يكشف نظام الرواية عن شخصية محورية واحدة تتحرك منذ البدء وتستولي على مهام الفعل والقص في آن واحد.في حين تكون بقية الشخصيات عابرة وعرضية وأكثرها يظهر في فصل ولا يعود . وعموما فالشخصية المحورية هي شخصية احمد الغربي ولا نجد من الشخصيات التي تعاود الحضور غير عمر لرتيستو ورياض شاعر القلعة وهي شخصيات يغلب عليها الطابع الثقافي ويحمل حضورها في الرواية دلالات هامة...
أحمد الغربي
الشخصية الرئيسية في الرواية هي شخصية احمد الغربي وهو في الآن نفسه الراوي فنحن أمام راو مشارك في الأحداث اختار ضمير الأنا متحدثا في اغلب فترات الرواية وهي نزعة سيرية لمح إليها الكاتب ...
واحمد الغربي هو شخصية مرت بتحولات مختلفة.كانت بدايته في عالم الصحافة والأدب حيث يقول عن نفسه « انأ احمد الغربي عاندتني ميولي طفلا ودانت لي رجلا.استهوتني الكلمات فلعبت بها غر بتوسل الشعر الذي سرعان ما أهملني فتلقفتني الصحافة مهنة والرواية مالا إلا أن الصحافة تركتني والرواية سرقت مني.....»ص27.
تخلى احمد الغربي عن عالمه الأدبي وانتقل فترة إلى التجارة ثم مني بالخيبة وعاد إلى مهنته الأولى وتوترت أوضاعه وأصيب بفقدان الذاكرة وهو ما جعله نزيلا في المارستان وقد تعرف في المستشفى على جملة من الشخصيات وقد عادت إليه ذاكرته بعد مدة.و تجربته مليئة بالمرارة فبمجرد خروجه من المستشفى اصطدم بالواقع المرير حيث ومنذ اليوم الأول فوجئ بزوجته بصدد بيع المنزل وهو ما دفعه للتشاجر معها حتى زج به في السجن مباشرة وبعد خروجه وجد نفسه بلا مأوى وفي حالة تسكع...
عمر لرتيستو
عمر هو صديق للراوي وقد كان له دور في شفائه حيث زاره في المارستان وأدى له خدمات مختلفة منها مده بجانب من مقالاته القديمة التي فاجأه يوما بطبعها في كتاب وغير ذلك من الحركات النبيلة التي ساهمت في إعادة الروح إلى ذاكرة احمدالغربي وهو شخصية مبدعة لها نشاط مسرحي يقول عنه الراوي:«عمر لرتيستو هو عمر الأندلسي صديق الطفولة وسنين الدراسة الثانوية يعتقد جازما أن أجداده ضحايا حملات التفتيش الصليبية التي ألقت ببقايا المسلمين بعد سقوط الأندلس خارج أوروبا...»ص71 ويضيف«تلقى تكوينا أكاديميا في المسرح وهو ما أهله لإدارة فرقة مسرحية بالعاصمة التي خير الاستقرار بها منذ تخرجه من الجامعة...له ميول موسيقية منذ الطفولة...»ص72.
لكن الراوي يكاد يخرج هذه الشخصية عن صورتها كشخصية متخيلة ويخلط بينها وبين شخصية لها وجود مادي ففي الرواية يصبح عمر لرتيستو هو صاحب مسرحية رحيل المعروفة والتي أحدثت زمن عرضها ضجة ما وهي مسرحية لأحد المبدعين أصيلي مسقط رأس الشاعر «كان لقائي بعمر لرتيسو كان لقاء الغرباء وليس أجدى للغريب من الغريب. حدثته عما حدث معي منذ خروجي من المارستان وحدثني عن مسرحيته الجديدة واقترح علي حضور عرض جديد لمسرحية رحيل سيجري مساء الغد بفضاء دار الثقافة ابن رشيق»ص182
بهذا المعطى يخطر سؤال ما لقارئ هذه الرواية حول علاقتها بالسيرة الذاتية خصوصا وأن ثمة كثير من عناصر السيرة الذاتية في هذا العمل وهو ما يجعله مزيجا بين الخيال الفني والذاكرة الخاصة...
شاعر القلعة
رياض شاعر القلعة هو شاعر أصيب بالاكتئاب نظرا لما تعرض له من حملات استهدفت اعتقاداته وهو ما جعله نزيلا في الماريستان صارت حياة رياض الثقافية والفكرية مستحيلة .تحولت المنتديات وأعمدة الصحف وبعض البرامج التليفزيونية إلى مجالات لمحاكمات غير رسمية لرياض وجماعة القلعة بتهم مضحكة في اغلبها وصلت حد اتهامه بالإساءة الى قيم الحداثة...بمفعول تلك الحملة بدأت تظهر على رياض شاعرالقلعة أعراض انطواء اكتئابي ما لبثت نوباته العصبية تتواتر وتتصاعد حتى تحولت إلى حالة اكتئاب مزمنة أسكنته قلعته الجديدة قلعة المارستان.»ص113
اغتراب وعولمة
إن حضور هذه الشخصيات في هذا الحيز الروائي قد يكون مدخلا لكشف الدلالات الخفية في هذا العمل الروائي .إنها أزمة المثقف في هذا البلد.أزمة خانقة ومتشعبة فهو في زاوية الانكار والاغتراب بحيث يفقد التواصل الفكري مع محيطه وهي أزمة المختلف حيث يجابه بالتهم المختلفة التي تصل حد الشك في مداركه العقلية...فالكاتب اختار فضاء المارستان هروبا فلسفيا وفكريا من الواقع وانتصارا للمعذبين من أجل أفكارهم.
كما لا يمكن أن ينتهي الحديث عن هذه الرواية دون الإشارة إلى انتفاضتها على الرأسمالية واقتصاد السوق والعولمة وذلك لما فيها من إشارات كثيرة تحمل انتقادا لهذا الواقع الاقتصادي .
ولعل التأمل في شخصية أحمد الغربي يكشف هذا التوجه وهذا المضمون الخفي.ألم يكن أحمد الغربي في حال طيبة؟ ألم يكن تخليه عن الفكر وانتصاره للمادة يوما ما حين قرر خوض مجال التجارة سببا في أزمته وانهياره؟؟أليست هذه إشارة إلى لعنة العولمة؟