على عكس ما يعتقده البعض يسير حزب التكتل ورئيسه مصطفى بن جعفر وفق رؤية وأجندة عمل تستحضر متطلبات المرحلة القادمة وتطلعاته الواسعة إلى الحكم والسلطة. تعنت كبير أظهره حزب التكتل من اجل العمل والحريات، في موضوع التحوير الوزاري وإصرار الحزب على اقالة نورالدين البحيري وزير العدل وتعيين شخصية مستقلة على رأس الوزارة وهو مطلب القوى المعارضة للحكومة ، اضافة الى تضامنه الواسع مع حزب المؤتمر في منحى اقالة رفيق عبد السلام وزير الخارجية.
تعنت التكتل المعروف «بديبلوماسيته» في ادارة الخلافات داخل الترويكا، وحرص رئيسه مصطفى بن جعفر على بقاء التحالف بينه وبين النهضة، آثار دهشة المتابعين واستغرابهم وتفسيرات هذا الموقف عديدة وهي تصب في اتجاه واحد تقريبا هو رغبة الحزب في ترميم شعبيته والظهور بمظهر الند للنهضة حتى يضمن حدا معقولا من التمثيل في البرلمان القادم وربما ظفر رئيسه بقصر قرطاج ، هناك من يرى ان التكتل استفاد في ذلك من أمور عديدة اهمها : 1- السلبية التي تعاملت بها حركة النهضة مع «بالونات الاختبار» التي اطلقها الناطق الرسمي باسمه محمد بنور الذي دأب على التهجم على النهضة وخياراتها في الاشهر الاخيرة وكذلك التوهامي العبدولي الذي اطلق « النار» في اكثر من مناسبة على رئيس الحركة راشد الغنوشي وسعى في حواره الشهير مع جريدة الشرق الأوسط الى مغازلة رئيس الحكومة حمادي الجبالي واستمالته، ليحصل على ترقية مرتقبة من كاتب للخارجية الى وزير سياحة رغم انه استاذ اداب وحضارة عربية .
2-الاخطاء الكثيرة التي ارتكبتها النهضة في المفاوضات داخل تنسيقية الترويكا وافراطها في تقديم تنازلات وخاصة ، بعد المسارعة بإعلان سمير ديلو خليفة لرفيق بن عبد السلام استجابة لطلب حزب المؤتمر.
من سرب الخبر عشية الندوة الصحفية لرئيس الحكومة وفي ذروة الجدل حول «لغز الهادي بن عباس»، اراد «طمانة» الحليفين وربما دفع الامور نحو الانفراج، ولكن العملية جاءت باثر عكسي لانها اظهرت النهضة في موقع التراجع ، واعطت التكتل ذريعة بالحصول على مطلبه باقالة البحيري بعد نجاح المؤتمر في املاء شروطه على النهضة.
3- الندوة الصحفية لرئيس الحكومة التي يمكن اعتبارها كارثة اتصالية بكل المقاييس لتزامنها مع مقابلة الفريق الوطني لكرة القدم، وخيبة الأمل التي أصابت المواطنين الذين لم يفهموا سبب تنظيمها وكان المفترض ان يعلن رسميا تعثر المفاوضات وتوضيح المقصود من الكلمة وتحميل المسؤولية للطرف المقصر ، وان كسب رئيس الحكومة شيئا أساسيا فيها وهو الظهور بمظهر رجل الدولة المستعد لتحمل مسؤوليته كرئيس حكومة قبل ان يكون أمينا عاما لحركة النهضة .
4- شعور التكتل ورئيسه بانه الطرف الأكثر تمثيلا للجناح العلماني الحداثي في الترويكا وان قربه من باريس وتأثيره في النخب الفرانكوفونية أكثر من ضروري لاستقرار الحكومة وتواصل الدعم الخارجي لها.
هذا دون ان نتغاضى عن التذكير بأن الاوضاع الداخلية للتكتل ليست على ما يرام وهو الحزب الذي لم يعقد مؤتمره الوطني الثاني على الرغم من انه متواجد في السلطة بما يوفر احداث ضجة ما ارضية لاعادة ترتيب الاوضاع التنظيمية واستعادة البعض من الغاضبين والمنسحبين وهم كثر وعديدون.
الحقيقة ان التكتل افرط في تحدي النهضة واحراج رئيس الحكومة حمادي الجبالي، متجاوزا ثقله العددي داخل التأسيسي، ومضخما من دوره كقوة حداثية في ظل مكانة المرزوقي ورمزيته الحقوقية الوطنية والدولية ، والتي تاكدت بخطابه التاريخي في مجلس النواب الفرنسي وهو شرف لم يحظ به اي رئيس تونسي قبله ، والتوجه الموجود لدى العائلة التقدمية في اطار مشروع الاتحاد من احل تونس لتأهيل احمد نجيب الشابي ، والرأي الذي بدأت تميل إليه أطراف عديدة، هو ان موقف التكتل قد يخفي وراءه « طبخة» سياسية جديدة، وان رئيسه مصطفى بن جعفر قد يكون استغل «الجفوة» بين الباجي قائد السبسي وأحمد نجيب الشابي، ليحقق اختراقا شجعه على المضي قدما في «التصعيد» مع النهضة للانسحاب من الترويكا.
بن جعفر يدرك ان « مجاله الحيوي الانتخابي» كان القوى الحداثية والمتوجسة من مشروع النهضة، وهي قوى رغم أنها لا تمثل شرائح اجتماعية واسعة إلا ان ثقلها النخبوي لا يستهان به. وهو ما يفسر ترشيحها وجوها معروفة تاريخيا بخلافها الجذري مع النهضة مثل خميس قسيلة وبشرى بلحاج حميدة ، هذه القوى التي التحق اغلبها بنداء تونس لم تعد ترى فيها ممثلها أو لسانها، ويبدو انه معني كثيرا باستعادتها باي شكل من الأشكال.
بعض الاطراف لم تخف ان يكون التصعيد ضد البحيري مرتبطا بقضية خيام التركي، التي قد تكون أجبرت الحكومة على عدم تعيين وزير للمالية لأشهر طويلة طمعا في «تسوية» ملفه وتمكينه من الحقيبة التي رشح لها منذ اكثر من سنة ، وهو ما قد يوحي بتصعيد خطير في الأيام القادمة ان أصر كل طرف على موقفه وخاصة بعد ترشيح التكتل قيس سعيد وسمير العنابي مكان البحيري، والغريب ان العنابي الذي اقر بترشيح التكتل له لحقيبة العدل صرح امس بأن البحيري لم يفشل في مهامه بما يعني ضمنيا الإقرار بان شيئا ما يختفي خلف مطلب اقالة البحيري.
فهل يراجع بن جعفر موقفه بعد تحالف السبسي مع الشابي، او تواصل النهضة مسيرة تنازلاتها ام ينتقل التجاذب من باب بنات الى قصر باردو ورئاسة التأسيسي التي لم تحقق كثيرا من الإجماع حول وظيفتها الأساسية وهي كتابة الدستور في اجل معقول؟.