعداء الإسلام ومُدافع عنها على أنّها حقائق لا يأتيها الباطل.

وإنّ روح التعصّب والعداء التي انطلقوا منها في دراسة الإسلام سدّت عليهم منافذ الحكمة والموضوعيّة، فكانت السّمةُ الغالبة على كتاباتهم الهجومَ والتحريض أو التحليل الأعوج، والفهم البعيد عن الحقّ إلى درجة الكذب والبهتان، والاتهام بالباطل، يُوقعهم في كلّ هذه الآثام جهلُهم بحقائق الإسلام وتعاليمه وشريعته وتاريخه، وإسقاطُهم أوضاعَهم وما تُصوّره مرجعيّاتُهم المحرّفةُ على المرأة المسلمة، وخلطُهم الفاضح بين حقائق الشريعة وتصرّفات بعض الجهلة من المسلمين.
وخصومُ الإسلام لا يتركون فرصةً مُواتية أو غير مواتية إلا ويُقْحمون فيها الحديثَ عن المرأة المسلمة إمّا تصريحًا وإما تلميحا، بإسهاب وطول أو بإشارات عابرة ولكنّها معبّرة عمّا تخفيه صدورُهم من حقد، فيُصدرون من خلالها أحكامَهم الظالمة عليها، وهي أحكامٌ مزعجة ومخيفة على ملحظ عالم الأديان الألمانيّ «Kueng» بسبب اعوجاجها، وأخطائها، وبسبب اعتمادهم على مصادر زائفة مشبوهة في مُجملها ككتاب «ألف ليلة وليلة» الذي يصفه ابنُ النديم من رجال القرن الرابع للهجرة بكتاب الحماقة والسيّئات، وكتاب «الأغاني» لأبي الفرج الإصفهاني الذي يقول الخطيب البغدادي من رجال القرن الخامس عن مؤلّفه: «كان أكذب الناس»، والذي كشفتْ دراسةٌ حديثة لوليد الأعظميّ عن شعوبيّته وحقده وفساده. أو اعتمادهم على أخبار واهية ضعيفة بل وموضوعة تسرّبت إلى بعض التفاسير كتفسيري الطبريّ والرازيّ. وقد تكون هذه المصادر استشراقيّة فتصبح المسألة ترديدا لنفس الأخطاء والجهالات التي يُوحي بها بعضُهم إلى بعض.

• إلى ماذا يهدف هؤلاء في اعتقادكم؟

لا أعتقد أن هناك عاقلا واحدا يدور بخلده ولو في الخيال أنّ هؤلاء المستشرقين وأتباعهم من المتغرّبين والعلمانيين واللائيكيين والليبراليين في حملتهم الظالمة على المرأة المسلمة يهدفون إلى النهوض بها ومساعدتها على خدمة المجتمع والإسهام في رُقيّه، فالحقيقة التي لا مراء فيها أنّهم في حملتهم الشعواء هذه يهدفون إلى هدم الأسرة وتدمير المجتمع وجعل المرأة أداة لأهوائهم ونزواتهم، وإبعادها عن رسالتها الحقيقيّة، وإفساد العلاقة بينها وبين الرجل، والتسلّل إلى قلبها لزعزعة ثقتها في الإسلام بتشويه صورة المرأة القدوة التي يريدها الإسلام، بل فإنّ بعض المتغرّبين العلمانيّين ذهب إلى أبعد ممّا سطّره المستشرقون الصليبيون، حتى بلغت بأحدهم شقوتُه وعداوتُه للإسلام أن أطلق وبلا حياء على ما شرّعه الإسلام في شأن المرأة والأسرة « مشروع الاضطهاد «!!

