أكثر من 45 حزبا دستوريا أو تجمعيا أسست بعد 14 جانفي 2011، عدد منها كان لوقت قريب يعمل في العلن ويسعى إلى توحيد الكثيرين لكن فجأة اختفى الجميع من الصورة فما الذي يخفيه هذا الوضع؟ وهل هو تكتيك مرحلي أم هو خيار استراتيجي يتحين لحظة الصعود والعودة القوية؟ تشير خارطة الاحداث السياسية في تونس الى غياب كلي للأحزاب الدستورية عن واجهة الاحداث والنشاط السياسي في الآونة الاخيرة، وتبخر ذكر أكثر من 45 حزبا وكانها غير موجودة او لم تكن فأين هي؟ وهل اختارت التخفي ام فرض عليها؟.
انسحاب مفروض
وبالرجوع الى آخر مرة سمعنا فيها عن نشاط لأحزاب دستورية كان يوم 3 أكتوبر الماضي حين تم الاعلان عن تشكيل كتلة للأحزاب الدستورية وهي اللقاء الدستوري والحزب الحر الدستوري التونسي وحزب الوطن الحر وحزب المستقبل وحركة الكرامة والديمقراطية وحزب المبادرة، وجاء في بيان لها انها قررت تكوين هذه الكتلة ذات المرجعية الدستورية والحاملة لفكر الرئيس السابق الحبيب بورقيبة «لتنسيق عملها وتوحيد جهودها وتجنيد إطاراتها ومناضليها لإنجاح المسار الوسطي الإصلاحي الحداثي والتقدمي»، وفق نص البيان.
ومنذ ذلك التاريخ اختفى الدساترة عن الصورة وهو ما جعلنا اليوم نبحث عن السبب الذي جعلهم يتخذون قرار العمل السري خاصة وانهم ينشطون كغيرهم من الاطراف السياسية منذ تنظيمهم في أحزاب بعد حل «التجمع».
وفي هذا الاطار تطرح عدة فرضيات لكن الاحداث تفرض أحد أمرين الاول هو ان الدساترة اجبروا على العمل السري والثاني هو ان يكونوا قد اختاروا هذا النوع من العمل لتجنب الضجة التي تثيرها تحركاتهم والتوتر المتواصل داخل المجتمع التونسي حول قبولهم من عدمه.
وفي السياق الاول تشير الاحداث الى أمرين مهمين الأول هو مقتل قيادي في حزب حركة نداء تونس في تطاوين بعد اسبوعين من الاعلان عن تشكيل الكتلة الدستورية وذلك في 18 اكتوبر وان لم يكن الفقيد دستوريا لكن شبهة التورط مع التجمع التي تلاحق حزبه كانت من ابرز التهم التي برر بها القاتلون فعلتهم وهنا ربما طرح التجمعيون او الدساترة سؤالا ان كان هذا حصل لمجرد الشبهة فما الذي سيحصل لمن كان انتماؤهم للتجمع أكيدا.
ربما كانت حادثة لطفي نقض سببا قويا يدفع الدساترة الى العمل في السرية حتى ينجلي التوتر لكن كانت هناك حادثة أخرى لا تقل خطورة عن الاولى وهي تقديم حركة النهضة لمشروع لإقصاء التجمعيين الى المجلس الوطني التأسيسي وذلك بعد أسابيع من حادثة نقض في تطاوين وعلى الرغم من معارضة الدساترة لهذا المشروع الذي اعتبروه منافيا للمسار الانتقالي الديمقراطي الا ان تلك المعارضة لم تخرج عن اطار التدخلات في وسائل الاعلام او الندوات الصحفية المغلقة وكأن هناك التزاما بعدم القيام بأعمال علنية.
عمل سري
اذن ومن هنا يمكن ان نقول ان الدساترة ومشتقات «التجمع» فرض عليهم العمل السري عبر التوتر المتواصل ضدهم وخاصة مع اختلاط اوراق عدم المحاسبة مع اوراق التصفية السياسية ومقترحات الاقصاء.
وتقول الفرضية الثانية ان الدساترة لم يجبروا على الدخول في العمل السري وانما هم من اختاروه باعتبار انهم كانوا والى حدود شهر اكتوبر الماضي ينشطون دون اي مشاكل تذكر حتى انه هناك من تساءل في وقت من الاوقات لماذا تهاجم رابطات حماية الثورة التظاهرات التي يقوم بها نداء تونس لمجرد الشبهة في انتماء عدد من اعضائه الى التجمع في حين كانت تظاهرات الدساترة الذين انتموا الى التجمع وكانوا قيادات فيه تمر بسلام وربما نذكر جميعا تصريحات حامد القروي التي دعا فيها الدساترة الى رفع رؤوسهم بالقول «الحمد لله يا دساترة هزوا روسكم طلعنا نظاف».
