الزلزال الذي انفجر في معتمدية تالة من ولاية القصرين كان نقطة التحول المركزية التي حولت الحركة الاجتماعية التي انطلقت من سيدي بوزيد من انتفاضة إلى ثورة حقيقية. لقد أثبتت الحركة الاجتماعية التي تفجرت في تالةوالقصرين انها لحظة تأسيس لفعل ثوري ينشد القطع مع النظام القائم لا اصلاحه وترميمه.
يظهر هذا المنحى-كما صرح لنا السيد فتحي السائحي أولا في حجم المشاركة الشعبية الواسعة لاهالي تالة بمختلف الاعمار والاتجاهات اذ انطلقت البوادر الاولى للحركة الثورية في 3 جانفي 2011 من تلامذة المعاهد والاعداديات الذين بلغ عددهم قرابة الالفي تلميذ انضم اليهم كل اطياف المجتمع من كل القطاعات والاعمار اضافة إلى اصحاب الشهائد المعطلين عن العمل والشباب المعطل عن العمل من المهمشين والفقراء انضافت اليهم شريحة كبرى من الموطفين من الرجال والنساء. هذا الحجم الهائل من المشاركة الشعبية التي فاقت العشرة الاف متظاهر منذ اليوم الاول هو الذي يفسر نداءات الاستغاثة التي بعث بها الامنيون امام مركز الشرطة من خلال الكلمات التي سمعها شهود عيان «نريد دعما راهي تالة باش تاكلنا» وهو ما يفسر ايضا حجم التعزيزات الامنية من كل جهات البلاد والتي بلغت إلى حد يوم 8 جانفي 2011 اكثر من 1700 عون تدخل رابطوا في المفاصل الحساسة للمدينة مما يدل على وعي السلط انذاك بخطورة التحركات الاحتجاجية في تالة. ويؤكد الشهود ايضا أن ذروة المواجهات كانت ليلة 8 جانفي عندما خرج الالاف في تلك الليلة السوداء مقبلين على الموت فكانت الحصيلة سقوط 5 شهداء هم مروان جملي ومحمد عمري وأحمد ياسين الرطيبي واحمد بولعابي وغسان الشنيتي وعشرات الجرحى وكان يمكن ان ترتفع الحصيلة لولا فضل التضاريس الجغرافية للمدينة التي – وهي من المفارقات – سمحت للشباب بالمناورة وتحويل المئات من «البوب» إلى رهائن في قلب المعركة رغم اسلحتهم المتطورة. فضاء المعارك في النجارية وحومة الرحبة وحومة بولعابة وأزقة عين تالة وحومة السوايحية كانت في الواقع الفضاء الذي سيسمح باتساع رقعة المعركة في حي الزهور وحي النور بالقصرين: المسألة اذن لم تعد في عين المؤرخ كما يقول السيد فتحي السائحي مسألة «صد شغب» انها ثورة حقيقية ويضيف أن ما يشرع للحكم بأن لحظة تالة–القصرين هي لحظة الفعل الثوري هو تغير بنية الشعارات من المطالبة بالعدالة والتشغيل في اطار النظام القائم إلى المطالبة باسقاط النظام وتقويضه من اساسه بصورة لا يمكن فيها العودة إلى ما قبل 3 جانفي 2011. فالشعارات التي رفعت في تالة و القصرين كانت شعارات جديدة لا تكتفي بمجرد التنديد بالعصابات المافيوزية والمطالبة بالتشغيل والعدالة الاجتماعية. لقد حدثت طفرة في سقف المطالب : المناداة بشعار اسقاط النظام برمته.