لقد قالوا زورًا وبهتانا إنّ المرأة تمثّل في الإسلام اللعنة، وترمز إلى الخطيئة والدّنس، في الوقت الذي دفع عنها الإسلامُ اللعنة التي ألصقتها بها اليهوديّةُ والنصرانيّةُ، وبرّأها من مسؤولية إخراج آدم من الجنّة وجعلهما معا ضحيّةَ وسوسة الشيطان (فأزلّهما الشيطان عنها فأخرجهما ممّا كانا فيه) [2 البقرة 36]، وسوّاها بالرجل في الإنسانيّة وأصل الخلقة (يا أيّها النّاس اتّقوا ربّكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالا كثيرا ونساء) [4 النساء 1]، وحرّرها من مظلمة الضيق بولادتها ووجودها، ونسب من يَصْدُر منه ذلك إلى السّفه والجهل (وإذا بُشّر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودّا وهو كظيم * يتوارى من القوم من سوء ما بشّر به أيمسكه على هون أم يدسّه في التراب ألا ساء ما يحكمون) [16 النحل 58 ، 59]. كما سوّى بينهما في المسؤوليّة، فهما سواءٌ في التديّن والإيمان والكفر والنفاق، والعبادة، والثواب والعقاب، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والهجرة والبيعة.. (فاستجاب لهم ربُّهم أنّي لا أُضيع عمل عامل منكم من ذكر وأنثى بعضكم من بعض) [3 آل عمران195].

(والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله) [9 التوبة 71]. (ويعذّب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات) [48 الفتح6]، (يا أيّها النبيّ إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا..)[60الممتحنة12]. وسوّى بينهما في المسؤوليّة الجنائيّة (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا) [5المائدة 39] (الزانية والزاني فاجلدوا كلّ واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله) [24النور2].

وقرّر الإسلام أهليّتها في تحمّل وأداء مسؤوليّة الأمانة العلميّة، وفي القيام بكلّ الالتزامات الماليّة، وورّثها كبيرة كانت أو صغيرة حتى وإن كانت حملا في بطن أمّها. والمرأة في الإسلام تكون بصلاحها وتُقَاهَا وجهادها وَليَّةً وصدّيقة وشهيدة.
وقد أوصى النبيّ(ص) بالنساء وبالزوجات خاصّة خيرا، ووسَمَ من يُكرمُهُنّ بالخيريّة والكرم، ومن يُسيء إليهن باللؤم والسّفه فقال (ص) : «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهله»، وقال: «ما أكرمهنّ إلا كريم وما أهانهنّ إلا لئيم».

والحجاب الذي يحاربه خصوم الإسلام من المنصّرين والمستشرقين والمتغرّبين هو فرض عين على كل امرأة مسلمة بالغة بنصّ القرآن والسنّة الصحيحة وقد فُرض في ذي القعدة من السنة الخامسة للهجرة بنزول قول الله تعالى : «وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ..» الآية [النور:31]، وقوله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً» [الأحزاب:59] أي يجب على المؤمنات المسلمات أن يسدلن خُمُرَهُنّ وهي أغطية الرأس على جيوبهنّ أي فتحات صدورهن لئلا يبدُوَ شيءٌ من نُحورهنّ وصدورهنّ، ولنساء النبيّ (ص) خصوصيّةٌ وهي وجوب ستر الوجه والكفّين في كلّ الأحوال والقرار في بيوتهنّ. وقد استجابت الصحابياتُ لهذا الأمر حال نزوله، قالت عائشةُ رضى الله عنها: يرحم الله النساءَ المهاجرات الأُول لما أنزل الله « وليضربن بخمرهن على جيوبهن» شققن مُرُوطَهُنَّ فاختمرن بها. والحجاب هو عُنوان الحياء والحشمة للمرأة المسلمة، وتشريعُه جزءٌ من تكريمها وليس رمزا للتنكّر لحقوقها وحدّا من حرّيّتها وشَلا لحركتها كما يدّعي أعداء الحجاب.

فهل نلتفت بعد هذه الآيات القطعيّة الثبوت والدلالة إلى مُهاترات أعداء الإسلام على اختلاف مشاربهم، الذين امتهنوا الكذب على الإسلام واتخذوا من الافتراء عليه شرعةً ومنهاجًا؟ فهل يُعقل أن نستمع إلى ما افتجروه من سماجات وسخافات كقولهم إنّ الحجاب وضعه محمّد (ص) غيرةً على نسائه!! وأنّ أصوله التاريخية تعود إلى اليهوديّة التي ترى في المرأة رمزا للخطيئة الأولى فاتخذته لتستر خطيئتها، كما عرفت بذلك داعية الحرية الجنسيّة نوال السعداوي التي نفت وجودَ آية قرآنية واحدة تنُصّ على تحجيب المرأة، وتتحدّى من يقول بغير ذلك!!.

