دخل امس مجلس شورى حركة النهضة في دورة طارئة واستثنائية لحسم الموقف من التحوير الوزاري والوضع داخل الترويكا.الاجتماع جرى على خلفية التجاذبات السياسية وكذلك طلب زيتون اعفاءه من مهامه. ورجحت مصادر مقربة من حركة النهضة ان تكون هذه الدورة حاسمة في توضيح مصير لا فقط العمل الحكومي بل العلاقات داخل حركة النهضة نفسها في ما بات ينعت بانه صراع أجنحة وتعدد توجهات.
وسبق انعقاد مجلس الشورى تقديم المستشار السياسي لرئيس الحكومة حمادي الجبالي لطفي زيتون صباح امس بطلب إعفاء إلى رئيس الحكومة وذلك أمام اقتناعه بأن التغيير الوزاري لن يزيد الأوضاع إلاّ تأزّما بعد ما تحوّل إلى عملية محاصصة حزبية لا تعتمد على معقولية سوى تقليص وجود النهضة لصالح أحزاب أخرى، وذلك بحسب ما جاء في نصّ طلب الإعفاء الذي نسب لزيتون وهو رأي أضحى يجتاح شقا واسعا من النهضة خاصة بعد سلسلة التنازلات في حقيبة وزارة الخارجية وبدء النقاش حول تغيير وزير العدل نور الدين البحيري.
والواضح ان الجبالي كان في سباق تقديم المزيد من التنازلات بعد عودته الى التفاوض بداية هذا الأسبوع مع حركة وفاء والتحالف الديمقراطي مما اشعر العديدين بان حدود التنازل كانها لم تعد تخضع لموازين القوى بين أطراف الترويكا والحلفاء الجدد المنتظرين.
وأكّد نصّ طلب الإعفاء أن رفض المقترح الأخير الذي تقدّم به زيتون للخروج من أزمة الحكم اعتبر من قبل المستشار السياسي فشلا شخصيا في الاقناع بخصوصية المرحلة وخطورتها إضافة إلى عدم توفر الظروف الملائمة لأداء مهامه صلب رئاسة الحكومة بسبب منهجية العمل خلال الأشهر الماضية. واعتبر زيتون - وفق طلب الإعفاء -أنّه لم يعد هناك أي داع لبقائه في موقعه مستشارا سياسيا أو أي موقع حكومي آخر.
أخبار متزامنة وسياقات
وجاءت هذه الأنباء تزامنا مع تسرب معطيات عن تقارب بين المؤتمر والتكتل والتحالف الديمقراطي وهم ما اعتبره البعض مواصلة في سياسة الضغط على حركة النهضة وأساسا أمينها العام السيد حمادي الجبالي من اجل القبول بالمزيد من التنازلات ومزيد من الرضوخ لاشتراطات الحلفاء القدم والجدد والتي ذهب البعض الى وصفها بالابتزاز السياسي بالنظر الى مكانة هذه الأطراف وأوزانها السياسية في التأسيسي وخارجها.
لكن الغريب ان استقالة زيتون جاءت بعد ظهور مؤشرات عديدة على عودة الدفء لعلاقته برئيس الحكومة حمادي الجبالي ، وهو ما يعيد الى السطح الحديث عن «صراع أجنحة» داخل الحركة، وعن خلاف جدي وعميق في وجهات النظر بين رئيس الحركة وأمينها العام، الذي انحاز في نظر منتقديه داخل الحركة الى موقعه الحكومي وهو ما قد يكون دفعه الى تقديم «تنازلات» مؤلمة لشريكي الحكم، ولربما للتفكير كما اشارت بعض المصادر في انشاء حزب جديد يضم «القوى الوسطية» داخل النهضة. وهو سيناريو مستبعد ولكن «تسريبه» قد يشير الى سعي الجبالي او أطراف قريبة منه الى لعب ورقة ردع استراتيجي هي اعتبار الانقسامات خطا احمر.
استقالة زيتون قد تكون تعبيرا صادقا عن ضيق الرجل بحالة العجز وتنامي الحديث عن منظومة فشل خيبت آمال قواعد النهضة وقطاعات واسعة من المجتمع، وقد تكون مناورة سياسية لتحسين الموقع التفاوضي لحركة النهضة في الترويكا وتكون بذلك تضحية بموقع حكومي من اجل إنقاذ الحكومة من الفشل في حال لم يتم الاتفاق على تحوير وزاري وفاقي لا يكون على حساب النهضة.
خطوة ستليها خطوات
خطوة لطفي زيتون الذي أصر في رسالته على تأكيد احترامه الشخصي لرئيس الحكومة عبر عن موقف شرائح واسعة تتخوف من ان تفقد التنازلات المجانية في التحوير النهضة ثقة الناخبين فيها في المستقبل لان الناخبين التونسيين صوتوا للنهضة لتحكم لا لتقديم تنازلات لأحزاب قد تكون نسيت حجمها الانتخابي والسياسي وأنها وجدت في الحكم بفضل قانون اكبر البقايا وحرص حركة النهضة على التحالف وعدم التفرد بالحكم والسعي الى تنفيذ مشروع حكم يتعايش فيه الاسلاميون والعلمانيون المعتدلون.
ويؤكد تعاطف جزء كبير من قواعد النهضة لكلام زيتون وردود الافعال والاهتمام الواسع للرأي العام بهذه الاستقالة التي تجاوز صداها المتوقع الى تأثير واسع وتوجيه للأحداث والانتظارات قد يكون مؤشرا على ان الصدمة التي أرادها البعض نتيجة للتحوير قد تكون زلزالا يطيح بهذا التحوير مرة واحدة او يخلط الاوراق من جديد داخل الترويكا وخارجها.
ومن المتجه ان يتكشف اليوم الوجه الجديد لسياسة النهضة وتوجهاتها الكبرى حيال شركائها والعمل الحكومي في أعقاب نهاية أشغال الدورة الاستثنائية والطارئة لمجلس الشورى.