فهل يكون الدساترة قد اختاروا العمل السري بأنفسهم خاصة وان ذلك شمل مختلف الاحزاب الدستورية والتجمعية في الوقت نفسه وربما تكون الجبهة او الكتلة التي كونوها قد اتخذت هذا القرار لكن هل ينجح الدساترة في العمل السري الذي لم يعيشوه منذ الاستقلال؟ لكنهم رأوا في بداية التسعينات تجربة تهرئة الاسلاميين باليسار واليسار بالإسلاميين وربما تكون فرصة لإعادة هذا السيناريو لكن من موقع المعارضة وليس من موقع السلطة.؟
الناطقة باسم حزب المبادرة : هذه أسباب غيابنا أكدت سميرة الشواشي (الناطقة الرسمية باسم حزب المبادرة) على أن أهم أسباب عدم ظهور الدساترة فى الساحة السياسية وغيابهم في المسيرات الأخيرة هو انهم فضلوا عدم المشاركة كحزب تحت لافتة موحدة وخيروا المشاركة فرادى، حسب قولها طبعا.
واعتبرت أنه «في ظل الأوضاع السياسية والاقتصادية المتردية وتضاعف حالة الاحتقان وعدم اتمام الدستور لا يوجد أي موجب للاحتفال بذكرى 14 جانفي بل كان الأجدر احياء هذه الذكرى العزيزة دون اقامة الاحتفالات».
وأضافت الشواشي قائلة «كنا نأمل لو تزامن الاحتفال في ذكرى الثورة مع تقديم الدستور لأن ذلك يزيل الضبابية عن المشهد السياسي ويوحي أننا قطعنا خطوة مهمة في مجال الانتقال الديمقراطي, كما أن ما حصل في يوم 14 جانفي من ممارسة العنف على الصحفيين وتبادل الشتيمة والعنف اللفظي بين بعض الأحزاب يبين حجم ما آلت اليه الأوضاع واستفحال مظاهر التفرقة في صفوف المجتمع».
نداء تونس والدساترة : حسابات الصفوف الأولى والصفوف الخلفية
برغم اتهامه بانه واجهة لعودة التجمعيين فان حزب نداء تونس بقي محافظا على طريقة عمله وهي تقديم شخصيات لم تنتم الى حزب «التجمع» وحتى لم تكن يوما من الدساترة بل ان اكثرها شخصيات يسارية منها الاستاذ لزهر العكرمي ورضا بالحاج وعبد العزيز المزوغي ومحسن مرزوق فيما يبقى «الدساترة» في الصف الثاني وبعيدا عن الاضواء، كما انه اختار يوم 14 جانفي ان يظهر قوته اكثر من أي وقت مضى وذلك بالخروج في مسيرة مع شريكيه الاشتراكي اليساري والعمل الديمقراطي وكان لها تقريبا لون واحد وهو لون نداء تونس.
وبالرغم من ان النداء يعتبر علاقته ببقايا التجمع مجرد شبهات او شخصيات في الوقت الذي توجد فيه احزاب بأكملها مشتقة من التجمع الا ان غياب هذه الاخيرة جعله يتحمل وحده مسؤولية الدفاع عن «التجمعيين» والدساترة في وجه قانون الاقصاء الذي يرى النداء بالرغم من ذلك انه لا يعنيه وانما يعني المسار الانتقالي في البلاد.
وما يدعم ذلك هو الصراع الخفي والمعلن داخل هياكل نداء تونس بين الكتلتين الدستورية واليسارية...فهل يضمن نداء تونس خروج الدساترة والتجمعيين من صمتهم الى سطح المشهد السياسي والعودة من الباب الكبير عبر قاعدتهم الشعبية والانتخابية الواسعة وقدراتهم على التمويل التي تشير اكثر المصادر الى انها من مشمولات الوجه الدستوري والتجمعي المعروف رجل الاعمال فوزي اللومي؟.
ام ان هؤلاء اي الدساترة والتجمعيين سيبقون أداة في يد غيرهم وخاصة من اليسار الذي يتبوّأ اليوم المواقع القيادية والصفوف الاولى لنداء تونس في اطار معركته مع خصمه الأيديولوجي اي الاسلاميين؟.
وأي مصير سيكون لحزب نداء تونس وهل سيكون ضحية دفاعه عن الدساترة والتجمعيين المختفين؟.