لقد جنّد الاستعمارُ أتباعه وأنصاره وكثير منهم من اليهود وحرّض صنائعه من المتغرّبين ممّن يسمّيهم «النخبة» رجالا ونساء للهجوم على الحجاب والدعوة إلى تركه بدعوى أنّه يمنع المرأة من المشاركة في الحياة العامّة ثقافيّة وسياسيّة واجتماعيّة!؟ وفي الحقيقة فإنّ تحرير المرأة الذي ينادي به هؤلاء المتغرّبون والعلمانيون هو «أن تتمرّد المرأة المسلمة على دينها وقيمها وعفّتها».

• بماذا تفسرون الظهور البارز لتيارات الإسلام السلفية، البعض يراها وافدة خاصة على تونس المعروفة بالاعتدال والتسامح والتعايش منذ عصور غابرة؟

قبل الإجابة عن هذا السؤال لا بدّ لنا من تحديد معنى السلفيّة. فالسلفيّة هي الالتزام بكتاب الله وسنّة الرسول (ص) وعمل الصحابة. وقد أشار النبيّ (ص) إلى المُرادِ بالسَلَف في قوله عليه الصلاة والسلام «خير القرون ٍقرني ثمّ الذين يلونهم ثمّ الذين يلونهم» والمُرادُ بالقرن في حديث الرّسول هو الجيل أي خير الأجيال في التاريخ ما قبل الإسلام وما بعد الإسلام حتّى آخر الدهر هم الصّحابة رضي الله عنهم والتابعون وتابعوهم بإحسان رحمهم الله.
فبهذا المفهوم يكون كلّ المسلمين سلفيين لأنّ كلّ مسلم يعتَزُّ بكتاب الله وسنّة النبيّ ويلتزم بما ورد فيهما من تعاليم وأوامر ونواه أمّا ما نراه من بعض الغلو والتشدّد الذي يمارسه بعض المنتسبين إلى السلفيّة فهذا ناشئ عن محدوديّة علمهم جَرَاءَ ما عانت منه البلاد من تجفيف منابع التدّين وإغلاق جامع الزيتونة الذي حافظ على عروبة تونس وإسلامها واعتدالها ووسطيتها قروناً طويلة من الزمن فضمور العلم الشرعيّ ومحدوديّة الإطّلاع على منابع الشريعة الغراء، وجهل بعضهم بفقه الواقع وفقه الأولويّات جعلهم يرتطمون في هوَّة التشدّد والتعسير وحتّى التنفير من الإسلام السمح فعلماء الإسلام المتمكنون يتميزون بسعة الصدر وقُبول الرأي المخالف طالما انَّه لا يصادم أمراً معلوماً من الدّين بالضرورة لأنَّ الإسلام دين اليُسر والسماحة والبِشارة والحقّ والعدل والجمال.

• يرى البعض ان مشكلات الفقه الإسلامي انه بقي جامدا منذ قرون ، كيف حلها لكي يكون لنا فقه إسلامي عصري وحديث يتلاءم مع تغيرات المجتمع وتطورات حياة الناس في عالم اليوم؟

إنَّ الزعم بأنَّ باب الاجتهاد في الإسلام أغلق دعوى باطلة لأنّ الاجتهاد أمر به الله تعالى في كتابه وأكّد عليه الرسول الأكرم في سنته وقد درّب عليه الصلاة والسلام المسلمين على الاجتهاد وبشّرهم بأنّ من يجتهد منهم ويصيب يُجزى أجرين ومن يجتهد منهم ولم يُصب ينال أجراً واحداً، فلا يحقّ لأيّ كان أن يخالف أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلّم، فيغلق باب الاجتهاد. وبدراسة تاريخ الأمّة الإسلاميّة لا نجد عصراً من عصورها الطويلة يخلو من مجتهد ومنارة علميّة تُنير للمسلمين سُبُلهم ودُروبهم وإنّ تجديد الدّين الذي بشّر به الرسول (ص) الأمّةَ على أيدي مجدّدين يبعثهم الله على رأس كلّ قرن من الزمن يؤيّد بقاء الاجتهاد حيّاً وإن لم يكن بنفس القوّة في كلّ عصور الأمّة وأزمانها.

