بحكم حجمها الجغرافي وثقلها الديموغرافي ووضعها الاقتصادي صارت مصر اليوم الكاشف المضخّم لإشكاليات الربيع العربي وتعثر ثوراته. وثورة مصر لم تعد متعطلة بل هي أكثر من ذلك أصبحت تنذر بالانفجار والتفكّك حتى أن الاحتفال بعيدها الثاني يوم 25 جانفي سرعان ما انقلب إلى مذبحة لا تزال تخلف الموتى والجرحى رغم إعلان حالة الطوارئ ونزول الجيش إلى الشوارع.
عنصران اثنان تظافرا للوصول بالثورة المصرية إلى هذا المأزق. أولهما هيكلي متعلق بالوضع الاقتصادي المصري الذي ازداد سوءا منذ سنتين بعد انهيار السياحة وتعطل الآلة الانتاجية وتراجع الاستثمار. وزاد هذه الأزمة وطأة لجوء الحكومة التي لم تجد بُدّا من توظيف ضرائب جديدة على المواد المورّدة والحال أن نسبة 55٪ من المواد المعدة للاستهلاك يقع استيرادها.
أما العنصر الثاني فهو متصل أساسا بشخصية الرئيس محمد مرسي الذي ارتكب أخطاء كثيرة قد تكون قاتلة لرئيس جاء بعد قيام ثورة. وأول هذه الأخطاء هو عدم تقديره لانتظارات شعبه أو المكونين الأساسيين لحركة التغيير التي أطاحت بسلفه حسني مبارك.
لقد ولدت الثورة المصرية من صلب لقاء بين شريحتين الأولى كانت «تريد» الديمقراطية والثانية وهي الأهم عددا كانت تريد الخروج من البؤس الاقتصادي والاجتماعي. لكن النظام القائم خيّب آمال الشريحة الأولى بعد «افتكاك» الرئيس مرسي لصلاحيات تجعله لا يختلف كثيرا عن سابقه وتمهّد لعودة الديكتاتورية تحت الراية الاخوانية، وخيّب الرئيس مرسي في ذات الوقت الشريحة الواسعة من أبناء شعبه الذين وجدوا أنفسهم في وضع أكثر بؤسا من مرحلة ما قبل قيام الثورة.
والحقيقة أن الرئيس مرسي سجين «الاخوان المسلمين» الذين انتخبوه والذين دفعوه إلى افتكاك صلاحياته والذين «أخاطوا» له دستورا أصبح محلّ ريبة في الداخل والخارج ومشتبها في أنه يمهّد لفرض نظام يحكم بالشريعة.
وقد أضاع الرئيس مرسي تحت ضغط المتشددين من «الاخوان» فرصا لبناء حوار جدّي مع المعارضة التي أصبحت سجّانه الثاني بعد رفضها أول أمس كل حوار مع الرئيس ما لم يعلن تحمّله مسؤولية الاحداث الدامية. ويشكل حكومة خلاص وطني ولجنة لتنقيح الدستور.
وإضافة إلى الاخوان والمعارضة زاد الرئيس مرسي سجنا آخر حبس فيه نفسه وهو سلطة الجيش الذي لجأ إليه لفرض الأمن والهدوء في الشارع وتنفيذ إعلان الطوارئ في عديد الجهات الحساسة. فالجيش والديمقراطية لا يجتمعان وهو ما يزيد من عزلة الرئيس ومن المخاوف على مصر ومستقبل ثورتها.