هي شعارات ترسم بوضوح هدفا مركزيا ليس هو الاصلاح والترميم بل هو اسقاط النظام والاعلان عن نقطة اللاعودة إلى الحالة السابقة ويضيف محدثنا أنه بهذا المعنى يمكن التأكيد ان ثورة الالاف في تالة ساهمت بشكل واضح في تحويل اهداف الحركة الاحتجاجية من الاصلاح إلى الاطاحة ببنية النظام القائم فما رفع بعد ذلك في حي التضامن وسيدي حسين من شعارات هو نفسه ما رفع في تالة. النظام ادرك منذ لحظة تالة انه امام حركة جديدة لن تمكث الامور على ما هي عليه وهو ما يفسر حجم القمع الشرس والكم الهائل للضحايا في ولاية القصرين والغريب كما يؤكد فتحي السائحي أخ الشهيد وجدي السائحي ان هناك من يستميت في التقليل من شأن حركة الثورة في تالةوالقصرين وتحويل مناضليها إلى «كمشة» من المجرمين والمنحرفين والتشكيك في عدد الشهداء والجرحى لاسباب جهوية صرفة وبمنطق من يرفض ان تأتي الثورة من الحفاة العراة وهؤلاء هم انفسهم من ضخم في عقول الناس الصراع بين الساحل والداخل.
الاعلام شوه تحركنا إبان الثورة
ويضيف أن الاعلام الرسمي لم يستطع ان يلزم كعادته الصمت بل كان عليه ان يشوه حركة الثورة في تالة فقد كتبت جريدة الحرية في 11 جانفي 2011 «قامت مجموعات من الافراد بمهاجمة مقر المعتمدية. .. فتمت محاصرته ومهاجمة اعوان الامن باستعمال الزجاجات الحارقة والحجارة. . لما واصلت هذه المجموعات اقتحام مقر المعتمدية بالقوة استعمل اعوان الامن السلاح للدفاع الشرعي عن النفس» ولانارة الرأي العام ولتصوير حقيقة الحركة الاجتماعية في تالة قامت مواجهة اعلامية اخرى على غرار المواجهة الميدانية قادها حقوقيون ومثقفون عبر وسائل اعلام عالمية لاخراج الصورة الحقيقية عن الوضع المأساوي إلى الرأي العام العالمي وتكسير الطوق الذي فرضه النظام على المدينة. فالى جانب زخم الصور الذي يبعث بها شباب الفايسبوك عن ماسي الاهالي يذكر التاريخ ايضا مساهمة الحقوقيين أمثال جمال بولعابي وبلقاسم السائحي ومحمد الهادي الفريضي وغيرهم في فضح الجرائم المرتكبة في المدينة والكشف عن حجم القمع الوحشي الذي يتعرض له الناس وجرائم المداهمات وحالات الاغتصاب وحالات الاغلاق الشامل للمدينة والنقص الفادح في التزويد عبر «الجزيرة» والعربية وفرانس 2 وفرانس 24 وراديو كلمة. ويضيف محدثنا ان أولى الصور عن استشهاد مروان جملي كانت من قبل الحقوقي بلقاسم السايحي والتي نشرتها وسائل الاعلام العالمية قد احرجت النظام ايما احراج إلى درجة اصبحت من اولويات النظام هو إلقاء القبض عليه وربما السعي إلى قتله كما دلت شهادة بشير بالطيبي اثناء المحاكمات بالمحكمة العسكرية بالكاف. هذه المواجهة الاعلامية تؤكد مرة اخرى ان اتجاه الصراع كان القطع والتدمير والطموح إلى رفع سقف الهدف وهو اسقاط النظام.
الامن انسحب يوم 12 جانفي
ويضيف أنه في 12 جانفي 2011 تالة تسقط نهائيا بن علي ففي هذا اليوم يأتي الامر بانسحاب جحافل الامن من المدينة لكن وأثناء محاولة الانسحاب تفاجأ قوات البوب انها وضعت بين فكي كماشة الثوار محاصرين من كل جهة. لم يستطيعوا الخروج لان الناس صمموا على الانتقام للشهداء والجرحى ومواصلة معركة اسقاط النظام إلى اخر رمق ووقعت المعركة الاخيرة بضراوة لا نظير لها في التاريخ استشهد على اثرها اخر شهيد هو وجدي السائحي وأصيب فيها سمير السائحي بجروح بليغة. لم يمض اليوم إلا وأخلت المدينة من كل أثر للنظام بعد ان هرب البوب وتصاعدت السنة اللهب في كل المقرات مثل مركز الشرطة ودار التجمع. ويؤكد السيد فتحي السائحي اخ الشهيد وجدي السائحي في اجابته عن سؤال عما تحقق في المدينة بعد الثورة ان تالة رغم مرور سنتين على الثورة لم يتحقق فيها شيء.