وإنّ القضايا الجديدة المُستَجدّة التي نزلت في عصرنا الحاضر تولى حلّها والإجابة عنها مُفتُونَ أفذَاذٌ ينتشرون في مشارق الأرض ومغاربها ونظراً لتعقّد بعض المسائل العصريّة فإنَّ الأمّة الإسلاميّة رأت وُجُوب تكوين مجامع علميّة فقهيّة تتناول النوازل الحادثة بالدَرسِ وإيجاد حلول تتساوق والشريعة الإسلاميّة، حتّى تضمن للمسلم أن يعيش حياته في طاعة الله وفي حدود ما شرّعه له من حلال وحرام، فمجمع الفقه الإسلامي برابطة شعوب العالم الإسلامي بمكّة المكرّمة، ومجمع الفقه الإسلامي التابع للمؤتمر الإسلامي بجدّة الذي تشرف عليه الدّول الإسلاميّة، ومجمع البحوث الإسلاميّة للأزهر الشريف كلُّها مؤسّسات فقهيّة تقوم بدور رائدٍ في دراسة المشكلات الفقهيّة وإيجاد الحلول الشرعيّة التي تحقّق مصلحة الفرد المسلم وتضمن مرضاة الله ورسوله (ص) وليست هناك مشكلة واحدة مهما كانت عويصة إلاّ وأوجدت لها المجامع الفقهيّة الحلّ المناسب لأنّ الإسلام يتمتّع بمرونة كبيرة وقابليّة التعايش مع العصور مهما جدّت فيها من تطوّرات ومسائل لم يقع طَرقُها في الفقه الإسلامي في العصور الغابرة.

من هو الدكتور أبو لبابة حسين؟

• أبولبابة الطاهر صالح حسين من مواليد مدينة قابس في 1940.11.15، متزوّج وله أبناء ، وهو أستاذ متميّز بجامعة الزيتونة.
• المؤهّلات العلميّة الجامعيّة: الإجازة (LICENCE) في أصول الدين بملاحظة حسن [تقدير جيّد جدّا] الكلية الزيتونية للشريعة وأصول الدين والماجستير في السنة النبوية وعلومها بتقدير جيّد، كلية أصول الدين القاهرة جامعة الأزهر الشريف والدكتوراه في الحديث وعلومه مع مرتبة الشرف الأولى كلية أصول الدين القاهرة جامعة الأزهر الشريف.
• عُضو المجلس الإسلاميّ الأعلى بتونس [1990 2002م] وإمام خطيب [1900 1998م] وعضو جمعيّة تونس الزيتونة.
• رئيس مجلس الأمناء الجامعة الأمريكيّة العالميّة وعضو المجلس الأعلى العالمي للمساجد مكة المكرّمة والملتقى العالمي للعلماء والمفكرين المسلمين مكة المكرّمة واتحاد علماء المسلمين والمجلس التنفيذي للرابطة العالميّة لخرّيجي الأزهر الشريف. القاهرة والمجلس التنفيذي للرابطة العالميّة لخرّيجي الأزهر القاهرة والاتحاد العالمي للعلماء المسلمين.
• مؤلفاته العلميّة المنشورة:


1 الجرح والتعديل : ط3 2010 (دار الغرب للنشر والتوزيع تونس)
2 موقف المعتزلة من السنة : ط3 2006 (دبي الإمارات العربيّة المتحدة)
3 الإسلام والحرب: ط1 1979 ( دار اللواء للنشر والتوزيع الرياض )
4 التربية في السنة النبوية : ط3 1983 ( دار اللواء للنشر والتوزيع الرياض)
5 موقف متصوفة إفريقية وزُهَّادها من الاحتلال العبيدي:ط1 1979 (داراللواء للنشر والتوزيع، الرياض)
6 أبوالوليد الباجي وكتابه التعديل والتجريح لمن خرج له البخاري في الجامع الصحيح:
ط2 2010 (دار الغرب للنشر والتوزيع تونس)
7 أصول علم الحديث بين المنهج والمصطلح : ط 1 1997 ( دار الغرب الإسلامي بيروت لبنان )
8 نافذة عن الإسلام : ط1 1997 ( دار الغرب الإسلامي بيروت لبنان )
9 محاضرات في الحديث التحليليّ: ط1 2004 ( دار الغرب الإسلامي بيروت لبنان)
10 محاضرات في أصول علم الحديث(بالاشتراك) ط1 1428ه/2007م مطبوعات جامعة الإمارات العربيّة المتحدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.